فإذا جرى التفريع على المذهب الآخر في أن الصيغة لا تقتضي استغراق الزمان فعلى هذا اختلف الأصوليون فذهب طائفة إلى أن مطلق الصيغة يقتضي الفور والبدار إلى الامتثال وهذا [معزى] إلى أبي حنيفة١ ﵀ ومتبعيه.
وذهب ذاهبون إلى أن الصيغة المطلقة لا تقتضي الفور وإنما مقتضاها الامتثال مقدما أو مؤخرا وهذا ينسب إلى الشافعي٢ ﵀ وأصحابه وهو الأليق بتفريعاته في الفقه وإن لم يصرح به في مجموعاته في الأصول.
وأما الواقفية فقد تحزبوا حزبين فذهب غلاتهم في المصير إلى الوقف إلى أن الفور والتأخير إذا لم يتبين أحدهما ولم يتعين بقرينة فلو أوقع المخاطب ما خوطب به عقيب فهم الصيغة لم يقطع بكونه ممتثلا ويجوز أن يكون غرض الآمر فيه أن يؤخر وهذا سرف عظيم في حكم الوقف.
وذهب [المقتصدون] من الواقفية إلى أن من بادر في أول الوقت كان ممتثلا قطعا فإن أخر وأوقع الفعل المقتضى في آخر الوقت فلا يقطع بخروجه عن عهدة الخطاب وهذا هو المختار عندنا.
وذهب القاضي أبو بكر٣ ﵀ إلى ما شهر عن الشافعي من حمل الصيغة.
على إيقاع الامتثال من غير نظر وقت مقدم أو مؤخر وهذا بديع من قياس مذهبه مع استمساكه بالوقف وتجهيله من لا يراه.
١٤٤- ومما يتعين التنبيه له أمر يتعلق بتهذيب العبارة فإن المسألة مترجمة بأن الصيغة على الفور أم على التراخي فأما من قال إنها على الفور فهذا اللفظ لا بأس به ومن قال إنها على التراخي فلفظه مدخول فإن مقتضاه أن الصيغة المطلقة فالوجه أن يعبر عن المذهب الأخير المعزو إلى الشافعي والقاضي رحمهما الله بأن يقال الصيغة تقتضي الامتثال ولا يتعين لها وقت.
١٤٥- وإذا بانت المذاهب فنذكر بعدها معتمد كل فريق ونتعقبه بالنقض ونجرد بعد المباحثة توجيه ما اخترناه فلتقع البداية بأصحاب الفور.
_________
١ تقدمت ترجمته.
٢ تقدمت ترجمته.
٣ تقدمت ترجمته.
1 / 75