فنهض السيد قائلا بأدبه المعهود: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته (ثم مشيرا إلى الكراسي) تفضلوا.
ولكنهم لم يلبوا الإشارة شاكرين، وقال أوسطهم: حضرتك السيد أحمد عبد الجواد؟
فقال السيد باسما وإن لاح في عينيه التساؤل: نعم يا سيدي.
ماذا يريدون يا ترى؟ الشراء مستبعد ... ما للشراء والمشية العسكرية التي جاءوا عليها! ما للشراء واللهجة الجدية التي يتكلمون بها! ثم الساعة جاوزت السابعة مساء. ألا يرون الحمزاوي، وهو يرفع الزكائب إلى الرفوف إيذانا بإغلاق الدكان؟ أيكونون من جامعي التبرعات، لكن سعد قد أفرج عنه وانتهت الثورة، وأنا لم أعد صالحا الآن إلا للسهرة! يا هؤلاء اعلموا أني لم أغسل رأسي ووجهي بالكولونيا، وأمشط شعري وشاربي وأحبك جبتي وقفطاني كي ألقى وجوهكم! ماذا تريدون؟ غير أنه خيل إليه وهو يرنو إلى محدثه أن وجهه ليس غريبا عليه، رآه من قبل؟ أين؟ متى؟ تذكر، من المؤكد أنه لا يراه لأول مرة، آه ... قال باسما وقد شاع الارتياح في وجهه: أليس حضرتك الشاب النبيل الذي تقدم لإنقاذنا في الوقت المناسب يوم حمل الناس علينا في مسجد الحسين رضي الله عنه؟
فقال الشاب بصوت خفيض: بلى يا سيدي.
صدق ظني، يقول البلهاء: إن الخمر تضعف الذاكرة؟ لكن ما بالهم ينظرون إلي هكذا؟ انظر، انظر؟ هذه النظرات لا تنبئ عن خير، اللهم اجعله خيرا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قلبي ينقبض لأمر ما، جاءوا لأمر يتعلق ب... - فهمي؟! جئتم تريدونه ... لعلكم؟!
نكس الشاب عينيه، ثم قال بصوت متهدج: مهمتنا شاقة يا سيدي، ولكنها فرض واجب، ربنا يلهمك الصبر!
مال السيد فجأة إلى الأمام معتمدا على حافة المكتب، وهتف: الصبر؟ علام! ... فهمي؟!
قال الشاب بحزن بالغ: يؤسفنا أن ننعى إليك أخانا المجاهد فهمي أحمد.
صاح بلهجة منكرة، وإن لاحت في عينيه نظرة قاطعة بالتصديق واليأس: فهمي؟ - استشهد في مظاهرة اليوم.
Unknown page