وعلى هذه الصورة انتهى الأمر واستلم الرجل ثلث مرتبه السنوي مقدما وغادر تلك البلاد إلى بقعة تبعد عن الحدود نحو ربع ساعة في القطار؛ حيث ابتاع له قطعة من الأرض جعلها بستانا، فهو يعيش الآن برخاء، ويذهب في أوقات معينة ليقبض راتبه، وبعد أن يتناوله يمر ببيت القمار فيلعب بفرنكين أو ثلاثة؛ فإما أن يخسرها، أو يربح مثلها ، ثم يعود إلى مسكنه حيث يعيش بسلام واطمئنان.
وقد كان من حسن حظه أنه لم يرتكب جريمة في بلاد لا يبالي أهلها بما يكلفه إعدام الرجال، أو بما يلزم لسجنهم المؤبد من النفقات.
الحكاية العاشرة
الأسطورة الهندية: العمل والمرض والموت
من الأساطير المتداولة بين هنود أمريكا الجنوبية أن الله خلق الناس في بدء الأمر، ورفع عنهم كلفة العمل، فما كانوا يشعرون بضرورة المسكن والملبس والطعام، وظلوا على ذلك زمنا طويلا حتى صاروا مائة إنسان، وكانوا إلى ذلك الوقت لم يشعروا بألم المرض وأوجاع العلل.
ثم أراد الله أن يرى كيف يعيش خلقه، فلما وقف على حالهم ألفاهم يقاتل بعضهم بعضا، ووجد كلا منهم لا يعبأ بغيره، وإنما يهتم بأمر نفسه، مما يحول بينهم وبين الحياة السعيدة والعيش الرغد الذي ينتظره لهم؛ فقال: «إنما هذا البلاء جاءهم من طريق التفرق والانقسام، ومن اهتمام الواحد منهم بأمور نفسه فحسب.»
ولذلك غير مجرى حياتهم - وقد كانت من غير عمل - بأن سلط عليهم البرد والجوع؛ ليجبرهم على نحت المغاور والكهوف يلتجئون إليها؛ اتقاء البرد، وليضطرهم إلى السعي في جمع الفواكه والثمار والحبوب؛ دفعا لغائلة الجوع؛ إذ إن العمل يوجد فيما بينهم رابطة الاتحاد والتآلف فقال: «لا يستطيع الرجل بمفرده أن يصنع كل ما يلزمه من الآلات والأدوات، ولا يمكنه أن ينقل ما يحتاج إليه من الخشب، ولا أن يبني وحده المساكن التي تقيه العواصف والزوابع، ولا أن يفلح الأرض فيجمع محصولها، ثم يغزل وينسج ويصنع الملابس والثياب؛ لأن كل هذه الأمور تستدعي المعاونة، وبذلك يتم لبني الإنسان الرابطة والائتلاف والاتحاد دون أن يشعروا بالدافع؛ فيتم سرورهم، وتكمل سعادتهم.»
ثم مرت أيام وأزمان ورغب الرب في أن يزور خلقه؛ ليرى هل هم سعداء في حياتهم الجديدة أم أشقياء تعساء؟ ولما أتاهم وجدهم في حالة أسوأ من الأولى.
لقد فعلوا ما قدره لهم واشتركوا في العمل، ولكنه كان اشتراكا يعتوره النقص ولا يصل بهم إلى الغاية المطلوبة، فإنهم كانوا قد انقسموا إلى جماعات تفرقها الأهواء والغايات ، تحاول أن تستأثر بالعمل، وإلى عرقلة مساعي الأحزاب الأخرى، فصاروا يتنافسون ويتزاحمون ويتباغضون بكل ما فيهم من بغض وقوة؛ فساءت حالتهم، واشتد كربهم.
وعمد الرب بعد ذلك إلى إصلاحهم من طريق آخر؛ فقدر عليهم الموت، وألا يعلموا وقت هذا القضاء، وأشعرهم بذلك قائلا: «إذا ما عرفوا أن الموت لهم بالمرصاد يحافظون على أوقاتهم، ويضنون بأعمارهم؛ فلا يصرفونها إلا في الأعمال الصالحة.»
Unknown page