179

قال الفتى: وكيف نيأس وقد أيقظتم الشعب فاستيقظ، ودعوتموه فاستجاب؟

قال سعد: وماذا يستطيع الشعب أن يصنع وهو أعزل لا يستطيع الدفاع عن نفسه، فضلا عن أن يثور بأصحاب القوة والبأس؟

قال الفتى: هو الآن أعزل، ولكنه سيجد السلاح غدا.

قال سعد: وأين يجده؟

قال الفتى: إن الذين يهربون لنا الحشيش يستطيعون أن يهربوا لنا الأسلحة.

فأغرق سعد في الضحك، وقال وهو ينهض: ألا تعلم أن الذين يراقبون تهريب الحشيش سيراقبون تهريب الأسلحة؟

وانصرف الفتى عن سعد فلم يره إلا بعد عام، بل بعد أكثر من عام، ولم يلقه سعد في تلك الزيارة الثانية بباريس لقاء الهاش له المرحب به، وإنما لقيه في شيء من الفتور، قال له وسمع منه، ولكنه لم يقل شيئا ذا بال، ولم يسمع منه شيئا ذا بال، وإنما كان لقاء قصيرا قوامه المجاملة ليس غير.

وقد عرف الفتى مصدر هذا الفتور، فلم يضق به، ولم يبتهج له، وإنما هز رأسه ورفع كتفيه. وكان مصدر هذا الفتور أن جماعة من تلاميذ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده أحيوا ذكرى وفاة أستاذهم في الجامعة، وخطب صاحبنا في ذلك الحفل فزعم أن مصر مدينة بما أتيح لها من اليقظة لثلاثة رجال لا ينبغي أن تنساهم:

أولهم: الأستاذ الإمام الذي أحيا الحرية العقلية.

والثاني: مصطفى كامل الذي أذكى جذوة الحرية السياسية.

Unknown page