Awail Kharif
أوائل الخريف: قصة سيدة راقية
Genres
ثم، بعد أن استشارت العجوز جون بينتلاند ووجدت أنه موافق على الخطة، بدأت تدريجيا في إدخال قطع أثاث هوراس بينتلاند إلى المنزل. ترددت سابين على المنزل يوميا لتراقب التقدم المحرز نحو التغيير، ولتبدي التعليقات والإعجاب وتقترح تغييرات. وساورهم شعور غريب بالحماس مع خروج القطع الفنية الجميلة واحدة تلو الأخرى من صناديقها المغلفة؛ فخرجت من وسط الأسمال البالية والنشارة الخشبية أروع الطاولات والخزائن، والتحف الصينية، والكتب القديمة والنقوش. وعلى التوالي نقل المكتب القبيح الذي استخدمه السيد لويل، ثم المصباح البشع الذي أهداه إليهم السيد لونجفيلو، ثم اللوحة المرسومة بألوان مائية باهتة للآنسة ماريا بينتلاند ... حتى نقلت جميع قطع أثاث المتحف العائلي إلى العلية القديمة الشاسعة؛ إلى أن ظهرت في النهاية غرفة استقبال جديدة، متألقة وجميلة، تتسم بالرقي والدفء بل وقدر من الغرابة، مزدانة بجميع الكنوز التي أمضى هوراس بينتلاند حياته في جمعها بشغف وحرص بالغين. وبهدوء ودون أن يلاحظ أحد شيئا تقريبا، استحوذ مصدر الإحراج والخزي للعائلة على المنزل، وغير طابعه بالكامل.
أحدث التغيير لدى العمة كاسي مجموعة متنوعة من المشاعر المشوشة والمتضاربة. بدا لها تدنيسا للمقدسات أن تقصى الهدايا التذكارية العائلية البالية المعتادة المنزلية المقدمة من «الأصدقاء الأعزاء» لوالدها إلى الخلفية، لا سيما على يد هوراس بينتلاند؛ ورغم ذلك كان من المستحيل أن تغفل عن القيمة الفعلية للمجموعة. لم تر القطع باعتبارها أغراضا ذات قيمة جمالية نادرة وإنما رأتها بصفتها أشياء ثمينة ذات قيمة مالية. وعلقت قائلة: «أغراض عائلة بينتلاند يجب أن توضع في منزل عائلة بينتلاند.» وتشككت في أن سابين تتبع تكتيكات ميكافيللية وعجزت عن أن تحسم أمرها بشأن ما إذا كانت سابين وهوراس بينتلاند قد انتصرا في النهاية عليها وعلى «السيد لويل العزيز» و«السيد لونجفيلو الطيب اللطيف».
والغريب في الأمر أن آنسون أعجب بالتغيير، مع بعض التحفظات. فمنذ فترة طويلة، كان قد أدرك أن غرفة الاستقبال وأجزاء كبيرة من بقية المنزل بدت في حالة رثة ومتهالكة؛ ومن ثم لم تكن تستحق شرف أن ترتبط باسم عائلة بينتلاند.
وقف آنسون عند مدخل غرفة الجلوس، متفحصا التحول، وعلق قائلا: «التأثير يبدو جيدا ... ربما قليل من بهرجة، لا تليق بوقار هذا المنزل، ولكن في المجمل ... جيد جدا. أنا نفسي أفضل كثيرا الأثاث الأمريكي القديم البسيط ...»
فقاطعته سابين فجأة قائلة: «لكنه يصعب الجلوس عليه.»
