96

Awail Kharif

أوائل الخريف: قصة سيدة راقية

Genres

قالت مشيرة إلى القبر الذي عند قدمها: «هذا قبره. والقبر الآخر لابن العم هوراس بينتلاند، الذي لم أره مطلقا. توفي في مدينة منتون ... هو ابن عم لجدي من الدرجة الأولى.»

ساعدها جان في ملء المزهريتين بالماء ووضع الزهور فيهما. وعندما انتهت من ذلك وقفت وهي تطلق تنهيدة، منتصبة القامة جدا ببنيتها الضئيلة، قائلة: «تمنيت لو أنك تعرفت عليه، يا جان. كنت ستحبه. كان يتمتع دوما بروح الدعابة وأحب كل شيء في الدنيا ... إلا أنه لم يكن يتمتع بالقوة الكافية لفعل أي شيء سوى الاستلقاء في الفراش أو الجلوس في الشرفة الأمامية في أشعة الشمس.»

انهمرت الدموع من عينيها بهدوء، ليس حزنا على أخيها، وإنما إشفاقا على حياته البائسة الواهنة؛ وأمسك جان، متأثرا بشعور فوري بالرثاء، بيدها مرة أخرى وهذه المرة قبلها، بتلك الطريقة الوقورة غير المألوفة التي كان يفعل بها مثل هذه الأمور.

كانا الآن قد عرف أحدهما الآخر على نحو أفضل، أفضل كثيرا من صباح اليوم الساحر الذي أمضياه عند حافة النهر؛ وفي أحيان، كهذه، كان من شأن الكلام أن يفك التعويذة السحرية الثمينة بأكملها. تراجع الشعور بالخجل بينهما ليحل محله شعور بالرهبة تجاه ما كان قد حدث لهما. في تلك اللحظة، أراد أن يحتفظ بها إلى الأبد هكذا ، معه بمفردها، على هذا التل الأجرد المرتفع، ليحميها ويشعر بوجودها إلى جواره دائما تلمس ذراعه برفق. هنا، في مثل هذا المكان، من شأنهما أن يكونا في مأمن من كل التعاسة والعناء اللذين عرف بطريقة مبهمة أنهما كانا لا محالة جزءا من الحياة.

وبينما كانا يسيران في الدرب الضيق بين صفوف الحجارة العتيقة البالية المتكسرة، توقفا من آن لآخر ليقرآ النقوش الباهتة المتآكلة المكتوبة على الأضرحة بلغة الكتاب المقدس البليغة التي كان يستخدمها المستعمرون الأوائل الأشداء؛ وأحيانا كان يخالجهما شعور بالاستمتاع، وأحيانا أخرى كانا يشعران بالحزن بسبب العبارات العاطفية غير المألوفة. مرا أمام صفوف قبور آل سترازرس وآل فيذرستون وآل كانز وآل مانرينج، الذين صاروا ترابا منذ أمد بعيد، الأسماء الشهيرة في نيو إنجلاند، ذلك الركن الصغير من العالم؛ وأخيرا مرا على مجموعة صغيرة من القبور منقوش على كل شاهد منها اسم ميلفورد. هناك لم يكن يوجد أي نصب تذكاري جديد؛ نظرا لأن العائلة كانت قد اختفت منذ زمن طويل من عالم دورهام.

ووسط هذه القبور وقف جان فجأة، وانحنى فوق شاهد أحد القبور وقال: «ميلفورد ... ميلفورد ... هذا غريب. كان لي جد أكبر يدعى ميلفورد وكان ينحدر من هذا الجزء من البلاد.» «كان يوجد كثيرون يحملون اسم ميلفورد هنا؛ ولكن لم يعد يوجد أحد منهم بقدر ما تسعفني الذاكرة.»

قال جان: «كان جدي الأكبر واعظا. خادم أبرشية. وقاد أفراد أبرشيته جميعا إلى الغرب الأوسط. وأسسوا البلدة التي تنتمي إليها والدتي.»

للحظة لاذت سيبيل بالصمت. ثم سألته: «هل كان يدعى جوشيا ميلفورد؟» «أجل ... كان هذا اسمه.» «لقد انحدر من دورهام. وبعد أن تركها، تداعت الكنيسة شيئا فشيئا. لا تزال قائمة ... الكنيسة البيضاء الكبيرة ذات البرج العالي، بشارع هاي ستريت. صارت الآن متحفا فقط.»

ضحك جان. وأردف قائلا: «إذن، نحن لسنا متباعدين جدا، في نهاية المطاف. يبدو كما لو أننا أقارب.» «أجل؛ لأن أحد أفراد عائلة بينتلاند تزوج بالفعل من عائلة ميلفورد، قبل فترة طويلة ... أكثر من مائة عام على ما أظن.»

أسعدها هذا الاكتشاف بطريقة مبهمة، ربما لأنها أدركت أن هذا جعله يبدو أقل شبها بما كانت عائلة بينتلاند تدعوه «دخيلا». فلن يكون من الصعب أن تقول لوالدها: «أريد أن أتزوج جان دي سيون. تعلم أن أجداده انحدروا من دورهام.» كان من شأن اسم ميلفورد أن يترك انطباعا لدى رجل مثل والدها، الذي كان يهتم بالأسماء اهتماما شديدا؛ ولكن جان لم يكن قد طلب منها الزواج بعد. لسبب ما التزم الصمت، ولم ينبس ببنت شفة بخصوص الزواج، وعكر الصمت صفو سعادتها بالقرب منه.

Unknown page