قال بحرارة: شغلني عن نفسي لا عن طلب رضاك.
ثم بصوت منخفض: لن أستطيع أن أعيش بغير رضاك.
قطب السيد، لا غضبا كما تظاهر، ولكن ليخفي الأثر اللطيف الذي بعثه كلام الشاب في نفسه. هكذا يكون الكلام وإلا فلا، يجيد صناعة الكلام حقا، هذه هي البلاغة أليس كذلك؟ سأعيد أقواله على مسامع الأصدقاء الليلة لأمتحن أثره في نفوسهم، ترى ما عسى أن يقولوا؟ الولد سر أبيه ... هذا ما ينبغي أن يقال، قديما قيل لي إنني لو أتممت مراحل التعليم لكنت أبلغ المحامين، إني أبلغ الناس بغير التعليم والمحاماة، الحديث اليومي كالقانون سواء بسواء في الكشف عن موهبة البلاغة، كم من محام أو موظف كبير ينكمش في المجلس أمامي كالعصفور! ولا فهمي نفسه بمستطيع أن يسد مكاني يوما ما، سيقولون لي وهم يضحكون حقا الولد سر أبيه، امتناعه عن القسم لا يزال يحز في نفسي، لكن أليس من دواعي الفخر لي أنه اشترك في الثورة ولو من بعيد؟ ليته اشترك في الأعمال الكبيرة ما دام الله قد كتب له العمر حتى اليوم، سأقول من الآن فصاعدا إنه خاض غمار الثورة، أتظنون أنه اكتفى بتوزيع المنشورات كما كان يؤكد لي؟ لقد رمى ابن الكلب بنفسه في التيار الدامي، يا سيد أحمد ينبغي أن نشهد لابنك بالوطنية والشجاعة ... لم نشأ أن نقول لك هذا في إبان الخطر، أما وقد استقر السلام فلا حرج من قوله ... أتنكر أنت شعورك الوطني؟ ... ألم يثن عليك جامعو التبرعات من مندوبي الوفد ... والله لو كنت شابا لفعلت ما لم يفعله ابنك، ولكنه عصاني! عصى لسانك وأطاع قلبك! الآن ما عسى أن أفعل؟ يريد قلبي أن يهبه العفو، ولكني أخاف أن يستهين بمخالفتي! - وأنا لن أستطيع أن أنسى أنك خالفت إرادتي، أحسبت أن الخطبة الفارغة التي صبحتني بها على غيار الريق يمكن أن تؤثر في؟!
هم فهمي بالكلام، ولكن أمه دخلت في تلك اللحظة وهي تقول: الفطور جاهز يا سيدي.
وقد دهشت لوجود فهمي على غير انتظار، فرددت عينيها بينهما، وتلكأت قليلا لعلها تسمع شيئا مما يدور، ولكنها رأت في الصمت - الذي خافت أن يكون مجيئها باعثه - ما دعاها إلى مغادرة الحجرة على عجل. نهض السيد للانتقال إلى حجرة المائدة، فتنحى فهمي جانبا، وقد علاه حزن شديد لم يخف أثره عن عيني الرجل، فتردد لحظات ثم قال أخيرا بصوت سلمي: أريد مستقبلا ألا تصر على حماقتك وأنت تخاطبني ...
وسار فتبعه الشاب ممتنا باسم الأسارير، ثم سمعه يقول متهكما وهما يقطعان الصالة: أظنك حاسب نفسك على رأس الذين أفرجوا عن سعد!
