[خِطْبَة الْكتاب]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى أَشْرَفِ الْخَلْقِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْحَبْرُ الْبَحْرُ الْفِهَامُ فَرِيدُ دَهْرِهِ وَوَحِيدُ عَصْرِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ مُحْيِي السُّنَّةِ فِي الْعَالَمِينَ مُفْتِي الْمُسْلِمِينَ زَيْنُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ الشَّافِعِيُّ فَسَّحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُدَّتِهِ وَنَفَعَنَا وَالْمُسْلِمِينَ بِبَرَكَتِهِ وَبِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ إنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَقَادِرٌ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْهَرَ لَنَا ثَمَرَ الرَّوْضِ مِنْ كِمَامِهِ، وَأَسْبَغَ عَلَيْنَا بِفَضْلِهِ مَلَابِسَ إنْعَامِهِ، وَبَصَّرَنَا مِنْ شَرْعِهِ بِحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ، وَرَسُولُهُ الْمُؤَيَّدُ بِمُعْجِزَاتِهِ الْعِظَامِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ الْغُرِّ الْكِرَامِ (وَبَعْدُ) فَهَذَا مَا دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةُ الْمُتَفَهِّمِينَ لِلرَّوْضِ فِي الْفِقْهِ تَأْلِيفُ الْإِمَامِ الْعَلَّامَةِ شَرَفِ الدِّينِ إسْمَاعِيلَ بْنِ الْمُقْرِي الْيَمَنِيِّ مِنْ شَرْحٍ يُحِلُّ أَلْفَاظَهُ، وَيُبَيِّنُ مُرَادَهُ، وَيُذَلِّلُ صِعَابَهُ، وَيَكْشِفُ لِطُلَّابِهِ نِقَابَهُ مَعَ فَوَائِدَ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَدَقَائِقَ لَا يَسْتَغْنِي الْفَقِيهُ عَنْهَا عَلَى، وَجْهٍ لَطِيفٍ، وَمَنْهَجٍ حَنِيفٍ خَالٍ عَنْ الْحَشْوِ، وَالتَّطْوِيلِ حَاوٍ لِلدَّلِيلِ، وَالتَّعْلِيلِ، وَاَللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ، وَهُوَ حَسْبِي، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
(وَسَمَّيْته أَسْنَى الْمَطَالِبِ فِي شَرْحِ رَوْضِ الطَّالِبِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أَيْ أَبْتَدِئُ، وَأَوْلَى مِنْهُ أُؤَلِّفُ إذْ كُلُّ فَاعِلٍ يَبْدَأُ فِي فِعْلِهِ بِبَسْمِ اللَّهِ يُضْمِرُ مَا جَعَلَ التَّسْمِيَةَ مَبْدَأً لَهُ كَمَا أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا حَلَّ أَوْ ارْتَحَلَ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ كَانَ الْمَعْنَى بِسْمِ اللَّهِ أَحِلُّ، وَبِسْمِ اللَّهِ أَرْتَحِلُ، وَالِاسْمُ مُشْتَقٌّ مِنْ السُّمُوِّ، وَهُوَ الْعُلُوُّ، وَقِيلَ مِنْ الْوَسْمِ، وَهُوَ الْعَلَامَةُ، وَإِنَّمَا حَذَفُوا أَلِفَه، وَإِنْ كَانَ وَضْعُ الْخَطِّ عَلَى حُكْمِ الِابْتِدَاءِ دُونَ الدَّرْجِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ مَعَ أَنَّهُمْ طَوَّلُوا الْبَاءَ لِتَكُونَ كَالْعِوَضِ مِنْ الْأَلْفِ، وَاَللَّهُ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ، وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ صِفَتَانِ مُشَبَّهَتَانِ بُنِيَتَا لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ رَحِمَ كَغَضْبَانَ مِنْ غَضِبَ، وَسَقِيمٍ مِنْ سَقِمَ
وَالرَّحْمَةُ رِقَّةُ الْقَلْبِ، وَهِيَ كَيْفِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ تَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَتُحْمَلُ عَلَى غَايَتِهَا، وَهِيَ الْإِنْعَامُ، وَبُنِيَتْ الصِّفَةُ الْمُشَبَّهَةُ مِنْ رَحِمَ مَعَ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِجَعْلِهِ لَازِمًا، وَنَقْلِهِ إلَى فَعُلَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى تَوْفِيقِهِ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. (وَبَعْدُ) فَهَذِهِ حَوَاشٍ لَطِيفَةٌ وَفَوَائِدُ شَرِيفَةٌ جَرَّدْتهَا مِنْ خَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا شَيْخِ الشُّيُوخِ خَاتِمَةِ أَهْلِ الرُّسُوخِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ الرَّمْلِيِّ الْأَنْصَارِيِّ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ بِهَامِشِ نُسْخَتِهِ شَرْحِ الرَّوْضِ تَابِعًا لَهُ فِيمَا رَمَزَ إلَيْهِ مِنْ عَلَامَةِ الْكُتُبِ أَوْ أَصْحَابِهَا وَمَا كُتِبَ عَلَيْهِ عَلَامَةَ التَّصْحِيحِ أَوْ التَّضْعِيفِ أُشِيرُ إلَيْهِ بِقَوْلِي وَأَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ أَوْ أَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ، وَرُبَّمَا كَتَبَ شَيْخُنَا وَلَدُهُ تَوْضِيحًا أَوْ تَتِمَّةً أَوْ زِيَادَةً أُخْرَى أَوْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحٍ فَأُمَيِّزُهَا بِنَحْوِ وَقَالَ شَيْخُنَا، وَاَللَّهَ أَرْجُو النَّفْعَ بِذَلِكَ وَأَسْأَلُهُ الْهِدَايَةَ لِأَحْسَنِ الْمَسَالِكِ (قَوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَضَمَّنَتْ جَمِيعَ الشَّرْعِ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَهَذَا صَحِيحٌ
1 / 2
بِالضَّمِّ، وَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ مِنْ الرَّحِيمِ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى كَمَا فِي قَطَعَ، وَقَطَّعَ، وَعَلَيْهِ نَقْضٌ ذَكَرْته مَعَ جَوَابِهِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) بَدَأَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالْبَسْمَلَةِ، وَبِالْحَمْدَلَةِ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَعَمَلًا بِخَبَرِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ»، وَفِي رِوَايَةٍ «بِالْحَمْدِ لِلَّهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَغَيْرُهُ، وَجَمَعَ بَيْنَ الِابْتِدَاءَيْنِ عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ، وَإِشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا إذْ الِابْتِدَاءُ حَقِيقِيٌّ، وَإِضَافِيٌّ فَبِالْبَسْمَلَةِ حَصَلَ الْحَقِيقِيُّ، وَبِالْحَمْدَلَةِ حَصَلَ الْإِضَافِيُّ، وَقَدَّمَ الْبَسْمَلَةَ عَمَلًا بِالْكِتَابِ، وَالْإِجْمَاعِ
وَالْحَمْدُ لُغَةً هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ عَلَى جِهَةِ التَّبْجِيلِ سَوَاءٌ أَتَعَلَّقَ بِالْفَضَائِلِ أَمْ بِالْفَوَاضِلِ، وَعُرْفًا فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ لِكَوْنِهِ مُنْعِمًا عَلَى الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ فَيَتَنَاوَلُ الْقَوْلَ، وَالْفِعْلَ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الصُّوفِيَّةِ، وَهُوَ بِالْفِعْلِ أَقْوَى مِنْهُ بِالْقَوْلِ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي هِيَ آثَارُ السَّخَاوَةِ مَثَلًا تَدُلُّ عَلَيْهَا دَلَالَةً عَقْلِيَّةً قَطْعِيَّةً لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا تَخَلُّفٌ بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ فَإِنَّ دَلَالَتَهَا عَلَيْهَا وَضْعِيَّةً، وَقَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهَا مَدْلُولُهَا، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ حَمْدًا لِلَّهِ، وَثَنَاؤُهُ عَلَى ذَاتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى حِينَ بَسَطَ بِسَاطَ الْوُجُودِ عَلَى مُمْكِنَاتٍ لَا تُحْصَى، وَوَضَعَ عَلَيْهِ مَوَائِدَ كَرَمِهِ الَّتِي لَا تَتَنَاهَى فَقَدْ كَشَفَ سُبْحَانَهُ عَنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ، وَأَظْهَرَهَا بِدَلَالَاتٍ قَطْعِيَّةٍ تَفْصِيلِيَّةٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ فَإِنَّ كُلَّ ذَرَّةٍ مِنْ ذَرَّاتِ الْوُجُودِ تَدُلُّ عَلَيْهَا، وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعِبَارَاتِ مِثْلُ هَذِهِ الدَّلَالَاتِ، وَمِنْ ثَمَّ «قَالَ ﵊ سُبْحَانَك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» .
وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ، وَغَيْرِهِ (الَّذِي جَعَلَ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ) أَيْ الْقُرْآنَ (رَوْضَةً دَانِيَةً قُطُوفُهَا) أَيْ قَرِيبَةً ثِمَارُهَا، وَالْمُرَادُ فَوَائِدُهَا، وَالرَّوْضَةُ تُقَالُ لِبُقْعَةٍ ذَاتِ أَشْجَارٍ كَثِيرَةِ الثِّمَارِ، وَالْبَقْلِ، وَالْعُشْبِ، وَقَدْ اسْتَعَارَ لَفْظَهَا لِلْقُرْآنِ، وَرَشَّحَ الِاسْتِعَارَةَ بِدَانِيَةٍ قُطُوفُهَا (وَأَوْجَزَ) أَيْ قَلَّلَ مَبَانِيَهُ، وَكَثَّرَ مَعَانِيهِ (فَأَعْجَزَ) خَلْقَهُ عَنْ إدْرَاكِ مَعَانِيهِ، وَعَنْ إتْيَانِهِمْ بِمِثْلِهِ (وَجَمَعَ) فِيهِ (عِلْمَ الْأَوَّلِينَ، وَالْآخِرِينَ فِي كَلِمٍ) عِدَّتُهَا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ سَبْعٌ، وَسَبْعُونَ أَلْفًا، وَتِسْعُمِائَةٍ، وَأَرْبَعٌ، وَثَلَاثُونَ (مَعْدُودَةٌ حُرُوفُهَا)، وَهِيَ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفٍ، وَأَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَسَبْعُمِائَةٍ، وَأَرْبَعُونَ، وَفِيهَا، وَفِي الْكَلِمِ أَقْوَالٌ أُخَرُ (أَحْمَدُهُ حَمْدَ مَنْ رَتَعَ فِي رَوْضِ مَوَاهِبِهِ) جَمْعُ مَوْهِبَةٍ بِالْكَسْرِ، وَبِالْفَتْحِ الْعَطِيَّةُ، وَبِالْفَتْحِ نَقْرَةٌ فِي الْجَبَلِ يُسْتَنْقَعُ فِيهَا الْمَاءُ، وَرَوْضٌ جَمْعُ رَوْضَةٍ ذَكَرَ ذَلِكَ الْجَوْهَرِيُّ.
وَقَدْ اسْتَعَارَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ الرُّتُوعِ، وَهُوَ التَّنَعُّمُ بِالْأَكْلِ لِلتَّنَعُّمِ بِالْمَعَانِي ثُمَّ رَشَّحَ الِاسْتِعَارَةَ بِالرَّوْضِ (وَ) حَمْدُ مَنْ (تَعَاوَرَتْ) أَيْ تَدَاوَلَتْ (رَبَوَاتُ) أَيْ مُرْتَفَعَاتُ (أَرْضِهِ هُوَ أَطَلُّ سَحَائِبِهِ) فَاعِلُ تَعَاوَرَتْ أَيْ سَحَائِبُهُ الْهَوَاطِلُ أَيْ كَثِيرَةَ الْمَطَرِ، وَالسَّحَائِبُ جَمْعُ سَحَابَةٍ، وَهِيَ الْغَيْمُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَالْمُرَادُ مِنْ تَوَالَتْ عَلَيْهِ نِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى فَالضَّمِيرُ فِي أَرْضِهِ لِلْحَامِدِ، وَفِي سَحَائِبِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ ذَكَرَ الْحَمْدَ مَرَّتَيْنِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ نَوْعَيْهِ الْوَاقِعِ فِي مُقَابَلَةِ صِفَاتِ اللَّهِ الْعِظَامِ، وَالْوَاقِعِ فِي مُقَابَلَةِ نِعَمِهِ الْجِسَامِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا التَّوْفِيقُ لِتَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ، وَلَمَّا كَانَتْ صِفَاتُهُ تَعَالَى قَدِيمَةً مُسْتَمِرَّةً، وَالنِّعَمُ مُتَجَدِّدَةٌ مُتَعَاقِبَةٌ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الثُّبُوتِ، وَالِاسْتِمْرَارِ، وَالثَّانِي بِالْفِعْلِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّجَدُّدِ، وَالتَّعَاقُبِ (وَأُصَلِّي)، وَأُسَلِّمُ (عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ الَّذِي أَرْسَلَهُ) اللَّهُ (رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الْإِنْسِ، وَالْجِنِّ، وَالصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ، وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ، وَمِنْ الْآدَمِيِّ تَضَرُّعٌ، وَدُعَاءٌ وَالرَّسُولُ إنْسَانٌ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ، وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ
، وَالنَّبِيُّ إنْسَانٌ أُوحِيَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ نَقْضٌ إلَخْ) وَنَقْضٌ بِحَذَرٍ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ حَاذِرٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ وَبِأَنَّهُ لَا يُنَافِي أَنْ يَقَعَ فِي الْأَنْقَصِ زِيَادَةُ مَعْنًى بِسَبَبٍ آخَرَ كَالْإِلْحَاقِ بِالْأُمُورِ الْجِبِلِّيَّةِ مِثْلُ شَرِهٍ وَنَهِمٍ وَبَانَ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُتَلَاقِيَانِ فِي الِاشْتِقَاقِ مُتَّحِدِي النَّوْعِ فِي الْمَعْنَى كَغَرْثٍ وَغَرْثَانَ وَصَدًى وَصَدْيَانَ لَا كَحَذِرٍ وَحَاذِرٍ لِلِاخْتِلَافِ ش.
(قَوْلُهُ فَالْبَسْمَلَةُ حَصَلَ الْحَقِيقِيُّ إلَخْ) أَوْ يُحْمَلُ الِابْتِدَاءُ عَلَى الْعُرْفِيِّ الْمُمْتَدِّ أَوْ أَنَّ الْبَاءَ فِي الْحَدِيثَيْنِ لِلِاسْتِعَانَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ بِشَيْءٍ لَا تُنَافِي الِاسْتِعَانَةَ بِآخَرَ، أَوْ لِلْمُلَابَسَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُلَابَسَةَ تَعُمُّ وُقُوعَ الِابْتِدَاءِ بِالشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ الْجُزْئِيَّةِ وَبِذِكْرِهِ قَبْلَ الِابْتِدَاءِ بِالشَّيْءِ بِلَا فَصْلٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ أَحَدَهُمَا جُزْءًا وَيَذْكُرَ الْآخَرَ قَبْلَهُ بِدُونِ الْفَصْلِ فَيَكُونُ آنُ الِابْتِدَاءِ آنُ التَّلَبُّسِ بِهِمَا. (قَوْلُهُ هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ إلَخْ) فَدَخَلَ فِي الثَّنَاءِ الْحَمْدُ وَغَيْرُهُ وَخَرَجَ بِاللِّسَانِ الثَّنَاءُ بِغَيْرِهِ كَالْحَمْدِ النَّفْسِيِّ وَبِالْجَمِيلِ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى غَيْرِ الْجَمِيلِ إنْ قُلْنَا بِرَأْيِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الثَّنَاءَ حَقِيقَةٌ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَإِنْ قُلْنَا بِرَأْيِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْخَيْرِ فَقَطْ فَفَائِدَةُ ذِكْرِ ذَلِكَ تَحْقِيقُ الْمَاهِيَّةِ أَوْ دَفْعُ تَوَهُّمِ إرَادَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهُ، وَبِالِاخْتِيَارِيِّ الْمَدْحُ فَإِنَّهُ يَعُمُّ الِاخْتِيَارِيَّ وَغَيْرَهُ تَقُولُ مَدَحْت اللُّؤْلُؤَةَ عَلَى حُسْنِهَا دُونَ حَمِدْتهَا، وَعَلَى جِهَةِ التَّبْجِيلِ مُتَنَاوِلٌ لِلظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ إذْ لَوْ تَجَرَّدَ الثَّنَاءُ عَلَى الْجَمِيلِ عَنْ مُطَابَقَةِ الِاعْتِقَادِ أَوْ خَالَفَهُ أَفْعَالُ الْجَوَارِحِ لَمْ يَكُنْ حَمْدًا بَلْ تَهَكُّمٌ أَوْ تَمْلِيحٌ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي دُخُولَ الْجَوَارِحِ وَالْجِنَانِ فِي التَّعْرِيفِ لِأَنَّهُمَا اُعْتُبِرَا فِيهِ شَرْطًا لَا شَطْرًا ش.
