Bila Quyud
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Genres
شكل 9-3: منذ تطور أنظمة النقل المحوسبة، ارتفع عدد الرحلات السياحية الدولية ارتفاعا بالغا؛ لينمو من نحو خمسة وعشرين مليون رحلة سنويا عام 1950م إلى أكثر من مليار رحلة عام 2015م.
صاحب هذا الارتفاع الهائل في السياحة الدولية نمو مواز في عدد الأشخاص الذين هاجروا من قارة لأخرى ومن دولة قومية لأخرى؛ ففي عام 2013م كان نحو 232 مليون شخص ممن يعيشون على الأرض مهاجرين ولدوا في دولة وانتقلوا للإقامة الدائمة في دولة أخرى؛
10
يزيد هذا العدد عن ضعف عدد سكان كوكب الأرض حين بدأت الحضارات المدنية.
سينتج عن هذه الشبكة العنكبوتية العالمية من التواصل البشري تحول بالغ الأثر في الحياة والمجتمع البشري، مثل أي تحول من تحولات الماضي. في الواقع، عند النظر إلى التغيرات التي أحدثتها تقنية الآلات الدقيقة في المجتمع والثقافة، يتضح لنا أنه من الصعوبة بمكان توقع الآثار النهائية لأي تقنية مهمة بتأمل نتائجها المباشرة.
فمن كان يتوقع أن تطوير صانعي الساعات في القرون الوسطى للآلات الدقيقة - الذي كان مدفوعا بمحض رغبة في إنتاج ساعات أكثر دقة - سوف يؤدي سريعا إلى اختراع آلة الطباعة الحديثة ونمو المعرفة ونهضة الفنون والعلوم في أنحاء العالم الغربي ؛ أو أن العالم المتحضر سيبدأ استخراج الفحم، حين تتزايد حاجة صانعي الساعات للحديد والصلب مستهلكة غابات أوروبا، مما سيؤدي سريعا إلى اختراع المحرك البخاري بكل آثاره المتعددة على طبيعة التصنيع والسفر والتجارة؛ أو أن نجاح المحرك البخاري سيثمر الثورة الصناعية التي سينتج عنها خلال قرن واحد محرك الاحتراق الداخلي والسيارة والطائرة وانتشار استخدام الطاقة الكهربائية؟
من كان يتوقع أن تؤدي هذه التقنيات الصناعية في النهاية إلى الانصراف عن إنتاج الغذاء وانتقال الغالبية العظمى من سكان الأرض بأعدادهم الغفيرة من الريف إلى المدن؟ من كان يتوقع أن تؤدي الآلات الدقيقة في النهاية إلى ظهور وسائل الإعلام، ونشأة مجتمع الموظفين، وظهور الآلات المنزلية، وتصحر مساحات من اليابسة، واختلال المناخ العالمي، وانقراض أنواع كثيرة من النباتات والحيوانات، وكل التغييرات الأساسية التي جرت في العادات والتقاليد التي تحكم مؤسسات الزواج ونسيج العائلة ، بل وحتى قواعد السلوك الجنسي للبشر؟
وحيث إن التقنية الرقمية تحرر نوعنا الآن من حدود المكان والزمان التي كانت تقيدنا فيما مضى، فإن التغييرات التي تنتظرنا في المستقبل البعيد لا يمكن تصورها إلى حد كبير، لكننا متأكدون أننا سنشهد في المستقبل القريب تحولا كبيرا واحدا على الأقل؛ ميلاد الحضارة العالمية.
حركة الاندماج الأخيرة
بدأت ظاهرة الاندماج الاجتماعي بين البشر أول ما بدأت خلال العصر الحجري العلوي في عصور ما قبل التاريخ، وقد أطلق شرارتها تقنية التواصل الرمزي؛ فنشأة اللغة والفنون والرموز المرئية أتاحت للجماعات الرحالة في تلك الحقبة - التي كانت كل واحدة منها مكونة من بضع عشرات من الأقارب - أن تتقاسم هوية ثقافية مشتركة مع جماعات رحالة أخرى؛ وبهذا اندمجت في قبائل مكونة من آلاف الأفراد.
Unknown page