Bila Quyud
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Genres
قبائل النوتكا: صيادون وجامعون يعيشون في قرى دائمة
قبائل النوتكا في مقاطعة بريتيش كولومبيا خير مثال على قبائل الأمريكيين الأصليين الذين سكنوا الساحل الشمالي الغربي لأمريكا الشمالية، والذين كانوا جميعهم صيادين وجامعين ولم يمارس أي منهم الزراعة قط. اصطادت قبائل النوتكا الحيتان والفقمات والقضاعات في مياهها الإقليمية، وكذلك الدببة والغزلان وحيوانات الإلكة في الغابات الداخلية. وكانت تلك القبائل تصطاد أسماك الهلبوت والرنكة والقد، وتجمع القشريات من البحر والجذور والثمار العنبية التي كانت تنمو بوفرة في الوديان والغابات القريبة المتشبعة بمياه الأمطار. وبجانب كل هذا الرخاء الطبيعي، كانوا يصطادون أعدادا هائلة من السلمون الذي كان يهاجر سنويا لوضع البيض إلى منابع الأنهار العديدة التي تصب في البحر. كان السلمون يصطاد بالشباك والمصائد والسدود ثم يجفف ويدخن بكميات كبيرة، بحيث يوفر لقبائل النوتكا مخزونا من السمك يكفيهم طوال العام حتى يهاجر السلمون مرة أخرى.
ونظرا لأن الساحل الشمالي الغربي ثري جدا بأشكال برية من الغذاء - ولأن الحياة البحرية الزاخرة كانت تتجدد باستمرار بعمليات طبيعية - لم تكن قبائل النوتكا بحاجة لاتباع سبل الترحال في العيش؛ نمط الحياة المعهود في أغلب مجتمعات الصيد وجمع الثمار؛ فقد استقرت النوتكا منذ زمن طويل في قرى دائمة واقعة في مناطق مميزة على امتداد المنافذ المنحدرة في اتجاه البحر من الجبال الساحلية.
وحيث إن قبائل النوتكا كانت تقيم في مكان واحد، فهي لم تقتصر على سكنى الأكواخ البسيطة المؤقتة للشعوب الرحالة، التي كانت دائما ما تبنى في ساعات أو أيام وتهجر عادة بعد الإقامة فيها لبضعة أسابيع أو شهور، وإنما بنت قبائل النوتكا «مساكن جماعية» ضخمة، بلغ بعضها أربعين قدما عرضا ومائة قدم طولا، من جذوع أشجار الأرز والتنوب والشوكران التي كانت تنمو بوفرة في الغابات الباردة الرطبة في شمال غرب المحيط الهادئ. ورغم أن مساكن النوتكا الجماعية كانت تفكك وتنقل عدة أميال مرتين سنويا من المخيمات الصيفية على شاطئ البحر إلى المخيمات الشتوية في الداخل وتعود مرة أخرى، فإنها كانت مساكن دائمة تسكنها جماعة الأسر المتقاربة نفسها لسنوات.
ونظرا لأن موارد الغذاء النباتي والحيواني الغنية كانت دائما موجودة في المواقع نفسها، فقد كان عرفا بين قبائل النوتكا أن يرث الذكر الأكبر من الأبناء حقوق الإشراف على مناطق محددة لصيد الحيوانات والأسماك، وعلى المناطق التي ينمو فيها الغذاء النباتي بوفرة. وحين كان أحد الأقارب يمارس حقوقه في الصيد أو جمع الغذاء في هذه المناطق، كان لا بد أن يذهب جزء من الغنائم إلى الفرد الذي «يملك» هذه الموارد. وحيث إن الابن الأكبر كان يرث هذه الحقوق من الأب فقد نتج عنها «نظام طبقي»، حيث كان الأبناء الكبار يتمتعون بثروة طائلة، في حين كان الأبناء الصغار - الذين كانوا غالبا أفرادا في العائلة نفسها - يعيشون في فقر نسبي.
كان لنظام المكانة والهيبة المعقد أهمية فائقة في ثقافة قبائل النوتكا، والقبائل المستقرة الأخرى في الساحل الشمالي الغربي، وكانت زعامة القبيلة التي يتسلمها الابن الأكبر من الأب لا تنطوي على مزايا اقتصادية فحسب، وإنما على عدد من الحقوق والامتيازات الرمزية كذلك. شمل هذا ألقابا شرفية، والحق في إنشاد أغان شعائرية معينة وأداء رقصات طقسية محددة، والحق في ارتداء أنواع معينة من الملابس، والحق في ارتداء أشكال خاصة من الحلي الشخصي، والحق في الجلوس على مقاعد محددة (أعدت بعناية وفقا للمرتبة أو المكانة) كانت تقتضي التقاليد استخدامها أثناء المآدب الاحتفالية، والحق في العيش في أفضل مناطق في المسكن الجماعي.
في هذه المجتمعات المهتمة بالمقام، كان الأفراد الرفيعو المقام يتنافسون منافسة حامية بعضهم مع بعض على إقامة مآدب حافلة، كان يستهلك فيها كميات هائلة من الطعام والمنسوجات والأدوات والأسلحة أو تمنح أو تدمر في بعض الحالات من قبل أصحابها في نوبات من الانغماس في الاستهلاك بغرض التباهي. ولم تكن حيازة الممتلكات مقتصرة على السلع المادية فقط؛ فقد مارست قبائل النوتكا، مثل أغلب قبائل الساحل الشمالي الغربي، نوعا من الاستعباد، وهو من الأشياء التي دائما ما نربطها بحضارات أكثر «تقدما». فكان حين يؤسر أفراد القبائل المعادية في الحروب، يصبحون ملكا للمحاربين الذين أسروهم، ويظلون جزءا من أهل بيت مالكيهم، حيث كان يفرض عليهم أداء أحقر المهام في حياة قبائل النوتكا.
كل هذه السلوكيات كانت ستلقى الاستهجان التام في مجتمع الصيادين وجامعي الثمار الرحل التقليدي؛ حيث كان بلوغ المرتبة العالية يكتسب بالسلوك المثالي وإتيان أعمال الشجاعة والجود. فلم تظهر مجتمعات الصيد وجمع الثمار اهتماما كبيرا بتكديس السلع المادية، وإنما كانوا ينأون بأنفسهم عن استعراض الثروة المادية في تباه، ويمنحون المكانة فقط للرجال الذين يفلحون في الصيد والحرب وتوفير الغذاء، وللنساء اللائي كن جامعات منتجات وزوجات وأمهات مثاليات.
وراثة المرتبة والمكانة
عندما أصبحت وراثة الثروة والأملاك جزءا تقليديا راسخا من ثقافات الشعوب الزراعية، لم يكن هناك مناص من أن يستهل أبناء أثرى الأفراد والأسر حياتهم بأملاك وامتيازات أكثر من الأشخاص الذين كان أسلافهم أقل حظا. هكذا صارت الاختلافات بين الأغنياء والفقراء، التي كانت قد نشأت بين الصيادين وجامعي الثمار المستقرين مثل قبائل نوتكا ، أكثر حدة في مجتمعات الزراعيين المستقرين بمرور الأجيال.
Unknown page