95

وقد أجمل العوض حين ألجأته ضرورة الدولة إلى اتخاذ هذه الخطة، فاشترى بيوت أهل نجران وعقاراتهم، وأقطعهم النجرانية عند الكوفة، وكتب لهم وصاة قال فيها: «... هذا ما كتب به عمر أمير المؤمنين لأهل نجران: من سار منهم آمن بأمان الله لا يضره أحد من المسلمين، ومن مروا به من أمراء الشام وأمراء العراق، فليوسعهم من حرث الأرض، فما اعتملوا

55

من ذلك فهو لهم صدقة لوجه الله، ومن حضرهم من رجل مسلم فلينصرهم على من ظلمهم، فإنهم أقوام لهم الذمة وجزيتهم عنهم متروكة أربعة وعشرين شهرا بعد أن يقدموا، ولا يكلفوا - إلا من صنعهم - البر، غير مظلومين ولا معتدى عليهم.»

ولم يفارق عمر الدنيا حتى أوصى الخليفة الذي يختار بعده بالذميين كافة «أن يوفي بعهدهم، ولا يكلفوا فوق طاقتهم، وأن يقاتل من ورائهم.»

56

ودون هذا بالمراحل الشاسعة يقف عدل الدول القدامى والمحدثات، في كل ما اتخذت من حيطة حربية، أو حماية قومية، أو معاهدة بينها وبين أمة أجنبية، وإن عذرها لدون عذر عمر في خططه، وإن أسبابها لدون أسبابه في الإقناع. •••

كان مسلما شديدا في إسلامه، فلم تكن شدته في إسلامه خطرا على الناس، بل كانت ضمانا لهم ألا يخافه مسلم ولا ذمي ولا مشرك في غير حدود الكتاب والسنة.

وكان جاهليا فأسلم، فأصبح إسلامه طورا من أطوار التاريخ. ولو لم يكن الإسلام قدرة بانية منشئة في التاريخ الإنساني، لما كان إسلام رجل طورا من أطواره الكبار. •••

وكان هذا الرجل يحب ويكره، كما يحب الناس ويكرهون، ولكن لا ينفعك عنده أن يحبك، ولا يضيرك عنده أن يكرهك إذا وجب الحق ووضح القضاء، قال يوما لأبي مريم السلولي قاتل أخيه: والله لا أحبك حتى تحب الأرض الدم المسفوح! فقال له أبو مريم: أتمنعني لذلك حقا؟ قال: لا. قال: لا ضير! إنما يأسى على الحب النساء.

وحسبك من إسلام يحمي الرجل من خليفة يبغضه وهو قادر عليه، فذلك المسلم الشديد في دينه، والذي يشتد فيأمنه العدو والصديق.

Unknown page