Cadd Tanazuli
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Genres
في تاريخ الحروب البحرية، كانت تلك الحادثة تحاكي في أهميتها أهمية الانتقال من الشراع إلى البخار؛ فقد لعبت الغواصات دورا حيويا خلال الحربين العالميتين؛ حيث كانت الغواصات العسكرية الألمانية تهدد بقصم ظهر التجارة البريطانية، بينما كانت نظيراتها الأمريكية تضيق الخناق على تجارة اليابان البحرية خلال حرب المحيط الهادئ. ولكن، لم تكن الغواصات ترقى أن تكون أكثر من مجرد مركبات بحرية مساعدة، تعمل معظم الوقت على السطح وتعتمد على القدرة المحدودة للبطاريات الكهربائية عندما تغوص إلى الأعماق، ومن ثم لم تكن تقضي وقتا طويلا في الأعماق. وتخلصت الطاقة النووية من هذه القيود، وهو ما سمح للغواصات بالإبحار في أعماق المحيط لمدة أسابيع متعاقبة. ونظرا لأن الغواصة لم تكن مرئية ولم يكن ثمة سبيل إلى رصدها، صارت الغواصة النووية تمثل تحديا لحاملة الطائرات بوصفها سفينة كبرى، قادرة على تسيد البحار.
كانت «نوتلس» تمثل طريقا واحدا نحو عصر جديد من الأسلحة، وكان ثمة طريق آخر تمثل في ابتكار أنواع جديدة من الوقود الدفعي الصلب، وهي الأنواع التي أنتجتها شركة تصارع من أجل البقاء تسمى شركة «ثيوكول كيمكل كوربوريشن»؛ وكان منتج الشركة الرئيسي أحد بوليمرات متعدد الكبريت السائلة، اتخذ اسمه من «صمغ الكبريت» في اللغة اليونانية، ويمكن معالجته ليصير مادة مطاطية مركبة غير قابلة للذوبان. وخلال الحرب، استخدم هذا المنتج على نطاق محدود في إحكام لصق أجزاء خزانات الوقود في الطائرات، لكن بعد عام 1945 تلاشت سوقه. وفي حقيقة الأمر، كان معدل سير العمل بطيئا لدرجة أنه حتى الطلبات الصغيرة كانت تجذب انتباه جوزيف كروزبي؛ رئيس «ثيوكول».
لذا، عندما علم كروزبي بأن معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا كان يشتري عبوات تحوي ما بين خمسة وعشرة جالونات من الوقود، ذهب إليهم ليعرف السبب، واكتشف أن باحثي الصواريخ في مختبر الدفع النفاث كانوا يستخدمون هذا الوقود كبديل يتجاوز الوقود الصلب الذي يعتمد على الأسفلت في تكوينه الذي تنتجه شركة «جون بارسنز». وكانوا يمزجون وقود كروزبي مع مادة مؤكسدة ويضيفون مسحوق الألومنيوم لتوفير مزيد من الطاقة. وزاد على ذلك أنهم كانوا يستخدمون هذا الوقود الجديد بطرق تجعل من الممكن بناء صواريخ وقود صلب كبيرة للغاية.
سرعان ما أدرك كروزبي أن شركته يمكن أن تدخل أيضا مجال الصواريخ، بمساعدة من الجيش، واستطاع المسئولون في الجيش توفير دعم مالي مقداره 250 ألف دولار أمريكي في البداية لمساعدته على بدء العمل في مجال إنتاج الصواريخ، لكن هذا المبلغ كان كبيرا للغاية بالنسبة إلى كروزبي. وفي عام 1950، منحت إدارة التسليح في الجيش عقدا لبناء صاروخ يعمل باستخدام 5000 رطل من الوقود، وأطلق الصاروخ بنجاح في العام التالي في موقع اختبار، ومن خلال هذه التجربة، وجد مصممو الصواريخ شيئا جديدا.
ظهر الوقود الذي كانت تنتجه شركة «ثيوكول» باعتباره أول وقود ينتمي إلى نوع جديد من أنواع الوقود الدفعي الصلب، وهو ما كان يعتمد على كيمياء البلمرات لتكوين خلائط كثيفة القوام تشبه صلصة الطماطم. وكانوا يعالجون هذا الوقود أو يقومون ببلمرته في صورة وقود صلب طيع بحيث لا يتشقق أو يحدث فجوات في جدار الصاروخ الداخلي؛ وهو ما يضمن السيطرة جيدا على عملية الاحتراق. وكانت البحرية مهتمة أيضا بأنواع الوقود الدفعي هذه لاستخدامها في الصواريخ المضادة للطائرات، وفي عام 1954 شرعت إحدى الشركات المتعاقدة في ضواحي فرجينيا، وهي شركة «أتلانتك ريسرش»، في إدخال المزيد من التحسينات على الأداء.