(قَوْلُهُ وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ إلَخْ) وَالشُّكْرُ لُغَةً فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الشَّاكِرِ أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِاللِّسَانِ أَمْ بِالْجَنَانِ أَمْ بِالْأَرْكَانِ فَمَوْرِدُ الْحَمْدِ اللِّسَانُ وَحْدَهُ وَمُتَعَلِّقُهُ النِّعْمَةُ وَغَيْرُهَا وَمَوْرِدُ الشُّكْرِ اللِّسَانُ وَغَيْرُهُ وَمُتَعَلِّقُهُ النِّعْمَةُ وَحْدَهَا فَالْحَمْدُ أَعَمُّ مُتَعَلَّقًا وَأَخَصُّ مَوْرِدًا وَالشُّكْرُ بِالْعَكْسِ وَمِنْ ثَمَّ تَحَقَّقَ تَصَادُقُهُمَا فِي الثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِحْسَانِ وَتُفَارِقُهُمَا فِي صِدْقِ الْحَمْدِ فَقَطْ عَلَى الثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ عَلَى الْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ وَصِدْقِ الشُّكْرِ فَقَطْ عَلَى الثَّنَاءِ بِالْجَنَانِ عَلَى الْإِحْسَانِ وَالشُّكْرُ عُرْفًا صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ السَّمْعِ وَغَيْرِهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ فَهُوَ أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنْ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ لِاخْتِصَاصِ مُتَعَلِّقِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلِاعْتِبَارِ شُمُولِ الْآلَاتِ فِيهِ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ وَالشُّكْرُ اللُّغَوِيُّ مُسَاوٍ لِلْحَمْدِ الْعُرْفِيِّ وَبَيْنَ الْحَمَدَيْنِ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ ش.
(قَوْلُهُ فِي كَلِمٍ مَعْدُودَةٍ حُرُوفُهَا إلَخْ) أَمَّا النُّقَطُ عَلَى حُرُوفِهِ
1 / 3
إلَيْهِ بِشَرْعٍ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الرَّسُولِ، وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَسُمِّيَ ﷺ مُحَمَّدًا لِكَثْرَةِ خِصَالِهِ الْحَمِيدَةِ (فَشَرَعَ الشَّرَائِعَ) أَيْ سَنَّهَا (وَفَقِهَ) أَيْ فَهِمَ (فِي الدِّينِ) أَيْ الشَّرِيعَةِ (صَلَّى اللَّهُ)، وَسَلَّمَ (عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ)، وَهُمْ مُؤْمِنُو بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الزَّكَاةِ (، وَصَحْبِهِ)، وَهُمْ مَنْ لَقُوا النَّبِيَّ ﷺ مُؤْمِنِينَ (أَجْمَعِينَ) تَأْكِيدٌ لِآلِهِ، وَصَحْبِهِ، وَقَرَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ أَمَّا عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح: ٤] أَيْ لَا أُذْكَرُ إلَّا، وَتُذْكَرُ مَعِي كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ.
وَأَمَّا عَلَى آلِهِ، وَصَحْبِهِ فَتَبَعًا لَهُ لِخَبَرِ «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» وَيَصْدُقُ عَلَى الصَّحْبِ فِي قَوْلٍ، وَلِأَنَّهَا إذَا طُلِبَتْ عَلَى الْآلِ غَيْرِ الصَّحْبِ فَعَلَى الصَّحْبِ أَوْلَى، وَهُوَ اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبٍ، وَقِيلَ جَمْعٌ لَهُ، وَكَرَّرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ ﷺ إظْهَارًا لِعَظَمَتِهِ، وَجَمْعًا بَيْنَ إسْنَادِهَا إلَى نَفْسِهِ، وَإِسْنَادِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَا بَيَّنَ الْجُمْلَةَ الْمُضَارِعِيَّةَ، وَالْمَاضَوِيَّةَ، وَلَوْ ذَكَرَ مَعَهَا السَّلَامَ كَانَ أَوْلَى لِيَخْرُجَ مِنْ كَرَاهَةِ إفْرَادِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لَفْظًا (أَمَّا بَعْدُ)، وَفِي نُسْخَةٍ، وَبَعْدُ أَيْ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ (فَهَذَا) الْمُؤَلِّفُ الْحَاضِرُ ذِهْنًا إنْ أَلَّفَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ أَوْ خَارِجًا أَيْضًا إنْ أَلَّفَ قَبْلَهَا (كِتَابٌ اخْتَصَرْت فِيهِ مَا فِي الرَّوْضَةِ) لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ ﵀ (الْمُخْتَصَرَةُ مِنْ الْعَزِيزِ) شَرْحِ الْوَجِيزِ لِلْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ (وَقَرَّبْته) أَيْ أَدْنَيْته (عَلَى الطَّالِبِ) لِلْعِلْمِ (بِعِبَارَةٍ بَيِّنَةٍ، وَلَفْظٍ، وَجِيزٍ) أَيْ مُخْتَصَرٍ (وَحَذَفْت) مِنْهُ (الْخِلَافَ) الَّذِي فِيهِ تَصْحِيحٌ (وَقَطَعْت بِالْأَصَحِّ) غَالِبًا (وَاخْتَصَرْت اسْمَهُ) أَيْ الْكِتَابَ (مِنْ اسْمِ أَصْلِهِ)، وَهُوَ رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ (فَسَمَّيْته رَوْضَ الطَّالِبِ، وَأَرْجُو) مِنْ الرَّجَاءِ بِالْمَدِّ، وَهُوَ الْأَمَلُ يُقَالُ رَجَوْت فُلَانًا رُجُوًّا، وَرَجَاءً، وَرَجَاوَةً، وَتَرَجَّيْته، وَارْتَجَيْته، وَرُجِيته كُلُّهُ بِمَعْنَى رَجَوْته قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ أَيْ أُؤَمِّلُ (أَنْ يَنْفَعَ اللَّهُ بِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ لِي، وَسِيلَةً) أَيْ سَبَبًا أَتَقَرَّبُ بِهِ (إلَى النَّجَاةِ) مِنْ كُلِّ هَوْلٍ (يَوْمَ الدِّينِ) أَيْ الْجَزَاءِ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (آمِينَ) اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى اسْتَجِبْ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ لُغَاتِهِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ
(كِتَابُ الطَّهَارَةِ)
هُوَ لُغَةً الضَّمُّ، وَالْجَمْعُ يُقَالُ كَتَبَ كُتُبًا، وَكِتَابَةً، وَكِتَابًا، وَمِثْلُهُ الْكُثُبُ بِالْمُثَلَّثَةِ، وَمِنْهُ كَثِيبُ الرَّمَلِ لَكِنَّهُ يَنْظُرُهُ إلَى الِانْصِبَابِ، وَاصْطِلَاحًا اسْمٌ لِضَمٍّ مَخْصُوصٍ أَوْ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَبْوَابٍ، وَفُصُولٍ غَالِبًا فَهُوَ إمَّا مَصْدَرٌ لَكِنْ لِضَمٍّ مَخْصُوصٍ أَوْ اسْمِ مَفْعُولٍ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ أَوْ اسْمُ فَاعِلٍ بِمَعْنَى الْجَامِعِ لِلطَّهَارَةِ، وَهِيَ مَصْدَرُ طَهَرَ بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَضَمِّهَا، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ يَطْهُرُ بِضَمِّهَا فِيهِمَا، وَهِيَ لُغَةً النَّظَافَةُ، وَالْخُلُوصُ مِنْ الْأَدْنَاسِ حِسِّيَّةً كَالْأَنْجَاسِ أَوْ مَعْنَوِيَّةً كَالْعُيُوبِ يُقَالُ تَطَهَّرْت بِالْمَاءِ، وَهُمْ قَوْمٌ يَتَطَهَّرُونَ أَيْ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ الْعَيْبِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٨٢]، وَشَرْعًا رَفْعُ حَدَثٍ أَوْ إزَالَةُ نَجَسٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا، وَعَلَى صُورَتِهِمَا كَالتَّيَمُّمِ، وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ، وَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ، وَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ، وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ ذَكَرْته مَعَ جَوَابِهِ، وَفَوَائِدُ أُخَرُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ.
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
فَأَلْفُ أَلْفٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَثَلَاثُونَ نُقْطَةً.
(قَوْلُهُ وَفِي نُسْخَةٍ وَبَعْدُ إلَخْ) الْفَاءُ عَلَى النُّسْخَةِ الثَّانِيَةِ أَمَّا عَلَى تَوَهُّمِ أَمَّا أَوْ تَقْدِيرِهَا فِي نَظْمِ الْكَلَامِ بِطَرِيقِ تَعْوِيضِ الْوَاوِ عَنْهَا. (قَوْلُهُ يَوْمَ الدِّينِ) الدِّينُ وَضْعٌ إلَهِيٌّ سَائِقٌ لِذَوِي الْعُقُولِ بِاخْتِيَارِهِمْ الْمَحْمُودِ إلَى الْخَيْرِ بِالذَّاتِ وَقِيلَ الطَّرِيقَةُ الْمَخْصُوصَةُ الْمَشْرُوعَةُ بِبَيَانِ النَّبِيِّ ﷺ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ سُمِّيَتْ مِنْ حَيْثُ انْقِيَادُ الْخَلْقِ لَهَا دِينًا وَمِنْ حَيْثُ إظْهَارُ الشَّارِعِ إيَّاهَا شَرْعًا وَشَرِيعَةً وَمِنْ حَيْثُ إمْلَاءُ الْمَبْعُوثِ إيَّاهَا مِلَّةً
[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]
(كِتَابُ الطَّهَارَةِ) (قَوْلُهُ الطَّهَارَةُ إلَخْ) الطَّهَارَةُ عَيْنِيَّةٌ وَحُكْمِيَّةٌ فَالْعَيْنِيَّةُ مَا لَا تُجَاوِزُ مَحَلَّ حُلُولِهَا كَغَسْلِ النَّجَاسَةِ وَالْحُكْمِيَّةُ مَا تُجَاوِزُهُ كَالْوُضُوءِ وَالنَّجَاسَةُ عَيْنِيَّةٌ وَحُكْمِيَّةٌ وَالْقُدْوَةُ عَيْنِيَّةٌ وَحُكْمِيَّةٌ قَوْلُهُ مَا تُجَاوِزُهُ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ تُجَاوِزُ سَبَبَ مَحَلِّ حُلُولِهَا، وَقَالَ أَيْضًا وَالطَّهَارَةُ عَنْ غَسْلِ النَّجَاسَةِ لَا تَكُونُ إلَّا عَيْنِيَّةً وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ حُكْمِيَّةً. (قَوْلُهُ يُقَالُ كَتَبَ كِتَابًا إلَخْ) قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْكِتَابَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْكَتْبِ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمَزِيدَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمَصْدَرِ الْمُجَرَّدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا رَفْعُ الْحَدَثِ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ الطَّهَارَةُ مَا يُتَوَقَّفُ عَلَى حُصُولِهَا إبَاحَةٌ أَوْ ثَوَابٌ مُجَرَّدٌ. اهـ. وَعَرَّفْتهَا بِشَرْحِي الْمَزِيدَ بِقَوْلِي وَهِيَ شَرْعًا زَوَالُ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْحَدَثِ أَوْ الْخَبَثِ أَوْ الْفِعْلُ الْمَوْضُوعُ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ الْمَنْعِ لِإِفَادَةِ بَعْضِ آثَارِهِ. (قَوْلُهُ وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ ذَكَرْته مَعَ جَوَابِهِ إلَخْ) وَشَرْعًا تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى زَوَالِ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَبِمَعْنَى الْفِعْلِ الْمَوْضُوعِ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ أَوْ لِإِفَادَةِ بَعْضِ آثَارِهِ كَالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ جَوَازَ الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ مِنْ آثَارِ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي لَا جَرَمَ عَرَّفَهَا النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ مُدْخِلًا فِيهَا الْأَغْسَالَ الْمَسْنُونَةَ وَنَحْوَهَا بِأَنَّهَا رَفْعُ حَدَثٍ أَوْ إزَالَةُ نَجَسٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا وَعَلَى صُورَتِهِمَا وَقَوْلُهُ وَعَلَى صُورَتِهِمَا يُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِمَا فِي مَعْنَاهُمَا مَا يُشَارِكُهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ، وَلِهَذَا قَالَ وَقَوْلُنَا أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا أَرَدْنَا بِهِ التَّيَمُّمَ وَالْأَغْسَالَ الْمَسْنُونَةَ وَتَجْدِيدَ الْوُضُوءِ وَالْغَسْلَةَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فِي الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَمَسْحَ الْأُذُنِ وَالْمَضْمَضَةِ وَنَحْوَهَا مِنْ نَوَافِلِ الطَّهَارَةِ وَطَهَارَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ وَسَلَسَ الْبَوْلِ اهـ.
وَبِمَا تَقَرَّرَ انْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مِنْ قِسْمِ الْأَفْعَالِ وَالرَّفْعُ مِنْ قِسْمِهَا فَلَا تُعْرَفُ بِهِ وَبِأَنَّ مَا لَا يَرْفَعُ حَدَثًا وَلَا نَجِسًا لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا يَرْفَعُهُمَا وَبِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَشْمَلُ الطَّهَارَةَ بِمَعْنَى الزَّوَالِ وَوَجْهُ انْدِفَاعِ هَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَايَاتِيُّ أَنَّ التَّعْرِيفَ بِاعْتِبَارِ وَضْعٍ لَا يُعْتَرَضُ بِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ إفْرَادُ وَضْعٍ آخَرَ ش.
1 / 4
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: ١١] عَدَلَ إلَيْهِ عَنْ قَوْلِ الْأَصْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: ٤٨] لِمَا قِيلَ أَنَّهُ أَصْرَحُ مِنْهُ دَلَالَةً (الْمُطَهِّرُ لِلْحَدَثِ)، وَهُوَ هُنَا أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ (وَالْخَبَثُ)، وَهُوَ مُسْتَقْذَرٌ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ (الْمَاءُ الْمُطْلَقُ) أَيْ لَا غَيْرَهُ مِنْ تُرَابِ تَيَمُّمٍ، وَحَجَرِ اسْتِنْجَاءٍ، وَأَدْوِيَةِ دِبَاغٍ، وَشَمْسٍ، وَرِيحٍ، وَنَارٍ، وَغَيْرِهَا حَتَّى التُّرَابَ فِي غَسَلَاتِ الْكَلْبِ فَإِنَّ الْمُزِيلَ هُوَ الْمَاءُ بِشَرْطِ امْتِزَاجِهِ بِالتُّرَابِ فِي غَسْلِهِ مِنْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ فَالْجُمْلَةُ مُفِيدَةٌ لِلْحَصْرِ بِتَعْرِيفِ طَرَفَيْهَا، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ [النساء: ٤٣]، وَقَوْلُهُ ﷺ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ حِينَ بَالَ الْأَعْرَابِيُّ فِي الْمَسْجِدِ «صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ»، وَالذَّنُوبُ الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً.
وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَوْ رَفَعَ غَيْرَ الْمَاءِ لَمْ يَجِبْ التَّيَمُّمُ عِنْدَ فَقْدِهِ، وَلَا غَسْلُ الْبَوْلِ بِهِ، وَلَا يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ لِأَنَّ اخْتِصَاصَ الطُّهْرِ بِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ تَعَبُّدٌ، وَعِنْدَ غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقَّةِ، وَاللَّطَافَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، وَحَذَفَ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ مِنْ الْمَائِعَاتِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَإِنْ قُلْت بَلْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِخْرَاجِ التُّرَابِ فَإِنَّهُ مُطَهِّرٌ، وَلَيْسَ بِمَاءٍ قُلْت مُسَلَّمٌ أَنَّهُ مُطَهِّرٌ لَكِنَّهُ مُطَهِّرٌ لِلْحَدَثِ لَا لِلْخَبَثِ، وَالْكَلَامُ فِي الْمُطَهِّرِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ أَنَّ كَلَامَنَا فِي الرَّافِعِ لَا فِي الْمُبِيحِ فَقَطْ، وَلِهَذَا عَبَّرَ الْمُحَرَّرُ بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ رَفْعُ حَدَثٍ، وَلَا إزَالَةُ نَجِسٍ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَالْمِنْهَاجُ بِقَوْلِهِ يُشْتَرَطُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ، وَالنَّجَسِ مَاءٌ مُطْلَقٌ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرُوا عَلَى رَفْعِهِمَا لِأَنَّهُمَا الْأَصْلُ، وَإِلَّا فَالطَّهَارَةُ الْمَسْنُونَةُ مَثَلًا كَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ (وَهُوَ الْعَارِي عَنْ إضَافَةٍ لَازِمَةٍ) أَيْ قَيْدٍ لَازِمٍ فَخَرَجَ الْمُقَيَّدُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ أَقَيَّدَ بِإِضَافَةٍ نَحْوِيَّةٍ كَمَاءِ الْوَرْدِ أَمْ بِصِفَةٍ كَمَاءٍ دَافِقٍ أَيْ مَنِيٍّ أَمْ فَاللَّامُ عَهْدٍ كَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» أَيْ الْمَنِيَّ، وَأَوْرَدَ عَلَى التَّعْرِيفِ الْمُتَغَيِّرِ كَثِيرًا بِمَا لَا يُؤَثِّرُ كَطِينٍ، وَطُحْلُبٍ فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ عَمَّا ذُكِرَ، وَأُجِيبَ بِمَنْعٍ أَنَّهُ مُطْلَقٌ.
وَإِنَّمَا أَعْطَى حُكْمَهُ فِي جَوَازِ التَّطْهِيرِ بِهِ لِلضَّرُورَةِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ غَيْرِ الْمُطْلَقِ عَلَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ أَهْلُ اللِّسَانِ وَالْعُرْفِ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ إيقَاعِ اسْمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ لَا إيرَادَ أَصْلًا (وَلَوْ) كَانَ الْعَارِي عَمَّا ذُكِرَ (مَاءً يَنْعَقِدُ بِجَوْهَرِهِ) أَوْ بِغَيْرِهِ الْمَفْهُومِ بِالْأَوْلَى كَسَبُوخَةِ الْأَرْضِ (مِلْحًا) لِأَنَّ اسْمَ الْمَاءِ يَتَنَاوَلُهُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ تَغَيَّرَ بَعْدُ (أَوْ) كَانَ (بُخَارُهُ) أَيْ رَشْحُ بُخَارِ الْمَاءِ الْمَغْلِيِّ لِأَنَّهُ مَاءٌ حَقِيقَةً، وَيَنْقُصُ مِنْهُ بِقَدْرِهِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ تَلْوِيحًا فِي الرَّوْضَةِ، وَصَرِيحًا فِي غَيْرِهَا، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الرُّويَانِيِّ ثُمَّ قَالَ، وَنَازَعَ فِيهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ، وَقَالُوا يُسَمَّى بُخَارًا أَوْ رَشْحًا لَا مَاءً عَلَى الْإِطْلَاقِ (لَا قَلِيلُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْمُطْلَقِ أَوْ الْعَارِي أَيْ لَا مَاءٍ قَلِيلٌ (مُسْتَعْمَلٌ فِي فَرْضٍ) مِنْ رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ فَلَا يُطَهِّرُ شَيْئًا لِانْتِقَالِ الْمَنْعِ إلَيْهِ، وَلِأَنَّ السَّلَفَ لَمْ يَجْمَعُوهُ فِي أَسْفَارِهِمْ لِاسْتِعْمَالِهِ ثَانِيًا مَعَ احْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ، وَعَدَمِ اسْتِقْذَارِهِ فِي الطَّهَارَةِ بَلْ عَدَلُوا إلَى التَّيَمُّمِ فَإِنْ قُلْت طَهُورٌ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ بِوَزْنِ فَعُولٌ فَيَقْتَضِي تَكَرُّرِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ قُلْت فَعُولٌ يَأْتِي اسْمًا لِلْآلَةِ كَسَحُورٍ لِمَا يُتَسَحَّرُ بِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ طَهُورًا كَذَلِكَ، وَلَوْ سَلَّمَ اقْتِضَاؤُهُ التَّكَرُّرَ فَالْمُرَادُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ ثُبُوتُ ذَلِكَ لِجِنْسِ الْمَاءِ، وَفِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَمُرُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُطَهِّرُ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ.
وَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَثِمَ بِتَرْكِهِ أَمْ لَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ مِنْ حَنَفِيٍّ بِلَا نِيَّةٍ، وَصَبِيٍّ) إذْ لَا بُدَّ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِمَا مِنْ الْوُضُوءِ، وَالْأَوَّلُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ دُونَ الثَّانِي، وَلَا أَثَرَ لِاعْتِقَادِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَاءَ الْحَنَفِيِّ فِيمَا ذُكِرَ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا بِخِلَافِ اقْتِدَائِهِ بِحَنَفِيٍّ مَسَّ فَرْجَهُ حَيْثُ لَا يَصِحُّ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ لِأَنَّ الرَّابِطَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الِاقْتِدَاءِ دُونَ الطَّهَارَاتِ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِالِاسْتِعْمَالِ قَدْ يُوجَدُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ كَمَا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَغُسْلِ الْمَجْنُونَةِ، وَالْمُمْتَنِعَةِ مِنْ الْغُسْلِ بِخِلَافِ الِاقْتِدَاءِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ، وَنِيَّةُ الْإِمَامِ فِيمَا ذُكِرَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي ظَنِّ الْمَأْمُومِ ثُمَّ الْمُسْتَعْمَلُ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ عَلَى مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَحْقِيقِهِ، وَغَيْرِهِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالرَّوْضَةِ، وَمُطْلَقٌ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الفرقان: ٤٨] إلَخْ) السَّمَاءُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَرْضِ (قَوْلُهُ لِمَا قِيلَ أَنَّهُ أَصْرَحُ مِنْهُ دَلَالَةً) لَكِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الطَّهُورَ غَيْرُ الطَّاهِرِ لِأَنَّهُ سِيقَ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَمْتَنُّ بِنَجِسٍ فَيَكُونُ الطَّهُورُ غَيْرُ الطَّاهِرِ وَإِلَّا لَزِمَ التَّأْكِيدُ وَالتَّأْسِيسُ خَيْرٌ مِنْهُ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الدَّلِيلَ عَلَى الْمَدْلُولِ وَإِنْ كَانَتْ رُتْبَتُهُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ لِأَنَّ الدَّلِيلَ إذَا كَانَ قَاعِدَةً كُلِّيَّةً مُنْطَبِقَةً عَلَى غَالِبِ مَسَائِلِ الْبَابِ كَانَ تَقْدِيمُهُ أَوْلَى.
(قَوْلُهُ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ) الْمَاءُ جَوْهَرٌ سَيَّالٌ مُرَطِّبٌ مُسَكِّنٌ لِلْعَطَشِ (قَوْلُهُ ذُنُوبًا مِنْ مَاءٍ) تَعَقَّبْ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَبِأَنَّهُ يَخْرُجُ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي الِاسْتِعْمَالِ لَا الشَّرْطِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ صِفَةَ الْإِطْلَاقِ لَازِمَةٌ لِلَفْظِ الْمَاءِ مَا لَمْ يُقَيَّدْ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَا حِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمَاءُ الْمَأْمُورُ بِهِ مَاءً مُطْلَقًا دَائِمًا فَحِينَئِذٍ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْأَمْرِ إلَّا بِامْتِثَالِ مَا أُمِرَ بِهِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى الْمَاءِ وَذَلِكَ إمَّا تَعَبُّدٌ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَوْ يُعْقَلُ كَمَا اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَهُوَ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقَّةِ وَاللَّطَافَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ (قَوْلُهُ قَالَ أَهْلُ اللِّسَانِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ بُخَارَهُ) قَالَ فِي الْهَادِي وَلَا يَجُوزُ رَفْعُ حَدَثٍ وَلَا إزَالَةُ نَجَسٍ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ أَوْ بُخَارِ الْمُطْلَقِ (قَوْلُهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي فَرْضٍ إلَخْ) وَأُورِدَ عَلَى ضَابِطِ الْمُسْتَعْمَلِ مَا غُسِلَ بِهِ الرِّجْلَانِ بَعْدَ مَسْحِ الْخُفِّ، وَمَا غُسِلَ بِهِ الْوَجْهُ قَبْلَ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ، وَمَا غُسِلَ بِهِ الْخَبَثُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ فَإِنَّهَا لَا تَرْفَعُ مَعَ أَنَّهَا لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي فَرْضٍ، وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَنْعِ عَدَمِ رَفْعِهِ لِأَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْبَغَوِيِّ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي فَرْضٍ وَهُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ الْمُسْتَفَادِ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي فَرْضٍ أَصَالَةً ش.
(قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ حَنَفِيٍّ بِلَا نِيَّةٍ وَصَبِيٍّ) وَبَالِغٍ لِصَلَاةِ النَّفْلِ وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ بِتَرْكِ النَّفْلِ (قَوْلُهُ وَغُسْلُ الْمَجْنُونَةِ إلَخْ) وَغُسْلُ الذِّمِّيَّةِ فَإِنَّ نِيَّتَهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ بِدَلِيلِ وُجُوبِ إعَادَةِ الْغُسْلِ (قَوْلُهُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالرَّوْضَةِ) فَلَا يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً وَلَا يَقَعُ شِرَاؤُهُ لِمَنْ وُكِّلَ فِي شِرَاءِ مَاءٍ
1 / 5
الْأَكْثَرِينَ لَكِنْ مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ تَعَبُّدًا فَهُوَ عَلَى هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ الْمُطْلَقِ كَمَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ الْقَلِيلُ الْمُتَنَجِّسُ بِوُصُولِ نَجَسٍ.
(وَغَسْلٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى حَنَفِيٍّ أَيْ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَعْمَلُ مِنْ طَهَارَةِ حَنَفِيٍّ بِلَا نِيَّةٍ، وَمِنْ غَسْلٍ (بَدَلَ مَسْحٍ) كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ فِي طَهَارَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ حَاجَتِهِ، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِمَا جَزَمَ بِهِ الْبَارِزِيُّ مِنْ غَسْلِ الْخُفِّ، وَالْجَبِيرَةِ بَدَلَ مَسْحِهِمَا فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بَدَلَ مَسْحِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ (أَوْ غُسْلِ مَيِّتٍ) مِنْ زِيَادَتِهِ عِطْفه بَاءَ، وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ نَوْعٌ آخَرُ لِأَنَّ وُجُوبَهُ لَيْسَ لِلْحَدَثِ بَلْ لِلْمَوْتِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، وَمَا بَعْدَهُ (وَ) غُسْلِ (كَافِرَةٍ) بِقَصْدِ حِلِّهَا (لِمُسْلِمٍ) زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا تَمْكِينُهُ، وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِغُسْلِهَا فَيَجِبُ، وَلَوْ عَبَّرَ كَالرَّوْضَةِ بِالْكِتَابِيَّةِ كَانَ أَوْلَى لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ مَا سِوَاهَا مِنْ الْكَافِرَاتِ حَرَامٌ، وَكَالْمُسْلِمِ الْكَافِرِ فِيمَا يَظْهَرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِالْفُرُوعِ، وَهِيَ مُكَلَّفَةٌ بِالْغُسْلِ لَهُ كَالْمُسْلِمَةِ ثُمَّ تَرَجَّحَ عِنْدِي خِلَافَ ذَلِكَ عَمَلًا بِتَقْيِيدِهِمْ الْحُكْمَ بِالْمُسْلِمِ لِأَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّخْفِيفِ عَلَيْهِ، وَالْكَافِرُ لَا يَسْتَحِقُّهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهَا بِأَنْ يُسْلِمَ (وَ) غُسْلِ (مَجْنُونَةٍ) بِأَنْ غُسِلَتْ بِقَصْدِ حِلِّهَا (لِزَوْجٍ) أَوْ سَيِّدٍ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ.
وَلَوْ قَالَ كَمَا فِي الَّتِي قَبِلَهَا الْمُسْلِمُ كَانَ أَنْسَبَ (لَا) مُسْتَعْمَلَ (فِي نَفْلٍ) فَإِنَّهُ طَهُورٌ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ فِي فَرْضٍ، وَلَك أَنْ تَقُولَ شَرْطُ الْعَطْفِ بِلَا أَنْ يُسْبَقَ بِإِيجَابٍ أَوْ أَمْرٍ أَوْ نِدَاءٍ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا (و) لَا فِي (تَجْدِيدٍ) هَذَا دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ فَلَوْ قَالَ كَتَجْدِيدٍ كَانَ أَوْلَى. (فَإِنْ جَمَعَ) الْمُسْتَعْمَلَ فَبَلَغَ (قُلَّتَيْنِ صَارَ طَهُورًا) لِخَبَرِهِمَا الْآتِي، وَكَمَا لَوْ جَمَعَ الْمُتَنَجِّسَ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بَلْ أَوْلَى، وَطَهُورٌ بِفَتْحِ الطَّاءِ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَبِضَمِّهَا الْفِعْلُ، وَقِيلَ بِفَتْحِهَا فِيهِمَا، وَقِيلَ بِضَمِّهَا فِيهِمَا.
(وَلَوْ نَوَى)، وَفِي نُسْخَةٍ، وَإِنْ (نَوَى جُنُبٌ) رَفْعَ حَدَثِهِ الْأَكْبَرِ (وَلَوْ قَبْلَ تَمَامُ الِانْغِمَاسِ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَجْزَأَهُ) الْغُسْلُ بِهِ (فِي ذَلِكَ الْحَدَثِ) لَا فِي غَيْرِهِ (فَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ) مَثَلًا مِنْ الْجَنَابَةِ (ثُمَّ تَمَّمَ الِانْغِمَاسَ لَزِمَهُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ لِلْوُضُوءِ بِالنِّيَّةِ) بِمَاءٍ آخَرَ، وَلَا يُجْزِئُهُ مَا انْغَمَسَ فِيهِ، وَهَذَا مَا بَحَثَهُ الْأَصْلُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَذِهِ الصُّورَةِ، وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَيْضًا، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ كَمَا قَالَ الْأَصْلُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْخُوَارِزْمِيّ.
وَأَمَّا الْبَحْثُ فَجَوَابُهُ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ صُورَةَ الِاسْتِعْمَالِ بَاقِيَةٌ إلَى الِانْفِصَالِ، وَالْمَاءُ فِي حَالِ اسْتِعْمَالِهِ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ خَبَثٌ بِمَحِلَّيْنِ فَمَرَّ الْمَاءُ بِأَعْلَاهُمَا ثُمَّ بِأَسْفَلِهِمَا طَهُرَا مَعًا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ (وَإِنْ نَوَى جُنُبَانِ مَعًا بَعْدَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ (طَهُرَا أَوْ) نَوَيَا (مُرَتَّبًا)، وَلَوْ قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ (فَالْأَوَّلُ) طَهُرَ دُونَ الثَّانِي لِأَنَّ الْمَاءَ صَارَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ مُسْتَعْمَلًا (أَوْ) نَوَيَا (مَعًا فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ الِانْغِمَاسِ (لَمْ يَرْتَفِعْ) حَدَثُهُمَا (عَنْ بَاقِيهِمَا) لِأَنَّ مَاءَ كُلٍّ مِنْهُمَا صَارَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ مُسْتَعْمَلًا، وَلَوْ شَكَّا فِي الْمَعِيَّةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا يَطْهُرَانِ لِأَنَّا لَا نَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ بِالشَّكِّ، وَسَلْبُهَا فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا فَقَطْ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ.
