فلما سمع القوم كلامها لاذوا بالصمت وهي ترتجف وتتجلد، فأجابها مروان وهو يضحك وقال: «تذكرين أني قتلت الخليفة، في حين لم يقتله إلا صاحبك محمد ربيب علي، وسوف يلقى كل منهما جزاء ما قدمت يداه.»
فقالت: «لا تنطق باسم ابن أبي بكر شقيق أم المؤمنين، ولا تلفظ اسم ابن أبي طالب أمير المؤمنين، ووالله لو أنه بيننا لتلعثم لسانك وما نجوت!»
فهم مروان بأن يجيبها فأسكتته أم المؤمنين قائلة: «أتذكر أخي محمدا يا مروان؟! اسكت. وأنت يا أسماء خففي عنك وأنت مريضة، اذهبي إلى فراشك.»
وكانت العجوز واقفة بجانبها فأمسكتها وخرجت بها من العريش وهي تكاد تقع لفرط اضطرابها، فلما خرجتا من البستان صاحت أسماء بالعجوز قائلة: «اخرجي بي من هنا، إني لا أستطيع البقاء!»
قالت: «وإلى أين يا ابنتي؟» قالت: «إلى يثرب.»
قالت: «كيف نذهب؟ وماذا نفعل إذا افتقدتك أم المؤمنين فلم تجدك؟»
قالت: «لا أدري ما العمل، ولكنني لا أستطيع البقاء هنا ولا بد لي من الذهاب إلى المدينة.» قالت: «لا أستطيع الذهاب إليها الآن.»
قالت: «اذهبي بي إلى منزل آخر غير هذا المنزل.» قالت: «أتذهبين إلى أم الفضل؟»
قالت: «هيا بنا إليها.» قالت ذلك وتناثر الدمع من عينيها غيظا. فسارت بها العجوز إلى منزل أم الفضل، فلما دخلتا عليها رحبت بهما، وقد استغربت مجيئهما رغم مرض أسماء.
أما أسماء فلم تكد تصل إلى المنزل حتى عاودتها الحمى وأصابها الدوار، فهمت بالاستلقاء على المصطبة أمام البيت، ولكن أم الفضل دعتها إلى حجرتها فأبت وقالت وقد توردت وجنتاها من شدة الحمى: «خذوني إلى المدينة، احملوني إلى الإمام علي لأطلعه على ما يكيدون، إنهم تواطئوا على الطلب بدم عثمان. ولو طلبوه من قاتله لعذرناهم ولكنهم يريدون عليا وأنا أعلم الناس ببراءته.» قالت ذلك وبكت.
Unknown page