200

Awlad Haratna

أولاد حارتنا

Genres

وكم نظر إلى بيت الناظر بدهش وإعجاب! وكم رمق الثمار فوق الأشجار برغبة واشتهاء! ويوما رأى البواب ناعسا فتسلل إلى الحديقة بخفة، دون أن يرى أحدا أو يراه أحد، وراح يقطع المماشي في بهجة وسرور، ويلتقط ثمار الجوافة من فوق الحشائش ويأكلها بلذة، حتى وجد نفسه أمام الفسقية، وعلقت عيناه بعمود الماء المتصاعد من النافورة؛ استخفه الفرح فخلع جلبابه ونزل إلى الماء ومضى يخوض فيه ويضرب سطحه بيديه ويدلك به جسده وقد ذهل عما حوله. وما يدري إلا وصوت حاد يصيح بغضب: «يا عثمان يا ابن الكلب، تعال يا أعمى يا ابن الأعمى». التفت رأسه نحو مصدر الصوت فرأى على السلاملك رجلا متلفعا بعباءة حمراء، يشير نحوه بأصبعه المرتجف، والغضب يشتعل في وجهه، فاندفع نحو حافة الفسقية وصعد إلى أرض الحديقة مرتكزا على مرفقيه، وعند ذاك لمح البواب قادما مهرولا، فجرى نحو عريشة الياسمين الملاصقة للسور، ناسيا جلبابه حيث خلعه، وركض نحو الباب، فمرق إلى الحارة. عدا بكل قواه، ورآه أطفال فتبعوه مهللين، فنبحت كلاب، ثم خرج عثمان البواب إلى الحارة وراح يجري وراءه حتى أدركه في منتصف حيه، فقبض على ذراعه وتوقف وهو يلهث، وعلا صراخ قاسم حتى ملأ الحي. وسرعان ما جاءت زوجة عمه حاملة وليدها، وخرج المعلم سوارس من القهوة. دهشت زوجة عمه لمنظره، وأمسكت بيده وهي تقول للبواب: وحد الله يا عم عثمان، أرعبت الولد، ماذا فعل؟ وأين جلبابه؟

فصاح البواب في تكبر: رآه حضرة الناظر وهو يستحم في الفسقية. هذا العفريت يجب جلده، دخل الملعون وأنا نائم، لماذا لا تريحوننا من عفاريتكم؟!

فقالت المرأة برجاء: السماح يا عم عثمان، الولد يتيم، وحقك علي!

واستنقذته من يده قائلة: سأضربه عنك، ولكن وحياة شيبتك إلا ما أعدت له جلبابه الوحيد!

فلوح البواب بيده متسخطا وولاها ظهره راجعا وهو يقول: بسبب هذه الحشرة لعنت وسببت، أولاد عفاريت وحارة بنت كلب!

وعادت المرأة إلى الربع، متوركة حسن، جارة قاسم من يده وهو يشهق باكيا.

65

وقال عم زكريا لقاسم وهو يرمقه بإعجاب: لم تعد طفلا يا قاسم، فأنت تقارب العاشرة وآن لك أن تعمل!

فالتمعت عينا قاسم السوداوان ابتهاجا وقال: طالما رجوتك أن تأخذني معك يا عمي.

فضحك الرجل قائلا: كان غرضك اللعب لا العمل، أما اليوم فأنت ولد عاقل وتستطيع أن تعاونني.

Unknown page