Cadd Tanazuli
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Genres
كانت ثمة لحظات أخرى من خيبة الأمل، بما فيها خيبة الأمل الكبرى التي حدثت في شهر سبتمبر عندما رصدت طائرة كبسولة الصاروخ «ديسكفرر 15» أثناء طفوها في المحيط، ثم تعرضها للغرق وسط الأمواج العاصفة قبل التمكن من استرجاعها. لكن في الرحلة التالية، شرع بسل في استخدام صاروخ المرحلة الثانية «أجينا بي»، الذي كان أطول من الصاروخ السابق بسبع أقدام، وأدخل تطويرات على «ديسكفرر» لزيادة حجمه وقوته؛ ونتيجة لذلك، نجح الصاروخ «ديسكفرر 18» الذي أطلقته وكالة الاستخبارات المركزية في مهمته التي استغرقت ثلاثة أيام في ديسمبر. وكانت الصور التي التقطها تضاهي في جودتها أفضل الصور التي التقطها «ديسكفرر 14»، وتضاءلت ضبابية الصور إلى حد كبير.
تولى الرئيس كينيدي مهام منصبه في يناير 1961، وكان قد أطلق عدة حملات حول قضية الفجوة الصاروخية. وكان نائب وزير دفاعه، روزويل جيلباتريك، مؤمنا بهذه القضية بشدة؛ لذا، بعد أن تولى جيلباتريك مهام منصبه، ذهب ورئيسه - وزير الدفاع روبرت ماكنامارا - إلى مكتب الاستخبارات في القوات الجوية في الدور الرابع من مبنى البنتاجون، وعكفا على دراسة صور «ديسكفرر» على مدى عدة أيام.
كانت القوات الجوية ترى أن موسكو تبني أعدادا كبيرة من مواقع الصواريخ المخفاة جيدا، وكان من بين القواعد المخفاة المفترضة نصب تذكاري لشهداء حرب القرم، وبرج يعود إلى القرون الوسطى. ولكن، فضل ماكنامارا وجلباتريك الأخذ بوجهة نظر مكتب استخبارات الجيش، الذي كان يرى أنه نظرا لضخامة الصاروخ «آر-7» وقوته، فلا يمكن نقله إلا عن طريق خط سكة حديد أو طريق عسكري. وكانت صواريخ «ديسكفرر» قد التقطت صورا بطول خطوط السكك الحديدية في الاتحاد السوفييتي والطرق السريعة الرئيسية، ولم تكتشف أي منصات إطلاق. وفي فبراير، في مؤتمر صحفي لم يكن مصرحا بتداول وقائعه، أثار أحد الصحفيين مسألة الفجوة الصاروخية، وأجاب ماكنامارا بأنه «لا توجد أي أدلة سوفييتية تشير إلى بناء صواريخ باليستية عابرة للقارات». وأسرع الصحفيون إلى هواتفهم، وامتلأت صفحات الصحف بالتصريح بعدم وجود فجوة صاروخية، واضطر كينيدي نفسه أن يتدخل، معلنا أنه من المبكر للغاية استخلاص نتائج كتلك.
خلال فصلي الربيع والصيف، وصلت معلومات جديدة ومثيرة من الفضاء ومن جاسوس في موسكو يدعى أولج بنكوفسكي. كان بنكوفسكي برتبة كولونيل في إدارة الاستخبارات المركزية في الجيش السوفييتي، قبل أن يبدأ العمل مؤخرا لصالح وكالة الاستخبارات البريطانية «إم آي-6»، وكان قد عرض من قبل تقديم خدماته على وكالة الاستخبارات المركزية، لكن قوبل عرضه بالرفض شكا في كونه عميلا مزدوجا، لكن سرعان ما هدأت صلاته بالاستخبارات البريطانية من الشكوك الأمريكية. وخصص ضابط في وكالة الاستخبارات المركزية لتولي أموره وحصل على اسم حركي، هو أليكس (لا كاردينال، مثلما في روايات توم كلانسي)، وتلقى طلبا بتقديم تقرير حول برنامج الصواريخ السوفييتية.
