رأى جعفرا يزداد بخلا ودقة
إذا زاده الرحمن في سعة الرزق
ولو جاء غير البخل من عند جعفر
لما وضعوه الناس إلا على حمق
2
وكانت الجارية تغني وتجيد في غنائها، والأمين يهتف طربا عند كل مقطع، وفطن الفضل لسر ذلك منذ بدأت الجارية في غناء البيت الأول، فأدرك أن أبا نواس يعرض بجعفر بن يحيى البرمكي عدوه، فكان طربه أكثر من طرب الأمين. وكان أكثرهم طربا جعفر بن الهادي، فلم يتمالك أن صاح في أبي نواس: «لله درك! ولا فض فوك!» وكان في يده عقد من الجوهر يلاعبه بين أنامله هم أن يرميه إليه، فتذكر أنه في حضرة ولي العهد ولا يستحسن أن يسبقه إلى إجازة الشاعر، فالتفت إلى الأمين واستأذنه بالإشارة، فأذن له، فرمى بالعقد إلى أبي نواس فوقع في حجره، فتناوله ونظر إلى الأمين كأنه يستشيره في أمره، فضحك الأمين وقال: «أراك تبحث عن مكان تضع فيه هذا العقد. ضعه هنا.» وأشار إلى الجارية الواقفة على رأس الفضل وقال: «وهي لك أيضا، ولكن بعد انقضاء هذا المجلس، وإذا زدتنا زدناك.»
فوقف أبو نواس ليشكره لذلك الصنيع، فأومأ إليه الأمين أن يجلس ويعود إلى ما كان فيه، وأشار إلى الساقي فأدار الأقداح وهو يبدل ألوان الأنبذة من نبيذ التفاح إلى نبيذ التمر فنبيذ العنب، وهي تتلألأ في الأقداح بين الصفرة والحمرة والشهبة والصهبة. وأشار الأمين إلى صاحب الشراب إشارة فهم مراده منها، فأمر أحد الخصيان أن يقدم القدح إلى أبي نواس بيده، وكان الغلام جميلا عبلا، جعد الشعر، وقد صففه على جبينه بشكل بديع، فأخذت أبا نواس نشوة الخمر، فنظر إلى الغلام ثم إلى الأمين، فابتدره الأمين قائلا: «صفه وهو لك.» فتناول أبو نواس القدح من يده وقال:
يسعى بها خنث في خلقه دمث
يستأثر العين في مستدرج الرائي
قد كسر الشعر واوات ونضده
Unknown page