179

Bayn Qasrayn

بين القصرين

Genres

فقال الرجل وهو يزوي ما بين حاجبيه: الأعمار بيد الله، ولكني وجدت قلبها ضعيفا، من المحتمل أن تموت الليلة، وإذا مرت الليلة بسلام جازت الخطر الماثل، ولكني لا أظن أنها تعمر طويلا، في تقديري أنه لا يمكن أن يمتد بها العمر إلى ما بعد العشرين، ولكن من يعلم؟ الأعمار بيد الله وحده ...

ولما ذهب الطبيب إلى طيته التفت خليل نحو أمه وعلى شفتيه ابتسامة خفيفة تنم عن أسف، وقال: كان في نيتي أن أسميها نعيمة باسمك ...

فقالت المرأة وهي تلوح بيدها مؤنبة: الطبيب نفسه قال: إن الأعمار بيد الله، أفتكون أنت أضعف إيمانا منه، سمها نعيمة، يجب أن تسميها نعيمة إكراما لي، وسيكون عمرها بإذن الله مديدا كعمر جدتها!

كان السيد يحادث نفسه: دعا الأحمق الطبيب ليطلع على زوجه بغير موجب، بغير موجب! ... يا له من أحمق. ولم يستطع أن يكتم غيظه، فقال وهو يداريه بلهجة رقيقة: حقا الخوف يفقد الرجال حسن الروية، أما كان يجمل بك أن تفكر قليلا قبل أن تبادر إلى إحضار رجل غريب ليرى زوجك بملء عينيه؟!

لم يجب خليل، ولكنه نظر فيمن حوله، وقال بجد: لا يجوز أن تعلم عائشة بما قال الطبيب.

69 - ماذا في الطريق؟

تساءل السيد أحمد وهو ينهض في عجلة من وراء مكتبه، فذهب صوب باب الدكان يتبعه جميل الحمزاوي وبعض الزبائن. لم يكن طريق النحاسين طريقا هادئا، كان أبعد ما يكون عن الهدوء، صوته الجهير لا يخفت من الفجر إلى ما قبيل الفجر، حناجر عالية هتافة بنداءات الباعة، ومساومات الشارين، ودعوات المجذوبين، ودعابات السابلة، يتحادثون وكأنهم يخطبون، حتى أخص الشئون تترامى إلى جوانبه، وتطير حتى مآذنه، إلى ضوضاء شاملة تصدر عن صليل سوارس حينا وطقطقة الكارو حينا آخر، لم يكن طريقا هادئا بحال، ولكن تعالت ضجة فجائية وفدت من بعيد في بادئ الأمر كهدير الأمواج، ثم غلظت واشتدت حتى صارت بعزيف الريح أشبه، وقد لفت الحي كله قريبه وبعيده، بدت غربية شاذة، حتى في هذا الطريق الصاخب، ظنها السيد أحمد مظاهرة ثائرة كما ينبغي لرجل عاش في تلك الأيام، ولكن جلجلت في طياتها زغاريد مبشرة بالأفراح، فمضى الرجل متسائلا إلى الباب، ولم يكد يبلغه حتى اصطدم بشيخ الحارة الذي أقبل مندفعا وهو يهتف بوجه طفر منه البشر: أبلغك الخبر؟

فقال السيد وعيناه تلمعان تفاؤلا من قبل أن يسمع شيئا: كلا ... ماذا وراءك؟

قال الرجل بحماس: سعد باشا أفرج عنه ...

فما تمالك السيد أن تساءل صائحا: حقا؟!

Unknown page