في مايو 1961، أرسل بنكوفسكي ثلاثة رولات من الميكروفيلم كانت تتضمن معلومات فنية حول الصاروخ «آر-7»، وتقريرا حول الجداول الزمنية لإطلاقه وجداول تأخير عمليات الإطلاق، ومحاضر اجتماعات الكرملين التي كان المسئولون قد قرروا فيها استخدام الصاروخ «آر-7» في بعثات فضائية، لا نشره كصاروخ باليستي عابر للقارات. ولم يكن الصاروخ «آر-7» كبيرا وثقيلا فقط، بل كانت منشآت إطلاقه عرضة للهجوم بدرجة عالية، وكان كل صاروخ يحتاج إلى أكثر من ثلاث ساعات لتزويده بالوقود والانتهاء من إعداده للإطلاق. كان القادة السوفييت يتوقعون الحفاظ على سرية مواقع الصاروخ «آر-7»، للحيلولة دون قصفها، لكنهم كانوا يدركون تماما أن بعثات أقمار «ديسكفرر» فوق أراضيهم جعلت هذا أمرا مستحيلا. وكان السوفييت يطورون صاروخا باليستيا جديدا عابرا للقارات، هو الصاروخ «آر-16»، الذي كان يستخدم أنواعا من الوقود قابلة للتخزين ويمكن نشره في صوامع، ولا يستغرق أكثر من ثلاثين دقيقة لإعداده للإطلاق. ولكن، كان «آر-16» لا يزال في مرحلة الاختبار، بينما كان لا يزال ثمة بعض الوقت لاستخدامه فعليا.
ثم في شهري يونيو ويوليو، انطلق القمران «ديسكفرر 25» و«ديسكفرر 26» في مداريهما بنجاح، ولم تكن مهمتا هذين القمرين سوى المهمتين الثالثة والرابعة اللتين تعودان محملتين بصور ذات قيمة استخباراتية، لكن قدمت هذه البعثات الأربع مجتمعة تغطية مفيدة لمساحة بلغت ثلاثة عشر مليون ميل مربع تقريبا، وهو ما كان يشمل أكثر من نصف المناطق الأصلح لنشر صواريخ باليستية عابرة للقارات.
في نطاق هذه المساحة الشاسعة، لم يعثر محللو الصور إلا على قاعدتين جديدتين لم تكن قد ثارت حولهما شكوك في كونهما قاعدتي صواريخ باليستية عابرة للقارات. ثم جرى تصوير ثلاثة مواقع أخرى. وبمقارنتها معا، وفي ظل العلم بوجود مجمع اختبارات صاروخية في تيوراتام، توصل المحللون إلى تصور واضح عن الشكل الدقيق لقاعدة صواريخ باليستية عابرة للقارات، وهو ما جعل من الممكن استبعاد عدد من مواقع الإطلاق «المشتبه فيها»، ووضع تقدير واضح ومحدد لقدرة موسكو في مجال الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وهو ما ظهر في 21 سبتمبر. وتضمن تقرير الاستخبارات القومي 11-8 / 1-61، بعنوان «قوة القوات الصاروخية الباليستية البعيدة المدى ونشرها»، جزئيا الآتي:
تقع القوة السوفييتية الحالية في مجال الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، بحسب تقديراتنا الأخيرة، في نطاق يتراوح ما بين 10 و25 منصة إطلاق يمكن إطلاق قذائف صواريخ من خلالها في اتجاه الولايات المتحدة، ولن يشهد مستوى القوة هذا زيادة كبيرة خلال الأشهر المقبلة.
ربما تعزى القوة المنخفضة الحالية والقريبة المدى للصواريخ الباليستية العابرة للقارات في المقام الأول، إلى قرار سوفييتي بنشر مجرد قوة صغيرة من الجيل الأول من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ومن أجل التركيز أكثر على تطوير نظام هجومي أصغر من الجيل الثاني. وبناء على ذلك، نرى أن مستوى القوة الصاروخية في منتصف عام 1963 سيتراوح تقريبا بين 75 و125 منصة إطلاق جاهزة للعمل للصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
17
Unknown page