(وَ) الْمَاءُ (الْمُتَرَدِّدُ عَلَى عُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ و) عَلَى (الْمُتَنَجِّسِ، وَبَدَنِ الْجُنُبِ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَهُورٌ) لِلْحَاجَةِ إلَى تَطْهِيرِ الْبَاقِي، وَعَسُرَ إفْرَادُ كُلِّ جُزْءٍ بِمَاءٍ جَدِيدٍ، وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي مَعَ أَنَّهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَبَدَنُ الْجُنُبِ (فَإِنْ جَرَى الْمَاءُ مِنْ عُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ إلَى عُضْوِهِ) الْآخَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَأَنْ جَاوَزَ مَنْكِبَهُ (أَوْ تَقَاطَرَ) مِنْ عُضْوٍ (وَلَوْ مِنْ) عُضْوِ (بَدَنِ الْجُنُبِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا) لِانْفِصَالِهِ عَنْ الْعُضْوِ سَوَاءٌ أَتَقَاطَرَ عَلَى عُضْوٍ آخَرَ أَمْ لَا، وَالتَّرْجِيحُ فِي مَسْأَلَةِ الْجُنُبِ مَعَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ فِي طَهَارَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ حَاجَتِهِ) ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا قَاعِدَةً وَهِيَ أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْوَاجِبِ إذَا كَانَ فِي ضِمْنِ مَا يُؤَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ لَهُ حُكْمُ الْوَاجِبِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمِنْهُ تَطْوِيلُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَبَعِيرُ الزَّكَاةِ عَمَّا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ (قَوْلُهُ وَكَالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ فِيمَا يَظْهَرُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ تَرَجَّحَ عِنْدِي خِلَافُ ذَلِكَ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَوْنَ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ مُسْلِمًا لَيْسَ بِقَيْدٍ لِلصِّحَّةِ بَلْ الْخَلِيَّةُ لَوْ نَوَتْ الْغُسْلَ مِنْ الْحَيْضِ صَحَّ فِي حَقِّ مَا يَطْرَأُ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلَا فِي تَجْدِيدٍ) مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ إنْ كَانَ النَّفَلُ لِأَجْلِ الْحَدَثِ كَالتَّجْدِيدِ وَالثَّانِيَةِ فَمُسْتَعْمَلٌ أَوَّلًا كَالْغُسْلِ الْمَسْنُونِ فَلَا.
(قَوْلُهُ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْخُوَارِزْمِيّ) وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ حَدَثًا آخَرَ فِي حَالِ انْغِمَاسِهِ جَازَ وَصَوَّبَهُ قَالَ الشَّارِحُ فِي حَاشِيَتِهِ ذِكْرُ الِانْغِمَاسِ مِثَالٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أَحْدَثَ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْهُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْخُوَارِزْمِيَّ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كَافِيهِ لَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ ثُمَّ انْغَمَسَ فِيهِ ثَانِيًا صَحَّ طَهَارَتُهُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ نَحْوَهُ (قَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا لَوْ كَانَ بِهِ خَبَثٌ بِمَحِلَّيْنِ إلَخْ)، وَفِي الْمَجْمُوعِ لَوْ نَزَلَ الْمَاءُ مِنْ الْجُنُبِ إلَى مَحَلِّ الْخَبَثِ وَقُلْنَا مُسْتَعْمَلُ الْحَدَثِ لَا يُزِيلُ الْخُبْثَ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَفِي طُهْرِهِ وَجْهَانِ. اهـ. وَنَقَلَهُمَا مَعَ تَصْحِيحِ الطُّهْرِ الْبَغَوِيّ عَنْ الْقَاضِي وَصَحَّحَ مِنْ عِنْدِهِ مُقَابِلَهُ وَمَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَوْجَهُ ش (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَاءَ كُلٍّ مِنْهُمَا صَارَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ مُسْتَعْمَلًا) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ حَكَمْتُمْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بِكَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا كُلَّهُ مَعَ أَنَّ الَّذِي لَاقَى الْبَدَنَ شَيْءٌ يَسِيرٌ وَقَدْ يُفْرَضْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ أَنَّهُ لَوْ قَدَّرَ مُخَالِفُونَ بَاقِي الْمَاءِ لَمَا غَيَّرَهُ فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ إذَا نَزَلَ فِيهِ فَقَدْ اتَّصَلَ بِهِ جَمِيعُ الْمَاءِ وَلَمْ يَخْتَصَّ الِاسْتِعْمَالُ بِمُلَاقِي الْبَشَرَةِ لَا اسْمًا وَلَا إطْلَاقًا.
م (قَوْلُهُ فَإِنْ جَرَى الْمَاءُ مِنْ عُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ إلَى عُضْوِهِ الْآخَرِ إلَخْ) هَذَا كُلُّهُ فِي الِانْتِقَالِ النَّادِرِ أَمَّا التَّقَاذُفُ الَّذِي يُعَابُ فِي الْمَاءِ كَالْحَاصِلِ عِنْدَ نَقْلِهِ مِنْ الْكَفِّ إلَى السَّاعِدِ وَرَدَّهُ مِنْ السَّاعِدِ إلَى الْكَفِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ أَبْوَابِ التَّيَمُّمِ ج.
(قَوْلُهُ أَوْ تَقَاطَرَ مِنْ عُضْوٍ إلَخْ) تَقَاطُرًا لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا كَأَنْ شَبَّ مِنْ الرَّأْسِ إلَى الْبَطْنِ وَخَرَقَ الْهَوَاءَ. (قَوْلُهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا)
1 / 6
التَّصْرِيحِ بِحُكْمِ التَّقَاطُرِ فِي غَيْرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ.
(وَلَوْ غَرَفَ بِكَفِّهِ جُنُبٌ نَوَى) رَفْعَ الْجَنَابَةِ (أَوْ مُحْدِثٌ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ) أَيْ الْغَسْلَةِ الْأُولَى كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ لِصِحَّةِ غَسْلِ الْيَدِ حِينَئِذٍ أَوْ الْغَسَلَاتِ الثَّلَاثِ كَمَا قَالَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَمَلًا بِالْعَادَةِ مِنْ أَنَّ الْيَدَ تَدْخُلُ فِي الْإِنَاءِ لِلِاغْتِرَافِ دُونَ تَطْهِيرِهَا فِي نَفْسِهَا، وَهُوَ الْأَوْجَهُ (مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ، وَلَمْ يَنْوِ الِاغْتِرَافَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا) بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَاهُ (فَلَوْ غَسَلَ بِمَا فِي كَفِّهِ) قَبْلَ انْفِصَالِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ (بَاقِيَ يَدِهِ لَا غَيْرِهَا أَجْزَأَهُ) التَّصْرِيحُ بِهَذَا، وَبِقَوْلِهِ قَلِيلٌ مِنْ زِيَادَتِهِ.
وَقَوْلُ الْجُوَيْنِيِّ فِي تَبْصِرَتِهِ إذَا نَوَى بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ، وَالْمَاءُ بِكَفِّهِ ثُمَّ غَسَلَ بِهِ سَاعِدَهُ ارْتَفَعَ حَدَثُ كَفِّهِ دُونَ حَدَثِ سَاعِدِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا انْفَصَلَ الْمَاءُ عَنْهَا، وَالْأَخْذُ بِهَذَا التَّفْصِيلِ أَوْجَهُ مِنْ الْأَخْذِ بِإِطْلَاقِ التَّبْصِرَةِ، وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَهَا، وَقَدْ اسْتَفَدْنَا مِنْهُ أَنَّ انْفِصَالَ الْعُضْوِ مَعَ الْمَاءِ يَقْتَضِي الْحُكْمَ عَلَى الْمَاءِ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مُتَّصِلًا بِالْعُضْوِ فَتَفَطَّنَ لِهَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهَا مُقَيَّدَةٌ لِإِطْلَاقِهِمْ انْتَهَى، وَقَدْ يُؤَيِّدُ التَّفْصِيلُ قَوْلَ الْمَجْمُوعِ فِيمَا لَوْ نَزَلَ الْجُنُبُ فِي الْمَاءِ، وَنَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ أَمَّا لَوْ اغْتَرَفَ الْمَاءَ بِإِنَاءٍ أَوْ يَدِهِ، وَصَبَّهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا تَرْتَفِعُ جَنَابَةُ ذَلِكَ الْقَدْرِ الَّذِي اغْتَرَفَ لَهُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ أَوْضَحُ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ انْتَهَى
(فَصْلٌ) الْمَاءُ (الْمُتَغَيِّرُ طَعْمًا أَوْ لَوْنًا أَوْ رِيحًا بِمُخَالَطَةِ طَاهِرٍ يُسْتَغْنَى) الْمَاءُ (عَنْهُ كَالْمَنِيِّ)، وَالزَّعْفَرَانِ (تَغَيُّرًا يَمْنَعُهُ الْإِطْلَاقَ) أَيْ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ (غَيْرُ طَهُورٍ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطْلَقٍ (وَ) لِهَذَا (لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ) الْحَالِفُ عَلَى أَنْ لَا يَشْرَبَ مَاءً (فَلَوْ لَمْ يُغَيِّرْهُ) الطَّاهِرُ الْمَذْكُورُ (لِمُوَافَقَتِهِ الْمَاءَ) فِي صِفَاتِهِ كَمَاءِ الْوَرْدِ الْمُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ (فَرَضْنَاهُ مُخَالِفًا) لَهُ فِيهَا لِأَنَّهُ لِمُوَافَقَتِهِ لَا يُغَيَّرُ فَاعْتُبِرَ بِغَيْرِهِ كَالْحُكُومَةِ (وَسَطًا) فِي الصِّفَاتِ كَلَوْنِ الْعَصِيرِ، وَطَعْمِ الرُّمَّانِ، وَرِيحِ الْأُذُن فَلَا يُقَدَّرُ بِالْأَشَدِّ كَلَوْنِ الْحِبْرِ، وَطَعْمِ الْخَلِّ، وَرِيحِ الْمِسْكِ بِخِلَافِ الْخَبَثِ كَمَا يَأْتِي لَفْظُهُ (فَلَوْ لَمْ يُؤَثِّرْ) فِيهِ الْخَلِيطُ حِسًّا أَوْ فَرْضًا (اسْتَعْمَلَهُ كُلَّهُ)، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ اسْتَهْلَكَتْ النَّجَاسَةُ الْمَائِعَةُ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (وَ) إذَا لَمْ يَكْفِهِ الْمَاءُ، وَحْدَهُ، وَلَوْ كَمَّلَهُ بِمَائِعٍ يَسْتَهْلِكُ فِيهِ لَكَفَاهُ (وَجَبَ تَكْمِيلُ الْمَاءِ بِهِ إنْ سَاوَى) قِيمَتُهُ (قِيمَةَ مَاءٍ مِثْلَهُ) أَوْ نَقَصَتْ عَنْهَا كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ عَلَى قِيمَةِ مَاءٍ مِثْلِهِ لَشَمِلَهُ مَنْطُوقًا كَمَا شَمِلَهُ كَذَلِكَ تَعْبِيرُ أَصْلِهِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَزِيدَ قِيمَةُ الْمَائِعِ عَلَى ثَمَنِ مَاءِ الطَّهَارَةِ، وَتَعْبِيرُهُ بِقِيمَةِ مَاءٍ مِثْلُهُ أَيْ، وَهُوَ مَا عَجَزَ عَنْهُ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِثَمَنِ مَاءِ الطَّهَارَةِ
(، وَيُفْرَضُ فِي النَّجَاسَةِ) الْمُوَافِقَةِ لِلْمَاءِ فِي الصِّفَاتِ (الْأَشَدِّ) فِيهَا لِمَا مَرَّ (وَ) الْمَاءِ (الْمُسْتَعْمَلِ كَمَائِعٍ) فِي أَنَّهُ يُفْرَضُ مُخَالِفًا لِلْمَاءِ فِي صِفَاتِهِ، وَسَطًا (لَا فِي تَكْثِيرِ الْمَاءِ) فَلَوْ ضَمَّهُ إلَى مَاءٍ قَلِيلٍ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ صَارَ طَهُورًا، وَإِنْ أَثَّرَ فِي الْمَاءِ بِفَرْضِهِ مُخَالِفًا، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ مَعَ أَنَّهُ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ كَأَصْلِهِ فِيمَا مَرَّ فَإِنْ جَمَعَ قُلَّتَيْنِ صَارَ طَهُورًا (، وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرٌ يَسِيرٌ) بِطَاهِرٍ، وَلَوْ مُخَالِطًا لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عَنْهُ، وَلِبَقَاءِ إطْلَاقِ الِاسْمِ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ تَغَيَّرَ بِهِ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا نَعَمْ لَوْ تَغَيَّرَ كَثِيرًا ثُمَّ زَالَ بَعْضُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ ثُمَّ شَكَّ فِي أَنَّ التَّغَيُّرَ الْآنَ يَسِيرٌ أَوْ كَثِيرٌ لَمْ يَطْهُرْ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْحَالَيْنِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ
(وَلَا) يَضُرُّ تَغَيُّرٌ (كَثِيرٌ بِمُجَاوِرِهِ) أَيْ الْمَاءِ (كَعُودٍ، وَدُهْنٍ)، وَلَوْ مُطَيَّبَيْنِ (وَكَافُورٍ صَلْبٍ) لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ تَرَوُّحًا
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
وَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِانْتِقَالِهِ إلَى مَوْضِعِ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِمَا كَفَوْقِ الرُّكْبَةِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا.
د (قَوْلُهُ أَيْ الْغَسْلَةِ الْأُولَى عَلَى مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ) أَيْ كَابْنِ النَّقِيبِ وَالْبِرْمَاوِيِّ (قَوْلُهُ كَمَا قَالَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ) كَأَبِي شُكَيْلٍ وَالسَّبْتِيِّ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْوِ الِاغْتِرَافَ إلَخْ) لِوُجُوبِ نِيَّةِ الِاغْتِرَافِ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ «لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَقِيلَ كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَبَيَّنَ أَنَّ النَّهْيَ لِأَجْلِ إفْسَادِ الْمَاءِ بِالِاسْتِعْمَالِ وَأَنَّ الْمُلَخَّصَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقْصِدَ نَقْلَ الْمَاءِ مِنْهُ وَالْغَسْلُ بِهِ خَارِجَ الْإِنَاءِ، وَكَذَلِكَ أَحَادِيثُ النَّهْيِ عَنْ إدْخَالِ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا فَإِنَّ الْغَسْلَ إنْ كَانَ لِنَجَاسَةٍ فَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ بِالْوَارِدِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِحَدَثٍ تَوَجَّهَ النَّهْيُ لِفَسَادِ الْمَاءِ بِغُسْلِ الْيَدَيْنِ فِيهِ مِنْ الْحَدَثِ كَمَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الِاغْتِسَالِ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَكَذَلِكَ أَحَادِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْوُضُوءِ بِفَضْلِ وُضُوءِ الْمَرْأَةِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ غَسَلَ بِمَا فِي كَفِّهِ بَاقِيَ يَدِهِ لَا غَيْرِهَا أَجْزَأَهُ) جَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الْعِمَادِ وَغَيْرُهُمَا. (قَوْلُهُ وَقَوْلُ الْجُوَيْنِيِّ فِي تَبْصِرَتِهِ إلَخْ) مَا فِي التَّبْصِرَةِ مُفَرَّعٌ عَلَى رَأْيِ مُؤَلِّفِهَا وَهُوَ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا نَوَى بَعْدَ انْغِمَاسِ بَعْضِهِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى بَاقِيهِ.
[فَصْلٌ الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ]
(قَوْلُهُ فَصْلٌ الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ طَعْمًا أَوْ لَوْنًا أَوْ رِيحًا إلَخْ) سَوَاءٌ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ. (قَوْلُهُ غَيْرُ طَهُورٍ) قَدْ يَشْمَلُ مَسْأَلَةَ ابْنِ أَبِي الصَّيْفِ وَهِيَ مَا لَوْ طَرَحَ مَاءً مُتَغَيِّرًا بِمَا فِي مَقَرِّهِ أَوْ مَمَرِّهِ عَلَى مَاءٍ غَيْرِ مُتَغَيِّرٍ فَتَغَيَّرَ بِهِ سَلَبَهُ الطَّهُورِيَّةَ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ، وَمِنْ ثَمَّ أَلْغَزَ بِهِ فَقِيلَ لَنَا مَاءَانِ يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهِمَا انْفِرَادًا لَا اجْتِمَاعًا. (قَوْلُهُ وَجَبَ تَكْمِيلُ الْمَاءِ بِهِ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ إنَّ تَقْيِيدَ لُزُومِ التَّكْمِيلِ بِمَا إذَا كَانَ يَكْفِيهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ النَّاقِصَ عَنْ الْكِفَايَةِ يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ.
(قَوْلُهُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرُ مَا لَوْ جَمَعَ الْمَاءَ شَيْئًا فَشَيْئًا وَوَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَشَكَّ فِي بُلُوغِهِ قُلَّتَيْنِ، وَمَا لَوْ جَاءَ مِنْ قُدَّامِ الْإِمَامِ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ وَشَكَّ فِي تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِيهِمَا فَتَكُونُ مَسْأَلَتُنَا كَذَلِكَ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ تَرَوُّحًا إلَخْ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي مُجَاوِرٍ لَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ مُخَالِطٌ فَإِنْ انْفَصَلَ مِنْهُ مُخَالِطٌ كَعُودِ الْقَرْعِ وَكَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهِمَا سُلِبَ الطَّهُورِيَّةَ وَمِنْهُ الْكَتَّانُ إذَا وُضِعَ فِي الْمَاءِ أَيَّامًا فَإِنَّ صُفْرَتَهُ تَنْحَلُّ وَتَخْرُجُ فِي الْمَاءِ فَيَصِيرُ أَسْوَدَ مُنْتِنًا وَقَدْ وَهِمَ مَنْ ادَّعَى طَهُورِيَّتَهُ وَقَالَ إنَّهُ تَغَيَّرَ بِمُجَاوِرٍ وَقَوْلُهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَضَابِطُ الْكَثِيرِ هُوَ الْمُزِيلُ لِلِاسْمِ غَلَطٌ فَاحِشٌ فَإِنَّ التَّغَيُّرَ بِمَا لَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ لَيْسَ بِمُزِيلٍ لِلِاسْمِ شَرْعًا بَلْ وَلَا عُرْفًا وَلَا سِيَّمَا إذَا تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ فَقَطْ
1 / 7
لَا يَمْنَعُ إطْلَاقَ الِاسْمِ عَلَيْهِ، وَالْمُجَاوِرُ مَا يَتَمَيَّزُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ، وَقِيلَ مَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ بِخِلَافِ الْخَلِيطِ فِيهِمَا، وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ (وَلَا بِمَكْثٍ) بِتَثْلِيثِ مِيمِهِ مَعَ إسْكَانِ كَافِهِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ، وَبِفَتْحِهِمَا (وَلَا بِمَا لَا يُسْتَغْنَى) الْمَاءُ (عَنْهُ فِي مَمَرِّهِ، وَمَقَرِّهِ كَطُحْلُبٍ) بِضَمِّ الطَّاءِ مَعَ ضَمِّ اللَّامِ، وَبِفَتْحِهَا شَيْءٌ أَخْضَرُ يَعْلُو الْمَاءَ مِنْ طُولِ الْمَكْثِ (وَنَوْرَةٍ لَمْ تُطْبَخْ، وَأَوْرَاقِ شَجَرٍ تَنَاثَرَتْ، وَتَفَتَّتَتْ) أَيْ، وَاخْتَلَطَتْ، وَإِنْ كَانَتْ رَبِيعِيَّةً أَوْ بَعِيدَةً عَنْ الْمَاءِ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عَنْ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ لَمْ تُطْبَخْ مُضِرٌّ إذْ الْكَلَامُ فِيمَا لَا يَسْتَغْنِي الْمَاءُ عَنْ الْمُسْتَلْزِمِ لِعَدَمِ طَرْحِهِ فِيهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَطْبُوخَةِ، وَغَيْرِهَا.
أَمَّا الْمَطْرُوحَةُ فَتَضُرُّ بِلَا طَبْخٍ، وَكَذَا بِهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ، وَغَيْرِهَا، وَخَرَجَ بِأَوْرَاقِ الشَّجَرِ ثِمَارُهَا لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهَا غَالِبًا، وَبِقَوْلِهِ تَنَاثَرَتْ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ (لَا إنْ طُرِحَتْ) فَتَضُرُّ لِذَلِكَ، وَبِقَوْلِهِ، وَتَفَتَّتَتْ غَيْرُ الْمُتَفَتِّتَةِ فَلَا تَضُرُّ، وَإِنْ طُرِحَتْ لِأَنَّهَا مُجَاوِرَةٌ، وَعَطْفُهُ أَوْرَاقَ الشَّجَرِ عَلَى مَا قَبْلَهَا يَقْتَضِي أَنَّ عَدَمَ تَأْثِيرِهَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ فِي مَمَرِّ الْمَاءِ، وَمَقَرِّهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ سَالِمَةٌ مِنْ ذَلِكَ (وَكَذَا إنْ تَغَيَّرَ كَثِيرًا بِمِلْحٍ مَائِيٍّ، وَتُرَابٍ مَطْرُوحٍ) فَإِنَّهُ طَهُورٌ، وَلِانْعِقَادِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمَاءِ كَالْجَمْدِ بِخِلَافِ الْمِلْحِ الْجَبَلِيِّ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ بِمَمَرِّ الْمَاءِ، وَمَقَرِّهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمُوَافَقَتِهِ الْمَاءَ فِي الطَّهُورِيَّةِ، وَلِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِهِ مُجَرَّدُ كُدُورَةٍ، وَهِيَ لَا تَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ نَعَمْ إنْ تَغَيَّرَ حَتَّى صَارَ لَا يُسَمَّى إلَّا طِينًا رَطْبًا سَلَبَهَا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَقَوْلُهُ كَثِيرًا مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ، وَتَخْصِيصُهُ الطَّرْحَ بِالتُّرَابِ تَبِعَ فِيهِ الرَّوْضَةِ وَالرَّافِعِيُّ ذَكَرَهُ فِيهِ، وَفِي الْمِلْحِ، وَكَذَا صَنَعَ هُوَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَطْرُوحَيْنِ، وَأَوْلَى مِنْهُ أَنْ يَقُولَ، وَإِنْ طَرْحًا.
(وَكُرِهَ) شَرْعًا (تَنْزِيهًا اسْتِعْمَالُ مُتَشَمِّسٍ) فِي الْبَدَنِ (بِمُنْطَبِعٍ) أَيْ مُطْرَقٍ (مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ) كَالْحَدِيدِ (فِي قُطْرٍ حَارٍّ) كَمَكَّةَ (مَا لَمْ يَبْرُدْ) لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ، وَقَالَ أَنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ، وَلِأَنَّ الشَّمْسَ بِحِدَّتِهَا تَفْصِلُ مِنْهُ زُهُومَةً تَعْلُو الْمَاءَ فَإِذَا لَاقَتْ الْبَدَنَ بِسُخُونَتِهَا خِيفَ مِنْهَا الْبَرَصُ بِخِلَافِ الْمُتَسَخَّنِ بِالنَّارِ لَا يُكْرَهُ كَمَا سَيَأْتِي لِذَهَابِ الزُّهُومَةِ بِهَا لِقُوَّةِ تَأْثِيرِهَا، وَبِخِلَافِ الْمُتَشَمِّسِ بِغَيْرِ الْمُنْطَبِعِ كَالْخَزَفِ، وَالْحِيَاضِ أَوْ بِالْمُنْطَبِعِ مِنْ النَّقْدَيْنِ لِصَفَاءِ جَوْهَرِهِمَا أَوْ بِالْمُنْطَبِعِ مِنْ غَيْرِهِمَا فِي قُطْرٍ بَارِدٍ أَوْ مُعْتَدِلٍ أَوْ قُطْرٍ حَارٍّ لَكِنْ يُرَدُّ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ مِنْ بَقَاءِ الْكَرَاهَةِ بَعْدَ التَّبْرِيدِ، وَتَعْبِيرُهُ بِمُتَشَمِّسٍ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِمُشَمَّسٍ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُتَشَمِّسِ بِنَفْسِهِ، وَالْمُتَشَمِّسِ بِغَيْرِهِ (فَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِ الْبَدَنِ) كَالثَّوْبِ (أَوْ) فِي (مَأْكُولٍ غَيْرِ مَائِعٍ لَمْ يُكْرَهْ) .
وَالثَّانِيَةُ مِنْ زِيَادَتِهِ مَذْكُورَةٌ فِي الْمَجْمُوعِ، وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ لِقَوْلِ الرَّوْضَةِ، وَيَخْتَصُّ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْبَدَنِ، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ يَنْبَغِي فِيهَا الْكَرَاهَةُ لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ الْمُنْفَصِلَةَ مِنْ الْإِنَاءِ تُمَازِجُ الطَّعَامَ فَتُؤَثِّرُ فِي الْبَدَنِ، وَاسْتَحْسَنَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ، وَغَيْرُ الْمَاءِ مِنْ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ كَرَاهَةَ اسْتِعْمَالِهِ فِي بَدَنِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ كَمَا فِي الْحَيَاةِ، وَكَلَامُ الشَّامِلِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ.
(وَلَوْ عَدِمَ غَيْرَهُ اسْتَعْمَلَهُ) وُجُوبًا إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ (وَلَمْ يَتَيَمَّمْ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى مَاءٍ مُطَهِّرٍ (وَوَجَبَ) شِرَاؤُهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمِيَاهِ، وَلِأَنَّ تَحْصِيلَ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ أَوْلَى مِنْ دَفْعِ مَفْسَدَةِ الْمَكْرُوهِ، وَقَوْلُهُ، وَلَوْ عَدِمَ إلَخْ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ كَرَاهَةِ الْمُتَشَمِّسِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ.
(وَ) لَكِنَّ (الْمُخْتَارَ) عِنْدَ النَّوَوِيِّ دَلِيلًا (عَدَمُ الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا) عَنْ شُرُوطِهَا السَّابِقَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي تَنْقِيحِهِ، وَقَالَ فِي مَجْمُوعِهِ إنَّهُ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِلدَّلِيلِ، وَلِنَصِّ الْأُمِّ حَيْثُ قَالَ فِيهَا لَا أَكْرَهُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ أَيْ إنَّمَا أَكْرَهُهُ شَرْعًا حَيْثُ يَقْتَضِي الطِّبُّ مَحْذُورًا فِيهِ، وَأَثَرُ عُمَرَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ، وَجَرَّحُوهُ إلَّا الشَّافِعِيُّ فَوَثَّقَهُ فَثَبَتَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَقِيلَ مَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ) فَالْوَرَقُ الْمَدْقُوقُ خَلِيطٌ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي لِإِمْكَانِ فَصْلِهِ بَعْدَ رُسُوبِهِ وَكَذَلِكَ التُّرَابُ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ ج. (قَوْلُهُ وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ) وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ التَّغَيُّرِ بِطَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ عَلَى الْأَصَحِّ. (قَوْلُهُ لَا يَمْكُثُ إلَخْ) (تَنْبِيهٌ)
لَا يُقَالُ الْمُتَغَيِّرُ كَثِيرًا بِطُولِ الْمُكْثِ أَوْ بِمُجَاوِرٍ أَوْ بِمَا يَعْسُرُ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ غَيْرُ مُطْلَقٍ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ كَمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ كَطُحْلُبٍ إلَخْ) مِثْلُ الطُّحْلُبِ الزِّرْنِيخُ وَحِجَارَةُ النُّورَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْمُحْتَرِقَةُ بِالنَّارِ بَلْ حِجَارَةٌ رَخْوَةٌ فِيهَا خُطُوطٌ إذَا جَرَى عَلَيْهَا الْمَاءُ انْحَلَّتْ فِيهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ هُنَا وَالْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَمْ تُطْبَخْ يُسْتَفَادُ مِنْهُ حُكْمُ الْمَطْبُوخَةِ بِمَفْهُومِ الْأُولَى فَلَيْسَ بِمُضِرٍّ بَلْ هُوَ حَسَنٌ وَأَمَّا وَجْهُ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْمَطْرُوحَةِ إذَا لَمْ تُطْبَخْ أَنَّهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ بِخِلَافِ الْمَطْبُوخَةِ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إنْ تَغَيَّرَ كَثِيرًا بِمِلْحٍ) لَوْ أَخَذَ الْمُتَغَيِّرَ بِذَلِكَ فَصَبَّهُ عَلَى مَاءٍ غَيْرِ مُتَغَيِّرٍ فَإِنَّهُ يَضُرُّ قَالَهُ ابْنُ أَبِي الصَّيْفِ الْيَمَنِيُّ وَلَهُ نَظَائِرُ.
(قَوْلُهُ وَتُرَابٌ مَطْرُوحٌ) وَكَلَامُهُمْ شَامِلٌ لِلتُّرَابِ الْمُسْتَعْمَلِ حَتَّى لَا يُؤَثِّرَ وَهُوَ قَضِيَّةُ الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ وَقَضِيَّةُ الْأُولَى أَنَّهُ يُؤَثِّرُ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ش وَقَوْلُهُ وَكَلَامُهُمْ شَامِلٌ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِهِ مُجَرَّدُ كُدُورَةٍ إلَخْ) وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ فِي نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَلَوْ كَانَ يُسْلَبُ كَمَا أُمِرَ بِهِ لِلتَّطْهِيرِ وَالسِّدْرُ أُمِرَ بِهِ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ لِلتَّنْظِيفِ لَا لِلتَّطْهِيرِ.
(قَوْلُهُ مُتَشَمِّسٌ إلَخْ) وَلَوْ كَثِيرًا. (قَوْلُهُ فِي قُطْرٍ حَارٍّ كَمَكَّةَ) أَيْ فِي الصَّيْفِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ مُخْتَصَّةٌ بِوَقْتِ الْحَرَارَةِ (قَوْلُهُ وَاسْتَحْسَنَهُ الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ) قَالَ كَالْبُلْقِينِيِّ. (قَوْلُهُ وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ كَرَاهَةَ اسْتِعْمَالِهِ إلَخْ) صَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِكَرَاهَةِ غُسْلِ الْمَيِّتِ بِهِ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ كَمَا فِي الْحَيَاةِ) وَفِي الْأَبْرَصِ لِزِيَادَةِ الضَّرَرِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُ الْآدَمِيِّ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ إنْ كَانَ الْبَرَصُ يُدْرِكُهُ كَالْخَيْلِ أَوْ يَتَعَلَّقُ بِالْآدَمِيِّ مِنْهُ ضَرَرٌ اُتُّجِهَتْ الْكَرَاهَةُ وَإِلَّا فَلَا.
ش. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ تَحْصِيلَ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ إلَخْ) أَوْ لِأَنَّ تَحَمُّلَ مَفْسَدَةِ الْمَكْرُوهِ أَوْلَى مِنْ تَحَمُّلِ مَفْسَدَةِ تَفْوِيتِ الْوَاجِبِ
1 / 8
أَنَّهُ لَا أَصْلَ لِكَرَاهَتِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ الْأَطِبَّاءِ فِيهِ شَيْءٌ انْتَهَى، وَيُجَابُ بِأَنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلدَّلِيلِ، وَلِنَصِّ الْأُمِّ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ مَمْنُوعَةٌ، وَأَثَرُ عُمَرَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ آخَرَ صَحِيحٍ عَلَى أَنَّ الْحَصْرَ فِي قَوْلِهِ إلَّا الشَّافِعِيُّ فَوَثَّقَهُ مَمْنُوعٌ بَلْ، وَثَّقَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ عَدِيٍّ، وَغَيْرُهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَقَوْلُهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ الْأَطِبَّاءِ فِيهِ شَيْءٌ شَهَادَةُ نَفْيٍ لَا يُرَدُّ بِهَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَيَكْفِي فِي إثْبَاتِهِ إخْبَارُ السَّيِّدِ عُمَرَ ﵁ الَّذِي هُوَ أَعْرَفُ بِالطِّبِّ مِنْ غَيْرِهِ، وَتَمَسُّكُهُ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ خَبَرٌ لَا تَقْلِيدٌ، وَضَابِطُ الْمُشَمَّسِ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ أَنْ يَنْتَقِلَ بِالشَّمْسِ عَنْ حَالَتِهِ إلَى حَالَةٍ أُخْرَى حَتَّى لَوْ كَانَ شَدِيدَ الْبُرُودَةِ فَخَفَّ بَرْدُهُ بِالشَّمْسِ فَمُتَشَمَّسٌ، وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا تَأْثِيرُ الشَّمْسِ فِي مِيَاهِ الْأَوَانِي تَارَةً تَكُونُ بِالْحُمَّى، وَتَارَةً بِزَوَالِ بَرْدِهِ، وَالْكَرَاهَةُ فِي الْحَالَيْنِ سَوَاءٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُ بَعْدَ نَقْلِهِمْ ذَلِكَ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ مَنْ اشْتَرَطَ الْآنِيَةَ الْمُنْطَبِعَةَ، وَالْبِلَادَ الْحَارَّةَ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِمَا يَظْهَرُ تَأْثِيرُ الشَّمْسِ فِيهِ فَإِنَّهَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْآنِيَةِ تَفْصِلُ أَجْزَاءَ سُمِّيَّةً تُؤَثِّرُ فِي الْبَدَنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ ظُهُورِ السُّخُونَةِ، وَمَا قَالُوهُ أَوْجَهُ.
