178

Bayn Qasrayn

بين القصرين

Genres

فابتسمت المرأة وقالت: ستراها عما قريب وهي بخير وعافية، الحق على ابني المجنون هو الذي أزعجكم بغير موجب.

كان وراء الصدر العريض القوي والوقار الحازم المهيب قلب يتعذب أشد العذاب، كان وراء العينين الواجمتين الرزينتين دمع متجمد ... ماذا دهم الصغيرة؟ الطبيب؟! لماذا تحول العجوز بيني وبينها؟! ابتسامة رقيقة أو كلمة حنونة مني أنا، مني أنا خاصة، حقيقة بأن تخفف من آلامها، زواج وزوج وألم، لم تذق في بيتي مرارة الألم قط، العزيزة الجميلة الصغيرة رحمتك اللهم، فسد طعم الحياة، إنه ليفسد لأهون أذى يتهددهم، فهمي ... أراه واجما متألما ... هل أدرك معنى الألم؟ ... من أين له أن يعرف قلب الأم! العجوز مطمئنة وواثقة مما تقول، ابنها أزعجنا بغير موجب، اللهم استجب، أنت أعلم بحالي بأن تنجيها كما نجيتني من الإنجليز، قلبي لا يطيق هذا العذاب، عند الله الرحمة، وهو قادر على حفظ أبنائي من كل سوء، لا طعم للحياة بغير ذلك، لا طعم للسرور والطرب واللهو إذا انغرست في جنبي شوكة حادة، قلبي يدعو لهم بالسلامة؛ لأنه قلب أب، ولأنه لا تطيب المسرات إلا لخلي، هل ألقى سمار الليل بقلب سعيد؟ ... أحب إذا ضحكت أن تنطلق الضحكة من أعماق قلبي صافية، القلب القلق كالوتر المختل، حسبي فهمي، إنه يلح علي كوجع الأسنان، ما أبغض الألم، دنيا بلا ألم، لا شيء على الله بكثير، دنيا بلا ألم ولو تكون قصيرة، دنيا تقر فيها عيني بهم جميعا، هنالك أضحك وأغني وألهو، يا أرحم الراحمين، عائشة يا أرحم الراحمين!

بعد غيبة ثلث ساعة عاد خليل مصحوبا بالطبيب، فدخلا الحجرة من فورهما، ثم أغلق الباب وراءهما، وعلم السيد بمقدمهما فقام واتجه إلى باب حجرة الاستقبال، ووقف على العتبة قليلا وهو يمد البصر إلى الباب المغلق، ثم عاد إلى مجلسه فجلس. قالت حرم المرحوم شوكت: لتعلمن صدق رأيي حالما يتكلم الطبيب.

فغمغم السيد وهو يرفع رأسه إلى أعلى: عنده العفو.

عما قليل يعرف الحقيقة، فيمرق من ضباب الشك مهما تكن العواقب. إن قلبه يخفق خفقانا سريعا متواصلا، فليصبر، لم يبق إلا قليل. إن إيمانه بالله قوي عميق، لا يتزعزع فليسلم إليه أمره، سيخرج الطبيب طال مكثه في الداخل أم قصر، وعند ذاك يسأله عما وراءه، الطبيب؟ ... لم يفكر في ذلك من قبل، طبيب عند نفساء؟! ... مع الرحم وجها لوجه، أليس كذلك؟ ولكنه طبيب! ... ما الحيلة؟! المهم أن ربنا يأخذ بيدها فلنسأله السلامة، وجد السيد إلى قلقه حياء وامتعاضا. واستمر الفحص زهاء ثلث ساعة ثم فتح الباب، فنهض السيد ومضى من توه إلى الصالة، وتبعه الأبناء حتى تجمعوا حول الطبيب. كان الطبيب من معارف السيد، فصافحه باسما، ثم قال: بخير وعافية.

ثم في شيء من الجد: جاءوا بي للوالدة، ولكني وجدت أن التي في حاجة إلى العناية حقا هي المولودة.

تنفس السيد بارتياح لأول مرة منذ حوالي الساعة، فتساءل ووجهه يشرق بابتسامة لطيفة: أأطمئن إذن على عهدتك؟

فقال الطبيب وهو يتظاهر بالدهش: نعم، ولكن ألا تهمك حفيدتك؟!

فقال السيد باسما: لا عهد لي بعد بواجبات الجد.

وتساءل خليل: أليس ثمة أمل في حياتها؟

Unknown page