وأخبرني بعض الفقهاء الثقات أنه سأله سائل وهو بحضرته في مال ابتاع بقروش والصرف يوم البيع بثلاثة أحرف، وجاء شافع يشفع والصرف من أربعة أحرف، فأجاب: الشفعة قد بطلت، قال: وغير ذلك من المسائل يكفي فيها الإشارة، قال: وهو مع هذا مصرح بالاجتهاد، وسائر الدعاة المعارضين له بينهم وبين الاجتهاد مسافات ومراحل، ولو أنهم اعترفوا بأنهم منتصبون للاحتساب ولصلاح المسلمين وجمع كلمتهم[173/أ] لكان الأولى منهم، وأن العلم والجوابات ما عرفوا أجابوا فيه، وما لم يكن لديهم معرفته أحالوه على غيرهم من القضاة والحكام من المتفرغين للعلم، فإن عهدة العلم وثيقة، وعراه شديدة، وما كان عليهم لو اعترفوا وتواضعوا وصدقوا واتبعوا حالة العلماء الذين: {صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} . ولم يزكوا أنفسهم اتباعا لقول الله تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} ولم يدعوا العلم الكامل، اتباعا لقول الله تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فما رأينا حالات العلماء من العارفين إلا إظهار القصور، وعدم دعواهم الكمال اتباعا لقول الله تعالى: {وفوق كل ذي علم عليم } وماذا عليهم لو قالوا بذلك، وقالوا: إذا سئلوا ولم يعلموا لا نعلم وماذا عليهم لو قالوا: نحن قمنا لصلاح المسلمين وصلاح ذات البين، وما علمناه قلناه، وما لم نعلم أحلناه، لكن لما كان المذهب الهادوي والزيدي لا ينصبون إلا من كان إماما عالما مرجوعا إليه، وعلموا أنهم إذا لم يدعوا ذلك لم يجابوا إليه، احتاجوا إلى الدعوى لذلك؛ لأجل يجابوا إلى ما هنالك بخلاف سائر المذاهب، فإنهم وإن كانوا قائلين بشروط الإمام الكامل، لكنهم إذا غلب غير الكامل قرروه، لأجل مصلحة الإسلام، وسكون الدهماء، ولا يتسمون بالإمامة بل بالسلطنة والإمارة، مع أن المتغلب منهم لا يدعي ما ليس في وسعه، ولا يعلم به بل يكل ما تعلق بالشريعة إلى القضاة والحكام، والله يرحم الجميع، ويختم بالخير، ويصلح أمور المسلمين.
[173/ب] وكثير من الذي نصب أحمد بن الحسن قالوا: ما نصبناه إلا حسبة لا إمامة، والسيد محمد بن علي الغرباني الذي دعا أفتى في مسألة المحتاج أنه يبيع مال الوقف الذي على الذرية ولا قائل به، فأراد الذي اشتراه التخلص فسألني وقال: البائع فقير فكيف في ثمن المال الذي سلمه؟ فأجبت عليه أنه يستغل هذا المال المشترى وبحسب قدر قسام الشرك المعتاد في الجهة، حتى يستوفي الثمن ثم يعيده على البائع الموقوف عليه، فقال: إنه سيفعل ذلك.
ووصل ولد السيد مبارك بن شبير، وكان بتهامة ساكنا، فلما وصل إلى وادي جيزان يريد القصد لأحمد بن الحسن انتهب في ذلك المكان، وذلك بأمر من صاحب شهارة، فإنه كتب إلى بلاد العصيمات وبرط وسفيان أنهم ينتهبون من وجدوه قاصدا إلى أحمد بن الحسن.
وفي نصف هذا الشهر أرسل أحمد بن الحسن من المحطة شرقي شهارة إلى حاشف جنوبها مما يلي بلاد ظليمة.
وفي هذه الأيام لما قل على علي بن المتوكل المحصول من اليمن الأسفل لخلفه وشداد أهله سار إلى ضوران، أخذ من خزائنه بعض شيء من المال، فلما بلغ صنوه محمد بن المتوكل ذلك تغير منه كونه وصي والده، وقال: لم يأخذ ذلك من غير إذنه؟ ولم يلبث أن عاد إلى ذمار بها، وتصرف منها.
وفي تاسع عشر شهر محرم كان تحويل السنة ودخول الشمس أول درجة في برج الحمل، وزحل[174/أ] في الجوزاء راجعا، ورجوعه هذا استمر من شهر رمضان والمشتري في الدلو والزهرة والمريخ فيه أيضا، والذنب في الثور، والرأس في القوس وكذا القمر، هذا على حساب المتأخرين، وأما على حساب المتقدمين فتتقدم برج من هذا، والزهرة راجعة يومئذ وهي ستقارن المريخ والشمس في شهر صفر قران آخر، وكانت الزهرة قد قارنت المريخ، كما سبق ذكره.
Page 515