(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (شَدِيدُ حَرَارَةِ و) شَدِيدُ (بُرُودَةِ) لِمَنْعِ كُلٍّ مِنْهَا الْإِسْبَاغَ نَعَمْ إنْ فَقَدَ غَيْرَهُ، وَضَاقَ الْوَقْتُ، وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ خَافَ مِنْهُ ضَرَرًا حَرُمَ، وَهُوَ، وَاضِحٌ (وَ) تُكْرَهُ (مِيَاهُ ثَمُودَ)، وَكُلُّ مَاءٍ مَغْضُوبٍ عَلَيْهِ كَمَاءِ دِيَارِ قَوْمِ لُوطٍ، وَمَاءِ دِيَارِ بَابِلَ (لَا) مَاءِ (بِئْرِ النَّاقَةِ) «لِأَنَّهُ ﷺ أَمَرَ النَّاسَ النَّازِلِينَ عَلَى الْحِجْرِ أَرْضِ ثَمُودَ بِأَنْ يُهْرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا، وَيَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ، وَأَنْ يَسْتَقُوا مِنْ بِئْرِ النَّاقَةِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَقَوْلُهُ، وَمِيَاهُ ثَمُودَ لَا بِئْرُ النَّاقَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ أَخْذًا مِنْ الْمَجْمُوعِ، وَغَيْرِهِ (وَلَا يُكْرَهُ) مَاءُ (بَحْرٍ) لِأَخْبَارٍ كَخَبَرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَخَبَرُ «مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ مَاءُ الْبَحْرِ فَلَا طَهَّرَهُ اللَّهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ فَأَشْبَهَ غَيْرَهُ، وَمَا رُوِيَ مِنْ «أَنَّهُ ﷺ قَالَ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارٌ، وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرٌ حَتَّى عَدَّ سَبْعَةً، وَسَبْعَةً» ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ.
وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَا يُكْرَهُ كَانَ أَنْسَبَ، وَأَخْصَرَ (وَ) لَا (مَاءُ زَمْزَمَ) لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَهْيٍ فِيهِ نَعَمْ تُكْرَهُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ، وَغَيْرُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلِاسْتِنْجَاءِ (فَائِدَةٌ)
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي مُخْتَصَرِ تَارِيخِ مَكَّةَ مَاءُ زَمْزَمَ أَفْضَلُ مِنْ الْكَوْثَرِ لِأَنَّ بِهِ غُسِلَ صَدْرُ النَّبِيِّ ﷺ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ يُغْسَلُ إلَّا بِأَفْضَلِ الْمِيَاهِ (وَلَا مُتَغَيِّرَ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ) كَمُتَغَيِّرٍ بِمَا فِي مَقَرِّهِ، وَمَمَرِّهِ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ (وَ) لَا (مُتَسَخِّنٍ) بِالنَّارِ (وَلَوْ بِنَجَاسَةٍ) لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَهْيٍ فِيهِ، وَكَلَامُهُمْ شَامِلٌ لِلنَّجَاسَةِ الْغِلْظَةِ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ.
(بَابُ بَيَانِ النَّجَاسَةِ، وَالْمَاءِ النَّجِسِ) عَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِكُلِّ عَيْنٍ حَرُمَ تَنَاوُلُهَا مُطْلَقًا فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ مَعَ سُهُولَةِ تَمْيِيزِهَا، وَإِمْكَانِ تَنَاوُلِهَا لَا لِحُرْمَتِهَا، وَلَا لِاسْتِقْذَارِهَا، وَلَا لِضَرَرِهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ فَاحْتَرَزَ بِمُطْلَقًا عَمَّا يُبَاحُ قَلِيلُهُ كَبَعْضِ النَّبَاتَاتِ السُّمِّيَّةِ، الِاخْتِيَارِ عَنْ حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَيُبَاحُ فِيهَا تَنَاوُلُ النَّجَاسَةِ بِسُهُولَةِ تَمْيِيزِهَا عَنْ دُودِ الْفَاكِهَةِ، وَنَحْوِهَا فَيُبَاحُ تَنَاوُلُهُ مَعَهَا، وَهَذَانِ الْقَيْدَانِ لِلْإِدْخَالِ لَا لِلْإِخْرَاجِ، وَبِإِمْكَانِ تَنَاوُلِهَا عَنْ الْأَشْيَاءِ الصُّلْبَةِ كَالْحَجَرِ، وَبِالْبَقِيَّةِ عَنْ الْآدَمِيِّ، وَعَنْ الْمُخَاطِ، وَنَحْوِهِ، وَعَنْ الْحَشِيشَةِ الْمُسْكِرَةِ، وَالسُّمِّ الَّذِي يَضُرُّ قَلِيلُهُ، وَكَثِيرُهُ، وَالتُّرَابِ فَإِنَّهُ لَمْ يُحَرَّمْ تَنَاوُلُهَا لِنَجَاسَتِهَا بَلْ لِحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ، وَاسْتِقْذَارِ الْمُخَاطِ، وَنَحْوِهِ، وَضَرَرِ الْبَقِيَّةِ، وَعَرَّفَهَا الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ بِالْعَدِّ فَقَالَ مُبْتَدِئًا بِتَقْسِيمِ مَا يَشْمَلُهَا، وَغَيْرَهَا (الْأَعْيَانُ جَمَادٌ، وَحَيَوَانٌ فَالْجَمَادُ طَاهِرٌ) عَلَى الْأَصْلِ فِيهَا إذْ الْأَصْلُ فِيهَا الطَّهَارَةُ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ قَالَ تَعَالَى ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: ٢٩] .
وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الِانْتِفَاعُ أَوْ يَكْمُلُ بِالطَّهَارَةِ (لَا خَمْرٌ)، وَهِيَ الْمُشْتَدُّ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ (وَلَوْ مُحْتَرَمَةً، وَبِبَاطِنِ) حَبَّاتِ (عُنْقُودٍ) فَنَجِسَةٌ تَغْلِيظًا، وَزَجْرًا عَنْهَا كَالْكَلْبِ، وَلِأَنَّهَا رِجْسٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَالرِّجْسُ النَّجِسُ، وَالْمُحْتَرَمَةُ قَالَ الشَّيْخَانِ فِي الْغَصْبِ هِيَ مَا عُصِرَ لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ، وَفِي الرَّهْنِ مَا عُصِرَ بِقَصْدِ الْخَلِّيَّةِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ فِي
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ الَّذِي هُوَ أَعْرَفُ بِالطِّبِّ مِنْ غَيْرِهِ) وَقَدْ قَالَ ابْنُ النَّفِيسِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ أَنَّ مُقْتَضَى الطِّبِّ كَوْنُهُ يُورِثُ الْبَرَصَ ثُمَّ بَيَّنَهُ وَهُوَ عُمْدَةٌ فِي ذَلِكَ أَنَّ (قَوْلَهُ فَخَفَّ بَرْدُهُ بِالشَّمْسِ فَمُتَشَمِّسٌ) قَالَ ابْنُ الْمُلَقَّنِ وَهُوَ غَرِيبٌ. (قَوْلُهُ وَمَا قَالُوهُ أَوْجَهُ) فَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ
(قَوْلُهُ وَمَاءُ دِيَارِ بَابِلَ) وَمَاءُ بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ الَّتِي وُضِعَ فِيهَا السِّحْرُ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَمَاءُ بِئْرِ بَرَهُوتَ لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ «شَرُّ بِئْرٍ فِي الْأَرْضِ بَرَهُوتُ» ش وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْمِيَاهُ الْمَكْرُوهَةُ ثَمَانِيَةً. (قَوْلُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلِاسْتِنْجَاءِ)، وَفِي الِاسْتِقْصَاءِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ أَنَّ غَيْرَ مَاءِ زَمْزَمَ مِنْ الْمَاءِ أَوْلَى مِنْهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ ثُمَّ قَالَ إنَّ مَاءَ زَمْزَمَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ عَلَى الْمَذْهَبِ ج
[بَابُ بَيَانِ النَّجَاسَةِ وَالْمَاءِ النَّجِسِ]
(قَوْلُهُ وَبِإِمْكَانِ تَنَاوُلِهَا إلَخْ) قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ تَنَاوُلُهُ لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ ع وَأَيْضًا يَبْقَى الْحَدُّ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ عَظْمِ الْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَتَعَذَّرُ تَنَاوُلُهُ. (قَوْلُهُ وَلَا لِاسْتِقْذَارِهَا) قَالَ فِي الْخَادِمِ وَهَذَا الْقَيْدُ مُضِرٌّ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ غَالِبَ النَّجَاسَاتِ مِنْ الْعَذِرَةِ وَالْبَوْلِ وَالْقَيْحِ وَالْقَيْءِ فَإِنَّهَا مُسْتَقْذَرَةٌ وَحُرِّمَتْ لِاسْتِقْذَارِهَا وَكُلُّهَا نَجِسَةٌ (قَوْلُهُ وَضَرَرُ الْبَقِيَّةِ) فَعَلَى هَذَا لَا يَحْرُمُ أَكْلُ قَلِيلِ الْحَشِيشِ وَالْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ وَجَوْزُ الطِّيبِ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ لَا ضَرَرَ فِيهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِجَوَازِ أَكْلِ قَلِيلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْقَرَافِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِجَوَازِ أَكْلِ قَلِيلِ الْحَشِيشِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي ت (قَوْلُهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا دَلَالَةَ ظَاهِرَةً فِي الْآيَةِ لِأَنَّ الرِّجْسَ لُغَةً الْقَذَرُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ النَّجَاسَةُ وَلَا مِنْ الْأَمْرِ بِالِاجْتِنَابِ انْتَهَى وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ جَارِيَةٌ عَلَى الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ وَالرِّجْسُ فِيهِ هُوَ النَّجَسُ ش
1 / 9
مَجْمُوعِهِ هُنَا وَالْمُصَنِّفُ فِي الرَّهْنِ، وَالْأَوَّلُ أَعَمُّ، وَأَوْجَهُ (وَ) لَا (نَبِيذٌ مُسْكِرٌ)، وَهُوَ الْمُشْتَدُّ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ أَوْ نَحْوِهِ فَنَجِسٌ كَالْخَمْرِ بِخِلَافِ الْجَامِدِ الْمُسْكِرِ كَالْحَشِيشَةِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ أَسْكَرَ طَاهِرٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي دَقَائِقِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْخَمْرُ (مُثَلَّثًا)، وَهُوَ الْمَغْلِيُّ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ حَتَّى صَارَ عَلَى الثُّلُثِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ، وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ، وَجَرَى فِيهِ عَلَى لُغَةِ تَذْكِيرِ الْخَمْرِ، وَهِيَ ضَعِيفَةٌ أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ وَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْخَمْرِ، وَالنَّبِيذِ مُثَلَّثًا فَيَكُونُ قَدْ غَلَبَ.
(، وَالْحَيَوَانُ طَاهِرٌ) لِمَا مَرَّ (لَا كَلْبٌ)، وَلَوْ مُعَلَّمًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ»، وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الطَّهَارَةَ إمَّا لِحَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ أَوْ تَكْرُمَةٍ، وَلَا حَدَثَ عَلَى الْإِنَاءِ، وَلَا تَكْرُمَةً فَتَعَيَّنَتْ طَهَارَةُ الْخَبَثِ فَثَبَتَ نَجَاسَةُ فَمِهِ، وَهُوَ أَطْيَبُ أَجْزَائِهِ بَلْ هُوَ أَطْيَبُ الْحَيَوَانِ نَكْهَةً لِكَثْرَةِ مَا يَلْهَثُ فَبَقِيَّتُهَا أَوْلَى (وَ) لَا (خِنْزِيرٌ) لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَنَى قَالَ النَّوَوِيُّ، وَلَيْسَ لَنَا دَلِيلٌ، وَاضِحٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ (وَ) لَا (فَرْعُ كُلٍّ) مِنْهُمَا مَعَ الْآخَرِ أَوْ غَيْرِهِ تَغْلِيبًا لِلنَّجَاسَةِ، وَلِتَوَلُّدِهِ مِنْهَا، وَالْفَرْعُ يَتْبَعُ الْأَبَ فِي النَّسَبِ، وَالْأُمَّ فِي الرِّقِّ، وَالْحُرِّيَّةِ، وَأَشْرَفُهُمَا فِي الدِّينِ، وَإِيجَابِ الْبَدَلِ، وَتَقْرِيرِ الْجِزْيَةِ، وَأَخَفَّهُمَا فِي عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَأَخَسَّهُمَا فِي النَّجَاسَةِ، وَتَحْرِيمَ الذَّبِيحَةِ، وَالْمُنَاكَحَةِ (وَ) لَا (مَيْتَةٌ)، وَإِنْ لَمْ يَسِلْ دَمُهَا لِحُرْمَةِ تَنَاوُلِهَا قَالَ تَعَالَى ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣]، وَتَحْرِيمُ مَا لَيْسَ بِمُحْتَرَمٍ، وَلَا بِمُسْتَقْذَرٍ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَالْمَيْتَةُ مَازَالَ حَيَاتُهُ لَا بِذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ (وَ) لَا (شَعْرُهَا)، وَعَظْمُهَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَحِلُّهُ الْحَيَاةُ لِأَنَّهُ يَنْمُو، وَالْعَظْمُ يُحِسُّ، وَيَأْلَمُ، وَفِي مَعْنَاهُ الصُّوفُ، وَالْوَبَرُ، وَالرِّيشُ، وَالشَّعَرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَفْصَحُ مِنْ إسْكَانِهَا (غَيْرُ) مَيْتَةِ (آدَمِيٍّ، وَسَمَكٍ، وَجَرَادٍ، وَصَيْدٍ لَمْ تُدْرَكُ ذَكَاتُهُ)، وَإِنْ مَاتَ بِالضَّغْطَةِ (وَجَنِينُ مُذَكَّاةٍ) لِحِلِّ تَنَاوُلِهَا فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ عَلَى أَنَّ الْأَخِيرَيْنِ لَيْسَا مَيْتَةً بَلْ جَعَلَ الشَّارِعُ هَذَا ذَكَاتَهُمَا، وَلِهَذَا صَرَّحَ فِي خَبَرِ الْجَنِينَ بِأَنَّهُ مُذَكًّى، وَإِنْ لَمْ تُبَاشِرْهُ السِّكِّينُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.
وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: ٧٠]، وَقَضِيَّةُ التَّكْرِيمِ أَنْ لَا يَحْكُمَ بِنَجَاسَتِهِمْ بِالْمَوْتِ، وَسَوَاءٌ الْمُسْلِمُ، وَالْكَافِرُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التوبة: ٢٨] فَالْمُرَادُ بِهِ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ أَوْ اجْتِنَابِهِمْ كَالنَّجَسِ لَا نَجَاسَةُ الْأَبْدَانِ، وَأَمَّا خَبَرُ الْحَاكِمِ «لَا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا، وَلَا مَيِّتًا» فَجَرَى عَلَى الْغَالِبِ
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَيْتَةَ غَيْرُ مَا ذُكِرَ نَجِسَةٌ (فَمَيْتَةُ دُودِ نَحْوِ خَلٍّ، وَتُفَّاحٍ نَجِسَةٌ لَكِنْ لَا تُنَجِّسُهُ) لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا (وَيَجُوزُ أَكْلُهُ مَعَهُ) لِعُسْرِ تَمْيِيزِهِ بِخِلَافِ أَكْلِهِ مُنْفَرِدًا، وَأَكْلُهُ مَعَ مَا لَمْ يَتَوَلَّدْ مِنْهُ (، وَلَا يَنْجُسُ مَاءٌ و) لَا (مَائِعٌ) غَيْرُهُ (بِمَيْتَةٍ لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ) بِفَتْحِهَا، وَنَصْبِهَا، وَرَفْعِهَا بِالتَّنْوِينِ فِيهِمَا عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ أَيْ لَا دَمَ لَهَا يَسِيلُ عِنْدَ شَقِّ جُزْءٍ مِنْهَا فِي حَيَاتِهَا (وَإِنْ طُرِحَتْ) فِيهِ (كَزُنْبُورٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (وَعَقْرَبٍ)، وَوَزَغٍ، وَذُبَابٍ، وَنَحْلٍ، وَقَمْلٍ، وَبُرْغُوثٍ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً» زَادَ أَبُو دَاوُد «، وَأَنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ»، وَقَدْ يُفْضِي غَمْسُهُ إلَى مَوْتِهِ فَلَوْ نَجُسَ لَمَا أَمَرَ بِهِ.
