فصل
يحوي الأقاويل في مدارك العلوم.
٤٥- حكى أصحاب المقالات عن بعض الأوائل حصرهم مدارك العلوم في الحواس ومصيرهم إلى أن لا معلوم إلا المحسوسات.
ونقلوا عن طائفة يعرفون بالسمنية أنهم ضموا إلى الحواس أخبار التواتر ونفوا ما عداها.
وحكى عن بعض الأوائل أنهم قالوا لا معلوم إلا مادل عليه النظر العقلي وهذا في ظاهره مناقض للقول الأول ومتضمنة أن المحسوسات غير معلومة.
والذي أراه أن الناقلين غلطوا في نقل هذا عن القوم وأنا أنبه على وجه الغلط.
قال الأوائل العلوم كل ما تشكل في الحواس وما يفضي إليه نظر العقل مما لا يتشكل فهو معقول فنظر الناقلون إلى ذلك ولم يحيطوا باصطلاح القوم وقال المطلعون من مذاهبهم على أن لا معلوم إلا المحسوس من أصلهم أن المدارك تنحصر في الحواس وقال من رآهم يسمون النظريات معقولات من أصل هؤلاء أن المدارك منحصرة في سبل النظر وهذا ظن ولا أرى خلافا في المعنى وقال قائلون مدارك العلوم الإلهام.
وقال آخرون من الحشوية المشبهة لا مدارك للعلوم إلا الكتاب والسنة والإجماع وقال المحققون مدارك العلوم الضروريات التي تهجم مبادئ فكر العقلاء عليها والنظريات العقليات والسمعيات على ما سيأتي تفصيلها فأما الضروريات فإنها تقع بقدرة الله تعالى غير مقدورة للعباد والنظريات في رأى معظم الأصحاب مقدورة بالقدرة الحادثة.
٤٦- والمرتضى المقطوع به عندنا أن العلوم كلها ضرورية والدليل القاطع على ذلك أن من استد نظره وانتهى نهايته ولم يستعقب النظر ضد من أضداد العلم بالمنظور فيه فالعلم يحصل لا محالة من غير تقدير فرض خيرة فيه ولن يبلغ المرء مبلغ التحقيق في ذلك حتى يعرف مذهبنا في حقيقة النظر وسنبدي أنه تردد في أنحاء الضروريات ومراتبها على ما سيأتي شرحنا عليه في هذا الفصل إن شاء الله تعالى.
1 / 24