ركز اثنان من علماء الشركة، وهما كيث رامبل وتشارلز هندرسن، انتباههما على مسحوق الألومنيوم؛ وكان باحثون آخرون قد أثبتوا أن الوقود يحقق أفضل أداء عند استخدام مزيج يتضمن خمسة في المائة فقط من مسحوق الألومنيوم، بينما كانت النسب الأعلى تتسبب في انخفاض أداء الوقود. وفي همة لم تفتر، قرر رامبل وهندرسن محاولة خلط كميات كبيرة جدا من مسحوق الألومنيوم؛ فارتفعت عندئذ سرعة العادم، التي كانت تحدد الأداء، ارتفاعا حادا. وفي أوائل عام 1956، تأكدت هذه النتائج من خلال عمليات إطلاق تجريبية. وقورنت سرعات العادم في الوقود الذي أنتجاه، التي كانت تبلغ 7400 قدم لكل ثانية وأكثر، مع سرعات العادم في أنواع الوقود السائل مثل الكيروسين والأكسجين.
كان مكتب الملاحة الجوية التابع للبحرية يطور الصاروخ «رجلاس» من طراز «كروز» للانطلاق من غواصة. وفي عام 1954، بينما كانت الصواريخ الباليستية العابرة للقارات تحتل الصدارة، قرر عالمان في مكتب الملاحة الجوية، روبرت فرايتاج وأبراهام هايت، محاولة تصميم صاروخ باليستي لصالح برنامج الصواريخ الباليستية في البحرية أيضا، وحصل العالمان على دعم كبير من قائد مكتب الملاحة الجوية؛ الأميرال جيمس راسل. وجذبت أفكارهما أيضا انتباه لجنة كيليان، التي أوصى تقريرها الصادر في فبراير 1955 بتصميم صواريخ باليستية متوسطة المدى ذات قواعد بحرية.
نال أسلوب إطلاق صواريخ من قواعد بحرية دعم أكثر الأشخاص تأثيرا في البحرية، الأدميرال أرليه بيرك؛ فقد تقلد منصب قائد العمليات البحرية في أغسطس 1955، وفي غضون أسبوع صدق على المقترح. أدرك بيرك بوضوح أن دمج الصواريخ الباليستية مع الغواصة النووية في العمليات سيمنح سلاح البحرية دورا جديدا تماما ومهما، ألا وهو القدرة على توجيه ضربات استراتيجية.
كانت القوات الجوية تمتلك تلك القدرة بفضل قاذفاتها، ولم يكن سلاح البحرية يمتلك أي سلاح يقترب - ولو قليلا - من هذه القدرة. وكانت البحرية تبني حاملات الطائرات، لكنها كانت ضخمة وكانت معرضة لهجوم نووي؛ ومن ثم، كان برنامج بناء السفن يشبه وضع جهود أكثر مما ينبغي في مشروعات قليلة. وبالإضافة إلى ذلك، كانت حاملات الطائرات مكلفة، ليس في حد ذاتها فقط، ولكن لأنها أيضا كانت تتطلب أساطيل شاملة من السفن المصاحبة لها إذا كانت ستبحر في مجال معاد. وفي حين كانت الأسطح المنبسطة الكبيرة تسمح باستضافة طائرات مزودة بقدرات نووية، كانت هذه الطائرات محدودة في حجمها، ومن ثم في مداها. ولم يكن من الممكن أن تنافس هذه السفن القوة الضاربة للبلاد المتوافرة في القيادة الجوية الاستراتيجية.
مع ذلك، كانت الصواريخ البحرية توفر احتمالات جديدة هائلة؛ إذ كانت هذه الأسلحة تستطيع تحقيق الاستفادة القصوى من قدرات الغواصة «نوتلس». ولم تكن هذه القوة الحربية خفية فحسب، بل كانت متحركة أيضا. وأشار الأدميرال كينرد ماكي، الذي خلف ريك أوفر، إلى أن «الغواصات مصممة للإبحار وحدها، ولا تتمتع بالحماية في مياه يسيطر عليها العدو. توفر الغواصة أمرين، وهما اليقين وعدم اليقين؛ اليقين فيما يتعلق بما ستفعله الغواصة، وعدم اليقين فيما يتعلق بالوقت والمكان الذي ستفعله فيه؛ فنحن نتعامل مع ميزات التجسس والحركة وقوة النيران التي تمنحنا تأثيرا فعالا، وهو تأثير لا يمكن مقارنته بأي شيء على الإطلاق».
Unknown page