وَقِيسَ بِالذُّبَابِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ مَيِّتَةٍ لَا يَسِيلُ دَمُهَا، وَالْأَصْلُ مَثَّلَ بِالذُّبَابِ فَأَبْدَلَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا ذَكَرَهُ (لَا) نَحْوُ (حَيَّةٍ)، وَفَأْرَةٍ، وَسُلَحْفَاةٍ (وَضُفْدُع) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ، وَثَالِثِهِ عَلَى الْأَشْهَرِ فَيَتَنَجَّسُ بِهَا مَا ذُكِرَ لِسَيَلَانِ دَمِهَا بِخِلَافِ تِلْكَ لَا يَتَنَجَّسُ بِهَا (مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ) بِهَا فَإِنْ تَغَيَّرَ بِهَا لِكَثْرَتِهَا تَنَجَّسَ لِتَغَيُّرِهِ بِنَجَاسَةٍ، وَلِأَنَّهُ لَا يَشُقُّ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
(قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَعَمُّ وَأَوْجَهُ) لِأَنَّ الْعِنَبَ كَانَ مُحْتَرَمًا قَبْلَ الْعَصْرِ وَلَمْ يُوجَدُ مِنْ مَالِكِهِ قَصْدٌ فَاسِدٌ يَخْرُجُهُ عَنْ الِاحْتِرَامِ وَلِهَذَا كَانَتْ الْخَمْرُ الَّتِي فِي بَاطِنِ الْعُنْقُودِ مُحْتَرَمَةً. (قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي دَقَائِقِهِ) وَصَرَّحَ أَيْضًا فِي مَجْمُوعِهِ بِأَنَّ الْبَنْجَ وَالْحَشِيشَةَ مُسْكِرَانِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْحَشِيشَةَ مُسْكِرَةٌ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ عِنْدَنَا فَالصَّوَابُ أَنَّهَا مُسْكِرَةٌ كَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعَارِفُونَ بِالنَّبَاتِ وَيَجِبُ الرُّجُوعُ إلَيْهِمْ فِيهَا كَمَا رُجِعَ إلَيْهِمْ فِي غَيْرِهَا
(قَوْلُهُ لِخَبَرِ «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ» إلَخْ)، وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ ﷺ دُعِيَ إلَى دَارِ قَوْمٍ فَأَجَابَ ثُمَّ دُعِيَ إلَى دَارٍ أُخْرَى فَلَمْ يُجِبْ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنَّ فِي دَارِ فُلَانٍ كَلْبًا قِيلَ وَإِنَّ فِي دَارِ فُلَانٍ هِرَّةً فَقَالَ الْهِرَّةُ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ.» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَنَى) وَلَا يُنْتَقَضُ بِالْحَشَرَاتِ وَنَحْوِهَا إذْ لَا تَقْبَلُ الِانْتِفَاعَ وَالِاقْتِنَاءَ. (قَوْلُهُ وَلِتَوَلُّدِهِ مِنْهَا فَكَانَ مِثْلَهَا) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَا يُنْتَقَضُ بِالدُّودِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْهَا لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ نَفْسِهَا وَإِنَّمَا تَوَلَّدَ فِيهَا كَدُودِ الْخَلِّ لَا يُخْلَقُ مِنْ نَفْسِ الْخَلِّ بَلْ يَتَوَلَّدُ فِيهِ قَالَ وَلَوْ ارْتَضَعَ جَدْيٌ كَلْبَةً أَوْ خِنْزِيرَةً فَنَبَتَ لَحْمُهُ عَلَى لَبَنِهَا لَمْ يَنْجُسْ عَلَى الْأَصَحِّ ش. (قَوْلُهُ وَلَا شَعْرُهَا) شَمِلَ الشَّعْرَ عَلَى الْعُضْوِ الْمُبَانِ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ حَالَ حَيَاتِهِ. (قَوْلُهُ وَسَمَكٌ) أَيْ مَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ عُرْفًا سَمَكًا. (قَوْلُهُ لَا نَجَاسَةُ الْأَبْدَانِ) أَوْ أَنَّهُمْ لَا يَتَطَهَّرُونَ أَوْ لَا يَجْتَنِبُونَ النَّجَاسَاتِ فَهُمْ مُلَابِسُونَ لَهَا غَالِبًا. (قَوْلُهُ فَجَرَى عَلَى الْغَالِبِ) وَلِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّسَ بِالْمَوْتِ لَكَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ كَسَائِرِ الْمَيْتَاتِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُؤْمَرْ بِغَسْلِهِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ وَعُورِضَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمْ يُؤْمَرْ بِغَسْلِهِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الطَّاهِرَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عُهِدَ غَسْلُ الطَّاهِرِ بِدَلِيلِ الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ بِخِلَافِ نَجِسِ الْعَيْنِ.
(قَوْلُهُ لَكِنْ لَا تُنَجِّسُهُ) إذَا لَمْ تُغَيِّرْهُ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَكْلُهُ مَعَهُ) قَيَّدَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ حِلَّ أَكْلِهِ مَعَهُ بِأَنْ لَا يَنْقُلَهُ أَوْ يُنَحِّيهِ مِنْ الطَّعَامِ إلَى آخَرَ فَإِنْ فَعَلَ فَكَالْمُنْفَرِدِ فَتَحْرُمُ فِي الْأَصَحِّ. اهـ. (قَوْلُهُ بِمَيْتَةٍ لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةً) هَهُنَا تَنْبِيهٌ يَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِمَعْرِفَتِهِ وَهُوَ أَنَّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ إذَا اغْتَذَى بِالدَّمِ كَالْحَلَمِ الْكِبَارِ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْإِبِلِ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْمَاءِ لَا يَنْجُسُ الْمَاءُ بِمُجَرَّدِ الْوُقُوعِ فَإِنْ مَكَثَ فِي الْمَاءِ حَتَّى انْشَقَّ جَوْفُهُ وَخَرَجَ مِنْهُ الدَّمُ يَنْجُسُ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُفِيَ عَنْ الْحَيَوَانِ دُونَ الدَّمِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْفَى عَنْهُ مُطْلَقًا كَمَا يُعْفَى عَمَّا فِي بَطْنِهِ مِنْ الرَّوْثِ إذَا ذَابَ وَاخْتَلَطَ بِالْمَاءِ وَلَمْ يُغَيَّرْ وَكَذَلِكَ مَا عَلَى مَنْفَذِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ ت وَقَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَا يَشُقُّ
1 / 10
الِاحْتِرَازُ عَنْهَا حِينَئِذٍ، وَقَوْلُهُ، وَإِنْ طُرِحَتْ ظَاهِرُهُ أَنَّ طَرْحَهَا مَيِّتَةً لَا يَضُرُّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً مِنْ الْمَائِعِ ضَرَّ طَرْحُهَا جَزْمًا كَمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَإِنْ كَانَ نَشْؤُهَا فِيهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ فَلَوْ أُخْرِجَ مِنْهُ، وَطُرِحَ فِيهِ عَادَ الْخِلَافُ أَيْ فِي الْحَيَوَانِ الْأَجْنَبِيِّ الَّذِي وَقَعَ بِنَفْسِهِ، وَعَبَّرَ النَّوَوِيُّ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ فَلَوْ أُخْرِجَ مِنْهُ، وَطُرِحَ فِي غَيْرِهِ أَوْ رُدَّ إلَيْهِ عَادَ الْقَوْلَانِ.
وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ الصَّوَابُ فِيمَا أُلْقِيَ فِي غَيْرِهِ أَنَّهُ يَضُرُّ، وَيُتَّجَهُ تَرْجِيحُهُ أَيْضًا فِيمَا أُلْقِيَ فِيهِ فَاعْتَمَدَهُ انْتَهَى، وَيُؤَيِّدُهُ تَصْوِيرُ الْبَغَوِيّ ذَلِكَ بِمَا إذْ أُلْقِيَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ، وَيُجَابُ عَنْ تَعْبِيرِ الشَّيْخَيْنِ بِعَوْدِ الْخِلَافِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ أَوْ بِأَنَّ كَلَامَهُمَا مُصَوَّرٌ بِمَا صَوَّرَ بِهِ الْبَغَوِيّ لَكِنَّ كَلَامَ الْمَجْمُوعِ يُنَافِيهِ، وَتَوْجِيهُ الْبُلْقِينِيُّ لِكَلَامِهِمَا بِأَنَّهُ لَمَّا اُغْتُفِرَ بِلَا طَرْحٍ اُغْتُفِرَ مَعَ الطَّرْحِ مُنْتَقَضٌ بِطَرْحِ الْمَيْتَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَلَوْ شَكَكْنَا فِي سَيْلِ دَمِهَا اُمْتُحِنَ بِجِنْسِهَا فَتَخْرُجُ لِلْحَاجَةِ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، وَلَوْ كَانَتْ مِمَّا يَسِيلُ دَمُهَا لَكِنْ لَا دَمَ فِيهَا أَوْ فِيهَا دَمٌ لَا يَسِيلُ لِصِغَرِهَا فَلَهَا حُكْمُ مَا يَسِيلُ دَمُهَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ تَبَعًا لِلْمَجْمُوعِ لَا حَيَّةٌ، وَضِفْدِعٌ مِنْ زِيَادَتِهِ.
(فَرْعٌ) الْفَرْعُ مَا انْدَرَجَ تَحْتَ أَصْلٍ كُلِّيِّ الْجُزْءِ (الْمُبَانِ مِنْ حَيٍّ، وَمَشِيمَتِهِ)، وَهِيَ غِلَافُ الْوَلَدِ، وَعَطْفُهَا عَلَى الْمُبَانِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (كَمَيْتَتِهِ) أَيْ كَمَيْتَةِ ذَلِكَ الْحَيِّ طَهَارَةً، وَنَجَاسَةً لِخَبَرِ «مَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فَالْيَدُ مِنْ الْآدَمِيِّ طَاهِرَةٌ، وَمِنْ الْبَقَرِ نَجِسَةٌ، وَسَوَاءٌ فِي الْمَشِيمَةِ مَشِيمَةُ الْآدَمِيِّ، وَغَيْرِهِ (لَا شَعَرُ مَأْكُولٍ، وَرِيشُهُ) فَطَاهِرَانِ (وَلَوْ اُنْتُتِفَ) كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ نُتِفَ، وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ صُوفٍ، وَوَبَرٍ قَالَ تَعَالَى ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ [النحل: ٨٠]، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا أُخِذَ بَعْدَ التَّذْكِيَةِ أَوْ فِي الْحَيَاةِ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ، وَذَلِكَ مُخَصِّصٌ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلَا هُنَا لِكَوْنِهَا لَا يُعْطَفُ بِهَا مَا شَمِلَهُ مَا قَبْلَهَا اسْمٌ بِمَعْنَى غَيْرٍ ظَهَرَ إعْرَابُهَا فِيمَا بَعْدَهَا لِكَوْنِهَا بِصُورَةِ الْحَرْفِ، وَهِيَ مَعَهُ حَالٌ مِمَّا قَبْلَهَا أَوْ صِفَةٌ لَهُ بِجَعْلِ أَلْ لِلْجِنْسِ (وَلَا مَشْكُوكٌ فِيهِ) أَيْ فِي أَنَّ الشَّعَرَ، وَنَحْوَهُ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ (وَ) لَا (مِسْكٌ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «الْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ» (وَكَذَا فَأْرَتُهُ) بِالْهَمْزِ، وَتَرَكَهُ لِانْفِصَالِهَا بِالطَّبْعِ كَالْجَنِينِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَلِأَنَّ الْمِسْكَ فِيهَا طَاهِرٌ، وَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَكَانَ الْمَظْرُوفُ، وَهِيَ خُرَّاجٌ بِجَانِبِ سُرَّةِ الظَّبْيَةِ كَالسَّلْعَةِ فَتَحْتَكُّ حَتَّى تُلْقِيَهَا هَذَا (إنْ انْفَصَلَتْ مِنْ) ظَبْيَةٍ (حَيَّةٍ) فَإِنْ انْفَصَلَتْ مِنْ مَيِّتَةٍ فَنَجِسَةٌ كَاللَّبَنِ بِخِلَافِ الْبَيْضِ الْمُتَصَلِّبِ لِنُمُوِّهِ بِخِلَافِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالْأَصْلِ أَنَّ الْمِسْكَ طَاهِرٌ مُطْلَقًا، وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ كَالْإِنْفَحَةِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الطَّاوُسِيُّ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
الِاحْتِرَازُ عَنْهَا حِينَئِذٍ) فَعَلَى هَذَا يَحْرُمُ الْغَمْسُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ التَّغَيُّرُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ ت (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ نَشْؤُهَا فِيهِ إلَخْ) فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ فِي ذَلِكَ كَالنَّاشِئِ كَمَا أَشَارَ إلَى نَقْلِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ. (قَوْلُهُ فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ) وَرَجَّحَ الزَّرْكَشِيُّ خِلَافَهُ ش. (قَوْلُهُ عَادَ الْقَوْلَانِ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا أَعَادَهُ إلَيْهِ حَيًّا فَمَاتَ فِيهِ فَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ نَجُسَ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ مَأْمُورٌ بِرَدِّهِ أَوْ قَتْلِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرُدَّهُ مَاتَ جُوعًا وَتَعْذِيبُ الْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ وَرَدُّهُ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عَبَثٌ (قَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُهُ تَصْوِيرُ الْبَغَوِيّ إلَخْ) بَلْ صَوَّرَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ بِمَا إذَا وَقَعَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا أُلْقِيَ فِيهِ كَذَلِكَ ضَرَّ وَالْأَوْجَهُ تَصْوِيرُهُ بِمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ س (قَوْلُهُ بِمَا صَوَّرَ بِهِ الْبَغَوِيّ) وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ أَنَّهُ الَّذِي يُتَّجَهُ. (قَوْلُهُ لَكِنَّ كَلَامَ الْمَجْمُوعِ يُنَافِيهِ) عِبَارَتُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أُخْرِجَ هَذَا الْحَيَوَانُ مِمَّا مَاتَ فِيهِ وَأُلْقِيَ فِي مَائِعٍ غَيْرِهِ أَوْ رُدَّ إلَيْهِ فَهَلْ يُنَجِّسُهُ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْحَيَوَانِ الْأَجْنَبِيِّ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقَيْنِ اهـ
[فَرْعٌ طَهَارَة الْمُبَانِ مِنْ حَيٍّ وَمَشِيمَتِهِ]
(قَوْلُهُ لَا شَعْرَ مَأْكُولٍ وَرِيشِهِ إلَخْ) وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الشَّعْرَ إنْ تَنَاوَلَ الرِّيشَ فَذِكْرُهُ مَعَهُ حَشْوٌ وَإِلَّا وَجَبَ ذِكْرُهُ مَعَهُ فِيمَا مَرَّ أَيْضًا وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ لَكِنَّ اتِّصَالَهُ أَقْوَى مِنْ اتِّصَالِ الشَّعْرِ فَعُلِمَ نَجَاسَتُهُ مِنْ نَجَاسَتِهِ بِالْأَوْلَى وَلَا يُعْلَمُ طَهَارَتُهُ مِنْ طَهَارَتِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الرِّيشَ يُغْنِي عَنْ الشَّعْرِ هُنَا كَعَكْسِهِ ثَمَّةَ ش.
