وقف الآخرون. مط ويستفيلد ذراعيه وتثاءب من أنفه وقال: «أعتقد أنه من الأفضل الإسراع. سوف أنام إن جلست هنا أكثر من ذلك. تذكرت أنني سأظل أتصبب عرقا في ذلك المكتب طوال النهار! والسلال المليئة بالأوراق. يا إلهي!»
قال إليس: «لا ينس أحد منكم التنس هذا المساء. وأنت يا ماكسويل، أيها الوغد الكسول، إياك أن تتهرب من اللعب مرة أخرى. لتأت بمضربك في الساعة الرابعة والنصف تماما.»
قال السيد ماكجريجور بذوق باللغة الفرنسية لدى الباب: «تفضلي يا سيدتي.»
وقال ويستفيلد: «تقدم يا ماكدوف.»
وخرجوا إلى أشعة الشمس البيضاء المتقدة؛ حيث كانت الحرارة تتصاعد من الأرض مثل صهد الفرن، فيما توهجت الزهور، مجهدة ألوانها للعين، دون أن تهتز لها ورقة في لجة الشمس. كان الهجير يرسل كللا في العظام. كان ثمة شيء مريع فيه؛ مريع أن تتأمل تلك السماء الزرقاء المبهرة للبصر، في امتدادها المتواصل فوق بورما والهند، وفوق سيام، وكمبوديا، والصين، من دون غيمة ومن دون انقطاع. كان صفيح سيارة ماكجريجور المنتظرة ساخنا جدا للمس. كان النهار الخبيث في بدايته، الوقت الذي، كما يقول البورميون، «تسكن فيه الأقدام». فلم يكن كائن حي ليتحرك، باستثناء الرجال، وصفوف النمل الأسود، التي أثارتها الحرارة، فسارت مثل الشريط عبر الممر، والنسور عديمة الذيل التي ارتفعت في تيارات الهواء.
الفصل الثالث
انعطف فلوري يسارا خارج بوابة النادي ومضى في طريق السوق، تحت ظلال أشجار التين المجوسي. انبعث صوت الموسيقى من على بعد مائة ياردة؛ حيث كانت فرقة من رجال الشرطة العسكرية الهنود المهزولين في ملابس كاكي خضراء يسيرون عائدين إلى صفوفهم بينما كان يعزف أمامهم على مزمار القربة، صبي من الجوركا. كان فلوري ذاهبا لرؤية الدكتور فيراسوامي. كان منزل الدكتور عبارة عن كوخ طويل من الخشب المدهون بالنفط الخام، قائم على ركائز، بحديقة كبيرة مهملة متاخمة لحديقة النادي. كان ظهر المنزل مطلا على الطريق؛ حيث يقابل المستشفى، القائم بينه وبين والنهر.
مع دخول فلوري المجمع تصاعدت صرخة ذعر من النساء وهرولة داخل المنزل. بدا واضحا أنه كان قد أوشك أن يرى زوجة الطبيب. دار لمقدمة المنزل وهتف إلى الشرفة قائلا: «أيها الطبيب! هل أنت مشغول؟ هل من الممكن أن أصعد؟»
برز من داخل المنزل الدكتور، بهيئة ضئيلة جمعت بين الأبيض والأسود، مثل عفريت العلبة. وهرع إلى درابزين الشرفة، هاتفا بانفعال: «من الممكن أن تصعد! بالطبع، بالطبع، اصعد في الحال! كم تسرني رؤيتك يا سيد فلوري! فلتصعد، فلتصعد. ما الشراب الذي تود تناوله؟ لدي ويسكي وجعة ونبيذ فيرموث ومشروبات أوروبية أخرى. كم كنت أتوق لبعض الحديث الراقي يا صديقي العزيز.»
كان الطبيب رجلا ضئيلا أسود ممتلئا ذا شعر متلبد وعينين ساذجتين مستديرتين. كان يرتدي نظارة ذات إطارين من الصلب، وبذلة بيضاء من قماش الدريل القطني غير مناسبة في مقاسها، بسروالها المتهدل مثل آلة الكونسرتينا، على حذاء برقبة أسود رديء. وكان صوته متحمسا ومتدفقا، مصفرا حروف السين. أثناء صعود فلوري السلم، ارتد الطبيب لنهاية الشرفة وراح يقلب في صندوق ثلج كبير من الصفيح، مخرجا منه سريعا زجاجات مختلفة الأوصاف. كانت الشرفة واسعة ومعتمة، ذات حواف منخفضة تدلت منها سلال السراخس، مما جعلها تبدو مثل كهف وراء شلال من شعاع الشمس. وكانت مفروشة بمقاعد طويلة بقواعد من الخوص صنعت في السجن، ووضع في أحد جوانبها خزانة كتب تحتوي على كتب قليلة غير مشجعة بعض الشيء، أغلبها كتب مقالات، من نوعية كتب إميرسون وكارلايل وستيفنسون. فقد كان الطبيب قارئا نهما، يحب أن يكون للكتب ما يسميه «معنى أخلاقيا».
Unknown page