صاح إليس: «فليكتم أحدكم صوت تلك الشمطاء الكريهة! يظن السامع أن ثمة خنزير يقتل. لا بد أن نفعل شيئا. تعال يا فلوري أنت وماكجريجور. فليفكر أحد في مخرج من هذا المأزق!»
على حين غرة خارت أعصاب إليزابيث وأجهشت بالبكاء؛ إذ كانت قد جرحت حين أصابها الحجر. وقد دهش فلوري حين وجدها وقد تشبثت بذراعه بشدة، وهو ما جعل قلبه يتوثب حتى في تلك اللحظة. كان قد ظل يشاهد الموقف بشبه لا مبالاة، مرتبكا من الجلبة دون شك، لكن من دون خوف بالغ؛ إذ طالما وجد صعوبة في الاعتقاد بأن الشرقيين قد يكونون مؤذين بحق. ولم يدرك خطورة الموقف إلا حين شعر بيد إليزابيث على ذراعه. «أرجوك يا سيد فلوري، فلتفكر في شيء أرجوك! فإنك تستطيع، إنك تستطيع! افعل أي شيء قبل أن يتمكن أولئك الرجال المريعون من الدخول إلى هنا!»
قال السيد ماكجريجور بامتعاض: «ليت بإمكان واحد منا الوصول إلى صفوف الشرطة! ضابط بريطاني ليقتادهم بعيدا! لا بد أن أحاول وأذهب بنفسي في أسوأ الأحوال.»
صاح إليس: «لا تكن مغفلا! لن ينوبك سوى الذبح! سوف أذهب إذا أوشكوا على الاقتحام بحق. آه من أن يقتلني خنزير مثل أولئك! كم يثير ذلك حنقي! كم يثير حنقي أنه كان بإمكاننا قتل الحشد اللعين بأسره لو كان باستطاعتنا أن نأتي بالشرطة هنا!»
صاح فلوري يائسا: «ألا يستطيع أحد السير بمحاذاة ضفة النهر؟» «لا جدوى! المئات منهم يجوسون الأنحاء. لقد تقطعت بنا السبل؛ البورميون من ثلاث جهات والنهر من جهة!» «النهر!»
انبثقت في ذهن فلوري واحدة من تلك الأفكار المدهشة التي يتجاهلها المرء فقط لكونها بديهية جدا. «النهر! بالطبع! يمكننا أن نصل إلى صفوف الشرطة بمنتهى السهولة. هل تعلمون ذلك؟» «كيف؟» «عن طريق النهر، في الماء! بالسباحة!»
هتف إليس: «أحسنت يا رجل!» وخبطه على كتفه. واعتصرت إليزابيث ذراعه وكادت ترقص تهللا. صاح إليس: «سأذهب إذا أردت!» لكن فلوري هز رأسه، وكان قد شرع يخلع حذاءه. كان جليا أنه لم يعد هناك وقت ليضيعوه؛ فقد ظل البورميون يتصرفون مثل الحمقى حتى ذلك الوقت، لكن لا أحد يعلم ماذا قد يحدث إذا تمكنوا من اقتحام النادي. استعد الساقي الذي كان قد تغلب على ذعره الأول، وفتح النافذة المؤدية إلى الحديقة، وألقى نظرة سريعة في الخارج وقد تنحى جانبا. كان عدد البورميين في الحديقة بالكاد عشرين. فقد تركوا خلفية النادي دون حراسة، مفترضين أن النهر سيقطع خط الرجعة.
صاح إليس في أذن فلوري: «انطلق في الحديقة بأسرع ما يمكن! سوف يتفرقون بلا شك حين يرونك.»
وصاح السيد ماكجريجور من الناحية الأخرى: «مر الشرطة بأن تفتح النيران في الحال! لديك تفويض مني بذلك.» «واطلب منهم أن يصوبوا على أهداف منخفضة! لا أن يطلقوا النار في الهواء. وإنما يصيبون ليقتلوا. في الأمعاء مثلا.»
قفز فلوري من الشرفة، فتألمت قدماه من الأرض الصلبة، وبعد ست خطوات كان لدى ضفة النهر. وقد حدث ما قاله إليس له؛ إذ تراجع البورميون عند رؤيته وهو يهبط قافزا. تبعته عدة أحجار، لكن لم يذهب في أثره أحد، لا ريب أنهم اعتقدوا أنه كان يحاول الفرار فقط، كما أنهم استطاعوا أن يروا في ضوء القمر الساطع أنه ليس إليس. خلال لحظة أخرى كان قد شق طريقه خلال الشجيرات وصار في الماء.
Unknown page