وحتى هذه اللحظة، لم يكن ثمة وجود للموسيقى مطلقا في منزل بينتلاند، وهذا لأن العائلة كانت تعتبر الموسيقى شيئا يجب أن يسمعه المرء في قاعات الحفلات الموسيقية، ويجب أن يرتدي من أجلها أفضل الثياب. كانت العمة كاسي، وبرفقتها الآنسة بيفي، قد اعتادت أن تتردد بانتظام على مدار سنوات عصر كل يوم جمعة على قاعة سيمفوني هول لتجلس هناك وعلى رأسها وشاح لا قبعة تستمع إلى «أوركسترا الكولونيل هيجينسون العزيز» (التي كان مستواها قد تراجع على نحو مؤسف منذ وفاته)، لكنها لم تتعلم مطلقا تمييز لحن عن آخر ... دائما ما كانت الموسيقى في منزل عائلة بينتلاند واجبا ثقافيا، ممارسة تشبه واجب الذهاب إلى الكنيسة. ولم تترك أي انطباع لدى العمة كاسي أكثر من تلك الرحلات الدورية إلى أوروبا، حيث كانت تأخذ عالمها معها، وتقيم دوما في فنادق تلتقي فيها بأصدقاء من بوسطن ولا تتعرض مطلقا لضغوط التعامل مع وجوه وحوارات همجية غير محببة.
والآن، وعلى نحو مفاجئ جدا، صارت الموسيقى في منزل عائلة بينتلاند شيئا نابضا بالحياة ومبهجا وإنسانيا. اختفى البيانو المربع القديم الصغير وحل محله آخر كبير وجديد اشترته أوليفيا من مالها الخاص. وفي الأمسيات، كان يتردد بين جنبات المنزل صوت أنغام مقطوعات شوبان وبرامز وبيتهوفن وباخ، بل والمؤلفين الموسيقيين المبهرجين الجدد من أمثال سترافينسكي ورافيل. وكانت السيدة سومز العجوز تأتي، عندما تكون بصحة جيدة بما يكفي لأن تجلس على أكثر الكراسي الكلاسيكية المريحة من طراز ريجنسي وإلى جوارها العجوز جون بينتلاند، تستمع إلى الموسيقى وقد عاد شبح الشباب البائد إلى عينيها العجوزتين الضريرتين تقريبا. كان صوت موسيقى جان يخترق أحيانا أبعد مكان في البيت ليصل إلى غرفة العجوز المجنونة في الجناح الشمالي وإلى غرفة الكتابة، حيث كانت تزعج آنسون أثناء عمله في تأليف كتاب «عائلة بينتلاند ومستعمرة خليج ماساتشوستس».
ثم ذات ليلة، جاء أوهارا بعد العشاء، مرتديا ثيابا من الواضح جدا أنها تساير أحدث صيحات الموضة. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تطأ فيها قدماه أرض عائلة بينتلاند.
4
في ذلك الحين، كانت تأتي على العمة كاسي أوقات تقول فيها لنفسها إن الحالات المزاجية الغريبة التي كانت تصيب أوليفيا كانت قد اختفت أخيرا، تاركة مكانها أوليفيا المعهودة المطيعة اللطيفة التي كانت لها دوما طريقة خاصة في تهدئة الاضطرابات في منزل عائلة بينتلاند. لم يعد هناك الهدوء المخيف المفاجئ يخيم على حواراتهما؛ ولم تعد العمة كاسي تخشى من «التعبير عن رأيها، بصراحة، من أجل مصلحتهم جميعا.» استمعت أوليفيا إليها بهدوء، وصحيح أنها كانت أكثر سعادة من ناحية أنه بدا أن الحياة في منزل عائلة بينتلاند كانت تتحسن من تلقاء نفسها؛ ولكن في قرارة نفسها، مضت بطريقتها الصامتة، تتجرع مرارة الحزن في عزلة عن الآخرين لأنها لم تكن تجرؤ على أن تضيف عبء حزنها إلى الأعباء الملقاة على كاهل العجوز جون بينتلاند. حتى سابين، التي كانت أكثر فطنة في تلك الأمور من العمة كاسي، صارت تشعر بأنها نفسها لم تعد موضع ثقة أوليفيا.
Unknown page