224

Awlad Haratna

أولاد حارتنا

Genres

72

استقبل بيت قاسم حياة جديدة، شارك في فرحتها فقراء الحي، وسميت إحسان كأمه التي لم يرها. وبمولدها ألف البيت ألوانا جديدة من البكاء والقذارة والأرق، ولكنه ازداد بها غبطة ورضا. لكن لماذا يبدو الأب أحيانا شارد اللب والنظرة كأن هموما تتناوبه؟ شد ما ساورها لذلك القلق حتى سألته مرة: أليست الصحة على ما يرام؟ - بلي. - لكنك لست كعادتك!

فقال وهو يغض البصر: المولى أدرى بحالي.

تساءلت بعد تردد: هل بدا لك منا ما تكره؟

فقال بقوة: ليس هناك أحب إلي منك ولا حتى العزيزة الصغيرة!

فتنهدت قائلة: لعلها عين!

فقال باسما: لعلها!

فرقته وبخرته وهي تدعو له من صميم قلبها. واستيقظت ذات ليلة على بكاء إحسان فلم تجده إلى جانبها. ظنت لأول وهلة أنه لم يرجع بعد من سهرته في القهوة، ولكن لما كفت الصغيرة عن البكاء تنبهت المرأة إلى أن الحارة غارقة في صمت عميق لا يستحكم بها عادة إلا بعد إغلاق المقاهي بفترة غير قصيرة، فداخلها ارتياب، فقامت إلى النافذة وأطلت منها فرأت ظلاما شاملا يلف حارة مستغرقة في النوم. وعادت إلى الصغيرة التي عاودت البكاء فألقمتها ثديها، وراحت تتساءل: عما أخره إلى هذا الوقت لأول مرة في حياتهما المشتركة. ونامت إحسان فغادرت الفراش إلى النافذة مرة أخرى. ولما لم تسمع نأمة، خرجت إلى الصالة فأيقظت سكينة. وجلست الجارية كالمسطولة، ثم هبت واقفة في جزع، فأخبرتها سيدتها بما دفعها إلى الائتناس بها. وقررت الجارية من فورها أن تذهب إلى عم زكريا لتسأل عن سيدها. وساءلت قمر نفسها عما يبقيه في بيت عمه حتى هذا الوقت، فجاء الجواب قاطعا للأمل، ولكنها مع ذلك لم تمنعها من الذهاب، ربما جريا وراء غير المنتظر، أو في الأقل استعانة بالعم على حيرتها. ولما ذهبت سكينة جعلت تتساءل مرة أخرى عما أخره: ألذلك سبب بما طرأ على مزاجه من تغير؟ أله علاقة بنزهاته في الخلاء التي يقوم بها في الأصائل والأماسي؟

واستيقظ عم زكريا وحسن منزعجين على نداء سكينة. وقال حسن: إن قاسم لم يشاركه سهرته الليلة. وسأل عم زكريا متى غادر ابن أخيه بيته؟ فأجابت سكينة بأن ذلك كان قبيل العصر. وغادر ثلاثتهم الربع، ومضى حسن إلى الربع المجاور ثم عاد ومعه صادق الذي قال في نبرة قلقة: الفجر يوشك أن يطلع! ترى أين ذهب؟

فقال حسن: لعل النوم غلبه عند الصخرة.

Unknown page