غادر فهمي البيت قرير العين، فمضى من توه إلى الأزهر، حيث اجتمع بزملائه أعضاء لجنة الطلبة العليا للنظر في تنظيم المظاهرات السلمية الكبرى التي سمحت السلطة بقيامها للإعراب عن ابتهاج الشعب، والتي تقرر أن يشترك فيها ممثلو الأمة بكافة طبقاتها، دام الاجتماع وقتا غير قصير، ثم تفرق المجتمعون كل إلى وجهته، فركب الشاب إلى ميدان المحطة بعد أن عرف الدور الذي عهد به إليه، وهو الإشراف على تجمعات طلبة المدارس الثانوية. لئن كان يعد ما يعهد عادة إليه - بالقياس إلى غيره، من الأدوار الثانوية، إلا أنه كان يقوم به بدقة وعناية وغبطة، كأنما هو أسعد ما يحظى به في حياته، غير أنه لم يكن يخلو في جهاده من تعاسة خفيفة لم يعلم بها أحد سواه، منشؤها ما اقتنع به من أنه دون الكثيرين من أقرانه جرأة وإقداما ... أجل لم ينكص عن مظاهرة من المظاهرات التي دعت إليها اللجنة، ولكنه كان يفقد جنانه عند ظهور اللوريات المحملة بالجنود، وخاصة عند إطلاق الرصاص وتساقط الضحايا ... فمرة لاذ بمقهى وهو يرتعد، ومرة أخرى جرى على وجهه شوطا بعيدا حتى وجد نفسه في قرافة المجاورين، أين هو من حامل اللواء في مظاهرة بولاق، أو مذبحة بولاق كما غدت تسمى، الذي استشهد ويداه قابضتان على اللواء، وقدماه ثابتتان في الطليعة، وحنجرته تهتف بالثبات؟! أين هو من أقران ذلك الشهيد الذين تبادروا إلى اللواء ليرفعوه فسقطوا فوقه، وقد تقلدت صدورهم نياشين الرصاص؟! أين هو من ذلك الشهيد الذي انتزع المدفع الرشاش من أيدي الجنود في الأزهر؟! أين هو من هؤلاء جميعا وغيرهم ممن تطير الأنباء بآي بطولتهم واستشهادهم؟! كانت أعمال البطولة تتراءى لعينيه رائعة باهرة، تخطف الأبصار، وطالما أنصت إلى نداء باطني يهيب به إلى الإقدام والتأسي بالأبطال، ولكن كانت تخذله أعصابه في اللحظة الحاسمة، فما إن تنحسر موجة المعركة حتى يجد نفسه في المؤخرة إن لم يكن مختبئا أو هاربا، ثم يعود إلى التصميم على مضاعفة البذل والكفاح والتماسك بضمير معذب وقلب حائر ورغبة في الكمال لا تحد، متعزيا أحيانا بقوله: «ما أنا إلا محارب أعزل، ولئن فاتني الرائع من أعمال البطولة، فحسبي أنني لم أتردد مرة واحدة عن الإلقاء بنفسي في أتون المعركة.» في طريقه إلى ميدان المحطة جعل يراقب الطرق والمركبات، كان الجميع يتوجهون - فيما بدا - وجهته، طلبة وعمالا وموظفين وأهلين راكبين وراجلين، تظلهم جميعا طمأنينة خليقة بقوم ذاهبين إلى مظاهرة سلمية مصرح بها، إنه مثلهم، يشعر بشعورهم، لا كعهده القديم حين كان يلتمس طريقه إلى موعد المظاهرة بنفس ثائرة، وقلب تثقل ضرباته كلما تخايل لعينيه شبح الهلاك. ذاك عهد مضى، اليوم يمضي مطمئن الجانب باسم الثغر ... انتهى الجهاد! خرج منه سليما لا عليه ولا له. ولا له؟! ليته عانى شيئا مما تعرض له الآلاف كالسجن أو الضرب أو إصابة غير مميتة! أليس من المحزن أن تكون السلامة المطلقة جزاء من أوتي قلبا كقلبه وحماسا كحماسه! كطالب مجتهد لم يتح له أن يظفر بأية شهادة ... أتنكر سرورك بالنجاة؟ أكنت تفضل أن تكون من الشهداء؟ كلا، أكنت تتمنى لو كنت من المصابين غير الهالكين؟ نعم، كان ذلك في وسعك، فلم نكصت؟ لم تكن تضمن أن تقع الإصابة غير مميتة، أو أن يكون السجن عابرا، أنت لا تكره النجاة الراهنة، ولكنك تتمنى لو كان أصابك شيء دون أن يغير من هذه النهاية الجميلة، ينبغي إذا جاهدت مرة أخرى أن أطلع على الغيب! أمضي إلى المظاهرة السلمية بقلب مطمئن وضمير قلق - بلغ الميدان زهاء الواحدة بعد الظهر، قبل الميعاد المحدد لقيام المظاهرة بساعتين، فاتخذ مكانه في الموضع الذي حدد له! باب المحطة. لم يكن بالميدان إلا المشرفون وجماعات متفرقة من شتى الطوائف، وكان الجو معتدلا إلا أن شمس أبريل صبت على من تعرض لأشعتها لظى، ولم يطل الانتظار، فأخذت الجموع تتوافد على الميدان من مختلف الطرق المفضية إليه، ومضت كل جماعة صوب عملها، بذلك شرع فهمي في عمله بلذة وفخار، بالرغم من بساطة العمل الذي لم يعد أن يكون ترتيبا للمدارس كل وراء علمها، إلا أنه ملأ نفسه زهوا وخيلاء، سيما وأنه كان يشرف على طلبة كثيرين ممن يكبرونه سنا، حتى بدت التسعة عشر عاما التي يجرها وراءه ذيلا قصيرا في زحمة التلاميذ الذين ناهز كثير منهم الثانية والعشرين والرابعة والعشرين، وفتلت شواربهم، ولاحظ أعينا ترمقه باهتمام وشفاها تتهامس عليه كما سمع اسمه - مقرونا بصفته الشعبية - يجري على بعض الألسن «فهمي أحمد عبد الجواد مندوب اللجنة العليا»، فحرك أوتار قلبه حتى أطبق شفتيه دون أن تند عنهما بسمة حياء، أو ارتباك من «مهابته». أجل ينبغي أن يحافظ على منظر مندوب اللجنة العليا، على الجد والصرامة الخليقتين بالرعيل الأول من شباب المجاهدين، كي ينفسح المجال لأخيلة المتطلعين لحدس ما يخفي وراءه من أعمال البطولة والكفاح، فلتتحقق تلك الأعمال الخارقة، التي عجز عن تحقيقها في الواقع في أخيلتهم، لن تفتر له رغبة في المزيد منها، وإن وخز قلبه إحساسه الحاد بالحقيقة العارية. موزع منشورات وجندي من جنود المؤخرة! هذا هو بلا زيادة، اليوم يوكل به قيادة المدارس الثانوية فيواجه زعامة كبيرة. ترى هل يقدر الآخرون عمله أكثر مما يقدره هو؟! لشد ما يحبونه بالاحترام والمحبة، لم يعقد اجتماع إلا وكان له فيه رأي مسموع، والخطابة؟ ليس من الضروري أن تكون خطيبا ... أليس كذلك؟ ليس محالا أن تكون عظيما وأنت غير خطيب، ولكن أي خسارة ستمنى بها يوم تمثل اللجنة العليا بين يدي الزعيم، فيستبق الخطباء وتلوذ أنت بالصمت. كلا لن ألوذ بالصمت، سوف أتكلم، سأطلق لقلبي العنان أجاد أم لم يجد، متى تقف بين يدي سعد؟ متى تراه لأول مرة فتملأ منه عينيك؟ إن قلبي يخفق، وعيناي تحنان للدموع، سيكون يوما عظيما، ستخرج مصر كلها لاستقباله، لن يكون يومنا هذا إلى ذلك إلا كقطرة إلى البحر، رباه! امتلأ الميدان، امتلأت الشوارع المفضية إليه. عباس، نوبار، الفجالة، لم تسبق كهذه مظاهرة، مائة ألف، طرابيش، عمائم، طلبة ... عمال ... موظفون ... الشيوخ والقساوسة، القضاة ... من كان يتصور هذا، لا يبالون الشمس ... هذه مصر، لم لم أدع بابا؟ صدق ياسين ... الواحد منا ينسى بين الناس نفسه، يعلو على نفسه، أين همومي الشخصية؟ ... لا شيء، لشد ما يخفق قلبي، سأتحدث عن هذا طويلا الليلة وما بعدها. ترى هل ترتعد نينة مرة أخرى؟ منظر جليل تخشع له القلوب وتطمئن، أريد أن ألمس أثره في وجوه الشياطين! ها هي ثكناتهم تشرف على الميدان، الراية اللعينة ترفرف، هناك رءوس في النوافذ ... فيم تتهامس؟! الديدبان تمثال لا يرى شيئا، لم تقض رشاشاتكم على الثورة، افقهوا هذا، سترون عما قريب سعد في هذا الميدان عائدا مظفرا، تنفونه بالسلاح ونعيده بغير سلاح، سوف ترون قبل الجلاء. تحرك الموكب العظيم فتدفقت موجاته تباعا مرددة الهتافات الوطنية، بدت مصر مظاهرة واحدة، بل رجلا واحدا، بل هتافا واحدا. تتابعت طوابير الطوائف طويلا، طويلا جدا، حتى خيل إليه أن الطلائع ستشارف عابدين قبل أن يتزحزح هو وجماعته عن موضعهم أمام باب المحطة، أول مظاهرة تسير دون أن تقطع المدافع الرشاشة الطريق عليها، لا رصاص من ناحية، ولا زلط من الناحية الأخرى، وافتر ثغره عن ابتسامة، رأى الجماعة التي تعسكر أمامه مباشرة تتحرك، فدار على عقبيه كي يواجه مظاهرته «الخاصة»، ورفع يديه فسرت في الصفوف حركة تأهب وتوثب، ثم هتف بأعلى صوته وهو يسير مقهقرا. واصل مهمة القيادة والهتاف حتى مدخل شارع نوبار، ثم تخلى عن الثانية لغيره ممن أحاطوا به مترصدين دورهم بأفواه قلقة متحركة، كأنما قد جاءها المخاض والطلق، فلا تستريح حتى تقذف بهتافاتها، دار على عقبيه مرة أخرى سائرا بوجهه، يشرئب بعنقه تارة ليشاهد ما تقدم من جسم المظاهرة التي لم يعد يرى لها أولا، ويتلفت يمنة ويسرة تارة أخرى؛ ليرى من اكتظت بهم الأرصفة والنوافذ والشرفات والأسطح من جموع المشاهدين الذين جعلوا يرددون الهتافات. امتلأت نفسه بمنظر الألوف الحاشدة قوة إلى قوة، وطمأنينة على طمأنينة، كأنها دروع منصوبة حواليه، قوة متماسكة لا ينفذ منها الرصاص، إن قوات البوليس تتعهد النظام بعد أن أعياها الطعان والهجوم، إن منظر هؤلاء الرجال الذاهبين الجائين على صهوات جيادهم، كأنهم حراس تابعون للمظاهرة قائمون على خدمتها، لأبلغ دليل على انتصار الثورة، الحكمدار؟! أليس هذا هو رسل بك ... بلى هو إنه يعرفه حق المعرفة، وهذا وكيل الحكمدار يخب وراءه ملقيا على الأفق نظرة جامدة مترفعة كأنما تحتج احتجاجا صامتا على السلام الذي احتضن المظاهرة، ما اسمه؟ هل يمكن أن ينسى الاسم الذي ملأ الأسماع في الأيام السود الدامية؟! أوله جيم أليس كذلك؟ جا ... جو ... جي ... يأبى أن يستجيب إلى الذاكرة، جوليون! أوه كيف تسلل هذا الاسم البغيض إلى وعيه؟! هوى عليه كالتراب فأطفأ حماسه، كيف لنا أن نلبي نداء الحماس والظفر ما دام القلب ميتا! قلب ميت؟! لم يكن ميتا منذ دقيقة، لا تستسلم للحزن، لا تدع قلبك يبتعد عن المظاهرة، ألم تعاهد نفسك على النسيان؟ بل إنك نسيت بالفعل، مريم ... من هي؟! ذلك التاريخ القديم؟! نحن نعيش للمستقبل لا للماضي ... جيز ... مستر جيز ... مستر جيز ... هذا هو اسم وكيل الحكمدار لعنة الله عليه، عد إلى الهتاف كي تنفض عن نفسك هذا الغبار الطارئ. مضت «مظاهرته» تقترب رويدا من حديقة الأزبكية التي لاحت أشجارها الباسقة فوق الأعلام المنتشرة بطول الطريق، على حين بدا ميدان الأوبرا من بعيد رءوسا متلاصقة، كأنها تنبت من جسد واحد ملأ الأرض طولا وعرضا. كان يهتف بقوة وحماس، والجمهور يردد هتافه بصوت ملأ الجو كهزيم الرعد. ولما شارفوا سور الحديقة دوت - على حين بغتة - فرقعة حادة فشلت حنجرته، وتلفت فيما حواليه متسائلا في انزعاج، صوت معهود كثيرا ما صك أذنيه في الشهر المنصرم، وكثيرا ما تردد صداه في ذاكرته في هدأة الليل، بيد أنه لم يستطع أن يألفه، فما يكاد يدوي حتى يخطف دمه، ويوقف قلبه عن الخفقان. - رصاص؟! - غير معقول، ألم يصرحوا بالمظاهرة؟ - أسقطت من حسابك الغدر؟ - ولكن لا أرى جنودا؟! - حديقة الأزبكية معسكر هائل مكتظ بهم. - لعلها فرقعة عجلة سيارة. - لعلها.
أرهف أذنيه لما يدور حوله من دون أن يثوب إلى السكينة، وما هي إلا لحظات حتى دوت فرقعة ثانية ... آه ... لم يعد ثمة شك، رصاصة كسابقتها، أين ترى استقرت؟ أليس يوم سلام؟! شعر بحركة اضطراب تسري بين المتظاهرين وافدة من الأمام، كالموجة الثقيلة التي تدفعها إلى الشاطئ باخرة تمخر وسط النهر، ثم تراجع الألوف، وانتشروا باعثين في كل ناحية دفعات جامحة جنونية من الاضطراب والارتباك والارتطام، تعلوها صيحات مفزعة من الغضب والخوف، وسرعان ما انتثرت الصفوف المتناسقة، وانهد البنيان المشيد. تلاحقت جملة من الطلقات الحادة، فتعالى صراخ الغضب وأنين الألم. ماج بحر الخلق وهاج وتدافعت موجاته إلى جميع المنافذ لا تبقي على شيء في طريقها ولا تذر. اهرب، ما من الهرب بد، إن لم يقتلك الرصاص قتلتك الأذرع والأقدام. هم بالهرب أو بالتراجع، أو حتى التحول عن موقفه، ولكنه لم يفعل شيئا، ما وقوفك وقد تشتت الجمع؟! في خلاء أنت، اهرب ... صدرت عن ذراعيه وساقيه حركة بطيئة وانية متراخية. ما أشد الضوضاء، ولكن بم علا صراخها؟ هل تذكر؟ ما أسرع ما تفلت منك الذكريات. ماذا تريد؟ أن تهتف؟ أي هتاف؟ أو نداء فحسب ... من؟ ما؟ في باطنك يتكلم، هل تسمع؟ هل ترى؟ ولكن أين؟ لا شيء، لا شيء، ظلام في ظلام، حركة لطيفة تطرد بانتظام كدقات الساعة ينساب معها القلب ... تصاحبها وشوشة. باب الحديقة، أليس كذلك؟ يتحرك حركة تموجية سائلة، يذوب رويدا، الشجرة السامقة ترقص في هوادة، السماء ... السماء؟ منبسطة عالية. لا شيء إلا السماء هادئة باسمة يقطر منها السلام.
71
سمع السيد أحمد عبد الجواد وقع أقدام على مدخل الدكان، فرفع رأسه عن مكتبه، فرأى ثلاثة شبان يتقدمون نحوه تعلوهم سيماء الجد والرزانة، حتى وقفوا لصق مكتبه وهم يقولون: السلام عليكم ورحمة الله ...
Unknown page