سألني وديع: وأنت؟ ماذا فعلت؟
ذكرت له مقابلاتي باختصار. وعلق على قصة ال 990 نسخة بقوله: هل اعتقدت حقا أنك ستأخذ منهم شيئا؟
سألني بعد برهة: هل اتصلت بلميا؟
قلت: لم أجدها فتركت لها اسمي ورقم التليفون. - واضح أنك ستبقى معنا بعض الوقت. هذا عظيم. - لماذا؟ - عندي عمل لك. - لست مستعدا لأي شيء. أنا مرهق وعاجز تماما عن التركيز. - الأمر سيهمك بالتأكيد. - ما هو؟ - كتابة التعليق لفيلم وثائقي عن الحرب الأهلية. - لكني لا أفهم شيئا بالنسبة لهذه الحرب. حتى الآن لا أعرف من مع من ومن يحارب من، ولماذا؟ - هذه ليست مشكلة. يمكنك أن تفهم الحكاية كلها بسهولة. - أليس من الأفضل أن يقوم بذلك كاتب لبناني، أو على الأقل واحد عاصر الحرب؟ هناك كتاب كثيرون في بيروت. - المخرجة تعتقد أنه من الأفضل أن يكون كاتب التعليق خارج المشكلة، لتأتي نظرته موضوعية وطازجة. - مخرجة؟ - أجل، أنطوانيت فاخوري. - سمعت عنها. هل هي جميلة؟ - لا بأس بها. - ومن المنتج؟ من الذي يقف خلف الفيلم؟ - وماذا يعنيك من أمره؟
قلت: لا أريد أن أجد نفسي في النهاية أداة بيد أحد الأنظمة.
قال: وماذا في هذا؟ هل تذكر صديقك عبد السلام؟ لقد وضع مجلدا عن سيرة القائد المعلم صدام حسين طبعت منه ملايين النسخ، فانهالت عليه الدنانير. ومن حسن حظه أن صدام حسين تخلص من أغلب رفاق النضال الذين ورد ذكرهم في الكتاب، فتم سحبه من السوق. وعهد إليه بوضع كتاب جديد. وبذلك ضمن أن يصير غنيا عن الحاجة إلى الأبد. ثم هناك صديقك الآخر الذي أشهر إسلامه على يد القذافي. على أي حال الفيلم لا علاقة له بأي حكومة. المنتج هو مجموعة تعاونية من السينمائيين اللبنانيين الشبان. - وما هو اتجاههم السياسي؟ - ليست لهم علاقة بأي حزب أو حركة، لكنهم يساريون بشكل عام. - متأكد أنه لا يوجد أحد خلفهم؟ - اطمئن، الفيلم مسئولية أنطوانيت. وهي من النوع الذي يسمى بالتقدمي النظيف؛ أي الذي ما زال غارقا في مثاليات حمقاء. - هل سيدفعون أم يعتبرون الأمر مساهمة مني في القضية؟ - سيدفعون طبعا. كل شيء الآن بثمنه. - كم تعتقد؟ - لا أعرف. لكنه سيكون مبلغا معقولا.
فكرت قليلا ثم قلت : لا بد أن أرى الفيلم أولا. - بون. كما يقول اللبنانيون المتفرنسون. سنذهب إليها بعد ساعة ونصف. إنها تستخدم الأستديو التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية.
أكلنا ساندوتشات شاورمة، وشربت علبتي بيرة. وحوالي الثالثة غادرنا المكتب، وأقلتنا سيارة أجرة إلى منطقة الفاكهاني الآهلة بالسكان والحركة.
مررنا بالبناية العالية التي تضم مكاتب دائرة الإعلام الفلسطينية، ثم تحولنا إلى شارع حفل بالمقاهي والمطاعم الشعبية. وتوقفنا بالقرب من موقف لسيارات الأجرة ينطلق منه نداء متكرر: واحد ع الشام.
ولجنا مبنى يحرسه مسلحان توليا تفتيشنا، بعد أن تأكدا بالتليفون من صحة موعدنا. وأقلنا مصعد متسخ الأرضية إلى الطابق الثالث؛ حيث شغلت أنطوانيت غرفة صغيرة بها مكتب وخزانة للملفات، وعدة مقاعد.
Unknown page