8
الساعة، وما كان للأرض أن تفنى قبل أن تظهر الدابة والنار والدجال، وقبل أن يهبط المسيح إلى الأرض فيملأها عدلا بعد أن ملئت جورا. ومنهم من كان يظن أن الكارثة من أشراط الساعة. ومنهم من كان يتحدث بأن هذه الكارثة قد تقع فتصيب الأرض بشيء من التدمير دون أن تأتي عليها جميعا. كانوا يتحاورون طول النهار، حتى إذا أقبل الليل وصليت المغرب اجتمعوا حلقا في المسجد وأمام الدور، وأخذوا يرددون هذه الكلمة:
أزفت الآزفة * ليس لها من دون الله كاشفة ، حتى تصلى العشاء. وانقضت الأيام، وجاءت الساعة المحتومة، ولم يظهر في السماء نجم ذو ذنب، ولم يصب الأرض دمار قليل ولا كثير؛ فانقسم المتفقهون في الدين وحملة القرآن وأصحاب الطرق: فأما أهل العلم الذين يستمدون علمهم من الكتب وينتمون
9
إلى الأزهر فانتصروا، وقالوا: «ألم نقل لكم: إن هذه الكارثة لا يمكن أن تقع قبل أن تظهر أشراط الساعة؟ ألم ندعكم إلى تكذيب المنجمين؟» وأما حملة القرآن فقالوا: «كلا! لقد كادت تقع الكارثة لولا أن لطف الله بالرضع والحوامل والبهائم، وسمع لدعاء الداعين، وتضرع المتضرعين.» وأما أهل التصوف والعلم اللدني فقالوا: «كلا! لقد كادت تقع الكارثة لولا أن توسط القطب المتولي بين الناس والله، فصرف عن الناس هذا البلاء، واحتمل عنهم أوزارهم.»
10
وأنت تستطيع أن تقول: إن هذا الدافع الذي كان يدفع الناس إلى التحصن من «الخماسين» كان سحرا أو تصوفا، أما أنا فلا أستطيع إلا أن أحدثك بما يذكر الصبي من أن الأيام التي كانت تسبق أيام شم النسيم كانت أياما غريبة؛ يخالط فيها قلوب النساء والصبيان وحملة القرآن شيء من الفرح والخوف، كانوا إذا أظلهم يوم الجمعة أسرفوا في الأكل وفي ألوان خاصة من الطعام، حتى إذا كان يوم السبت أسرفوا في أكل البيض الملون. وكان الفقهاء قد استعدوا لهذا اليوم استعدادا خاصا فاشتروا ورقا أبيض صقيلا، وقطعوه قطعا صغارا دقاقا وكتبوا على كل قطعة «ا ل م ص» ثم يطوون هذه القطع ويملئون بها جيوبهم، حتى إذا كان يوم السبت ألموا
11
بالدور التي كانوا يتصلون بها، ففرقوا هذه القطع من الورق على أهلها، وطلبوا إلى كل واحد أن يبتلع منها أربعا قبل أن يلم
12
Unknown page