(قَوْلُهُ قَالَ تَعَالَى ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا﴾ [النحل: ٨٠] إلَخْ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي الْمَلَابِسِ وَلَوْ قَصَرَ الِانْتِفَاعَ عَلَى مَا يَكُونُ عَلَى الْمُذَكَّى لَضَاعَ مُعْظَمُ الشُّعُورِ وَالْأَصْوَافِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَهَذَا أَحَدُ مَوْضِعَيْنِ خُصِّصَتْ السُّنَّةُ فِيهِمَا بِالْكِتَابِ فَإِنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ ﷺ «مَا قُطِعَ مِنْ بَهِيمَةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيِّتٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ «مَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ» خُصَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ [النحل: ٨٠] الْآيَةَ الْمَوْضِعُ، الثَّانِي قَوْلُهُ ﷺ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ» الْحَدِيثَ فَهَذَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ﴾ [التوبة: ٢٩] الْآيَةَ وَيَلْحَقُ بِهِمَا مَوَاضِعُ مِنْهَا قَوْلُهُ ﷺ «إنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾ [الأنعام: ١٥٨] الْآيَةَ وَمِنْهَا قَوْلُهُ ﷺ «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْإِمَاءِ ﴿فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ﴾ [النساء: ٢٥] الْآيَةَ وَمِنْهَا قَوْلُهُ ﷺ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ [النساء: ٤٣] وَمِنْهَا قَوْلُهُ ﷺ «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» فَهَذَا يَعُمُّ الْوَالِدَيْنِ وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ [الإسراء: ٢٣] فَإِنَّهُ يَقْتَضِي بِمَفْهُومِهِ تَحْرِيمَ أَنْوَاعِ الْأَذَى وَلِهَذَا كَانَ الْأَصَحُّ عَدَمَ حَبْسِ الْوَالِدِ بِدَيْنِ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ) فَكَأَنَّا تَيَقَّنَّاهَا فِي حَيَاتِهِ وَلَمْ يُعَارِضْهَا أَصْلٌ وَلَا ظَاهِرٌ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ فِي غَايَةِ النُّدُورِ (قَوْلُهُ مِنْ ظَبْيَةٍ حَيَّةٍ) أَوْ مُذَكَّاةٍ (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ كَالْإِنْفَحَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَالَ شَيْخُنَا قَوْلُهُ كَالْإِنْفَحَةِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الطَّهَارَةُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَهِيَ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا لَا تَنْفَصِلُ مِنْ حَيٍّ.
1 / 11
وَالْبَارِزِيُّ جَرْيًا عَلَى الْأَصْلِ فِي أَنَّ الْمُبَانَ مِنْ الْمَيْتَةِ النَّجِسَةِ نَجِسٌ، وَيُؤَيِّدُهُ تَعْلِيلُ الرَّافِعِيِّ السَّابِقِ.
(وَلَهُ) أَيْ لِلشَّخْصِ (إيقَادٌ) فِي التَّنُّورِ، وَغَيْرِهِ (بِعَظْمِ مَيْتَةِ) غَيْرِ آدَمِيٍّ (وَإِنْ نَجُسَ دُخَّانُهُ) لِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ لِلنَّجَاسَةِ (، وَالْإِنَاءُ النَّجِسُ الْجَافُّ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ) فِي جَافٍّ، وَفِي مَاءٍ كَثِيرٍ، وَيَحْرُمُ فِيمَا عَدَاهُمَا لِلتَّنَجُّسِ بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ جَرَيَانُ الْكَرَاهَةِ فِي جِلْدِ الْكَلْبِ، وَنَحْوِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا يُشْكِلُ بِتَحْرِيمِ لُبْسِهِ لِأَنَّهُ هُنَاكَ مُلَابِسٌ لِلْبَدَنِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ.
(فَرْعٌ لِلْمُتَرَشِّحِ) أَيْ لِمَا يَغْلِبُ تَرْشِيحُهُ (حُكْمُ حَيَوَانِهِ) طَهَارَةً، وَنَجَاسَةً (وَهُوَ كَدَمْعٍ)، وَمُخَاطٍ، وَعَرَقٍ (وَلُعَابٍ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ ﷺ رَكِبَ فَرَسًا مَعْرُورًا، وَرَكَضَهُ فَلَمْ يَجْتَنِبْ عَرَقَهُ»، وَيُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ (فَإِنْ سَالَ مِنْ فَمِ نَائِمٍ فَكَانَ مِنْ الْمَعِدَةِ) كَأَنْ خَرَجَ مُنْتِنًا بِصُفْرَةٍ (فَنَجِسٌ لَا إنْ) كَانَ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ (شَكَّ) فِي أَنَّهُ مِنْهَا أَوَّلًا فَإِنَّهُ طَاهِرٌ، وَقِيلَ إنْ كَانَ مُتَغَيِّرًا فَنَجِسٌ، وَإِلَّا فَطَاهِرٌ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ (وَيُحْتَاطُ) فِي صُورَةِ الشَّكِّ فَيَغْسِلُهُ نَدْبًا (فَإِنْ اُبْتُلِيَ بِهِ شَخْصٌ) لِكَثْرَتِهِ مِنْهُ (فَالظَّاهِرُ الْعَفْوُ) كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ (وَالزَّبَادُ طَاهِرٌ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ إمَّا لَبَنُ سِنَّوْرٍ بَحْرِيٍّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْ عَرَقُ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ كَمَا سَمِعْته مِنْ ثِقَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَذَا لَكِنَّهُ يَغْلِبُ اخْتِلَاطُهُ بِمَا يَتَسَاقَطُ مِنْ شَعَرِهِ فَلْيُحْتَرَزْ عَمَّا وُجِدَ فِيهِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ مَنْعُ أَكْلِ السِّنَّوْرِ الْبَرِّيِّ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (لَا شَعَرُ)، وَفِي نُسْخَةٍ لَا شُعُورُ (سِنَّوْرِهِ) اعْتِمَادُ الثَّانِي، وَقَوْلُهُ، وَالزَّبَادُ إلَخْ مِنْ زِيَادَتِهِ.
(فَرْعٌ الْمُسْتَحِيلُ فِي الْبَاطِنِ نَجِسٌ كَدَمٍ، وَلَوْ تَحَلَّبَ مِنْ كَبِدٍ) أَوْ طِحَالٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ﴾ [المائدة: ٣]، وَلِخَبَرِ «فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمِ، وَصَلِّي» (وَقَيْحٌ، وَمَاءُ قَرْحٍ تَغَيَّرَ) بِفَتْحِ الْقَافِ، وَضَمِّهَا أَيْ جُرْحٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا دَمٌ مُسْتَحِيلٌ فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ مَاءُ الْقَرْحِ فَطَاهِرٌ كَالْعَرَقِ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ (وَقَيْءٌ)، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَقِيلَ غَيْرُ الْمُتَغَيِّرِ مُتَنَجِّسٌ لَا نَجِسٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ حَقٌّ (، وَجِرَّةٌ) بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَهِيَ مَا يُخْرِجُهُ الْبَعِيرُ أَوْ غَيْرُهُ لِلِاجْتِرَارِ، وَتَعْبِيرُهُ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِجِرَّةِ الْبَعِيرِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ جِرَّتِهِ وَجِرَّةِ غَيْرِهِ.
(وَمِرَّةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ مَا فِي الْمَرَارَةِ قِيَاسًا لِلثَّلَاثَةِ عَلَى الدَّمِ بِجَامِعِ الِاسْتِحَالَةِ فِي الْبَاطِنِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْقَيْءِ (وَعَذِرَةٌ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بِالْإِجْمَاعِ (وَبَوْلٌ) لِلْأَمْرِ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ فِي بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَقِيسَ بِهِ سَائِرُ الْأَبْوَالِ، وَأَمَّا أَمْرُهُ ﷺ الْعُرَنِيِّينَ بِشُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ فَكَانَ لِلتَّدَاوِي (وَرَوْثٌ) بِالْمُثَلَّثَةِ (وَلَوْ مِنْ سَمَكٍ، وَجَرَادٍ) لِأَنَّهُ ﷺ لَمَّا جِيءَ لَهُ بِحَجَرَيْنِ، وَرَوْثَةٍ لِيَسْتَنْجِيَ بِهَا أَخَذَ الْحَجَرَيْنِ، وَرَدَّ الرَّوْثَةَ، وَقَالَ هَذَا رِكْسٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْعَذِرَةُ، وَالرَّوْثُ قِيلَ مُتَرَادِفَانِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي دَقَائِقِهِ الْعَذِرَةُ مُخْتَصَّةٌ بِفَضْلَةِ الْآدَمِيِّ، وَالرَّوْثُ أَعَمُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَدْ يُمْنَعُ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِغَيْرِ الْآدَمِيِّ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ صَاحِبِ الْمُحْكَمِ، وَابْنِ الْأَثِيرِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِذِي الْحَافِرِ قَالَ، وَعَلَيْهِ فَاسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لَهُ فِي سَائِرِ الْبَهَائِمِ تَوَسُّعٌ انْتَهَى.
وَعَلَى قَوْلِ التَّرَادُفِ فَأَحَدُهُمَا يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ، وَعَلَى قَوْلِ النَّوَوِيِّ الرَّوْثُ يُغْنِي عَنْ الْعَذِرَةِ (وَمَذْيٌ) بِالْمُعْجَمَةِ لِلْأَمْرِ بِغَسْلِ الذَّكَرِ مِنْهُ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ ﵁، وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ يَخْرُجُ بِلَا شَهْوَةٍ عِنْدَ ثَوَرَانِهَا (، وَوَدْيٌ) بِالْمُهْمَلَةِ إجْمَاعًا، وَقِيَاسًا عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ كَدِرٌ ثَخِينٌ يَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ أَوْ عِنْدَ حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ، وَالتَّصْرِيحُ بِهِ، وَبِالْمَذْيِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَالْجُمْهُورُ كَمَا فِي الْأَصْلِ عَلَى نَجَاسَةِ هَذِهِ الْفَضَلَاتِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ، وَالنَّوَوِيُّ فِي تَحْقِيقِهِ، وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ، وَغَيْرُهُ بِطَهَارَتِهَا، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ.
(، وَلَبَنُ مَا لَا يُؤْكَلُ) كَلَبَنِ الْأَتَانِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي الْبَاطِنِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَقِيلَ إنْ كَانَ مُتَغَيِّرًا فَنَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ هِيَ مَقَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّ الْخَارِجَ مِنْ الْمَعِدَةِ يَكُونُ مُتَغَيِّرًا بِخِلَافِ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِهَا. (قَوْلُهُ وَالزَّبَادُ طَاهِرٌ) الْعَنْبَرُ طَاهِرٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ يَنْبُتُ فِي الْبَحْرِ وَيَلْفِظُهُ ش وَأَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ كَمَا سَمِعْته مِنْ ثِقَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ.
(قَوْلُهُ كَدَمٍ) الدَّمُ الْبَاقِي عَلَى لَحْمِ الْمُذَكَّاةِ وَعَظْمِهَا نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَقَدْ قَالَ الْحَلِيمِيُّ وَأَمَّا مَا بَقِيَ مِنْ الدَّمِ الْيَسِيرِ فِي بَعْضِ الْعُرُوقِ الدَّقِيقَةِ خِلَالَ اللَّحْمِ فَهُوَ عَفْوٌ (قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْقَيْءِ) قَالَ فِي الْخَادِمِ وَأَمَّا الْخَرَزَةُ الَّتِي تُوجَدُ دَاخِلَ الْمَرَارَةِ وَتُسْتَعْمَلُ فِي الْأَدْوِيَةِ فَيَنْبَغِي نَجَاسَتُهَا لِأَنَّهَا تُجَسَّدُ مِنْ النَّجَاسَةِ فَأَشْبَهَتْ الْمَاءَ النَّجِسَ إذَا انْعَقَدَ مِلْحًا انْتَهَى قَالَ الدَّمِيرِيِّ وَالْمَرَارَةُ الصَّفْرَاءُ نَجِسَةٌ وَمَا فِيهَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ خَرَزَتِهَا الصَّفْرَاءِ الَّتِي تُوجَدُ فِي بَعْضِ الْأَبْقَارِ وَقَوْلُهُ قَالَ فِي. الْخَادِمِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا أَمْرُهُ ﷺ إلَخْ) وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ «كَانَتْ الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ» فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْغَسْلِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَبِأَنَّ بَوْلَهَا خَفِيَ مَكَانَهُ فَمَنْ تَيَقَّنَهُ لَزِمَهُ غَسْلُهُ وَبِأَنَّهَا كَانَتْ تَبُولُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِيهِ ش (قَوْلُهُ وَرَوْثٌ) هَلْ الْعَسَلُ خَارِجٌ مِنْ دُبُرِ النَّحْلِ أَوْ مِنْ فِيهَا فِيهِ خِلَافٌ وَلَمْ أَرَ فِيهِ تَرْجِيحًا وَإِلَّا شَبِهَ الثَّانِي فَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ الضَّابِطِ فِي الْخَارِجِ ت. (قَوْلُهُ أَيْضًا وَرَوْثٌ) فَلَوْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِذَرْقِ الطُّيُورِ وَتَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا فَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يُعْفَى عَنْهَا د وَقَوْلُهُ فَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَمَذْيٌ) فِي تَعْلِيقِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ الْمَذْيَ يَكُونُ فِي الشِّتَاءِ أَبْيَضَ ثَخِينًا، وَفِي الصَّيْفِ أَصْفَرَ رَقِيقًا. (قَوْلُهُ وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ بِطَهَارَتِهَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ) وَنَقَلَهُ الْعِمْرَانِيُّ عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ الَّذِي أَعْتَقِدُهُ وَأَلْقَى اللَّهَ بِهِ وَصَحَّحَهُ الْبَارِزِيُّ وَالسُّبْكِيُّ وَنَجْمُ الدِّينِ الْإسْفَرايِينِيّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَبِهِ أَلْقَى اللَّهَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّامِلِ الصَّغِيرِ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ وَيَنْبَغِي طَرْدُهُ فِي سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ ش قَالَ فِي التَّوْشِيحِ، وَفِيمَا عَلَّقْته مِنْ خَطِّ الشَّيْخِ زَيْنِ الدَّيْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَرْوَانَ الْفَارِقِيِّ أَنَّهُ اُسْتُفْتِيَ عَنْ وَاعِظٍ قَالَ لِلْمُحَاضَرِينَ بَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ
1 / 12
كَالدَّمِ (إلَّا) لَبَنَ (الْآدَمِيِّ) فَطَاهِرٌ إذْ لَا يَلِيقُ بِكَرَامَتِهِ أَنْ يَكُونَ مُنْشَؤُهُ نَجِسًا (فَإِنْ مَاتَ فَفِي لَبَنِهِ وَجْهَانِ) لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي الْأَصْلِ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ تَصْحِيحُ طَهَارَتِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الرُّويَانِيِّ قَالَ لِأَنَّهُ فِي إنَاءٍ طَاهِرٍ، وَكَلَامُهُمْ شَامِلٌ لِلَّبَنِ الذَّكَرِ، وَالصَّغِيرَةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ الْمُوَافِقُ لِتَعْبِيرِ الصَّيْمَرِيِّ بِقَوْلِهِ أَلْبَانُ الْآدَمِيِّينَ، وَالْآدَمِيَّاتِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ فِي طَهَارَتِهَا، وَجَوَازِ بَيْعِهَا، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ لَبَنُ الْمَيْتَةِ، وَالرَّجُلِ نَجِسٌ مُفَرَّعٌ عَلَى نَجَاسَةِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ كَمَا أَفَادَهُ الرُّويَانِيُّ.
أَمَّا لَبَنُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَلَبَنِ الْفَرَسِ، وَإِنْ، وَلَدَتْ بَغْلًا فَطَاهِرٌ قَالَ تَعَالَى ﴿لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾ [النحل: ٦٦] .
(وَالْإِنْفَحَةُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَتَخْفِيفِ الْحَاءِ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَهِيَ لَبَنٌ فِي جَوْفِ نَحْوِ سَخْلَةٍ فِي جِلْدَةٍ تُسَمَّى إنْفَحَةٌ أَيْضًا إنْ أُخِذَتْ (مِنْ سَخْلَةٍ) مَثَلًا (مَذْبُوحَةٍ، وَهِيَ) أَيْ، وَالْحَالُ أَنَّهَا (مِنْ) السَّخْلَةِ (الَّتِي لَمْ تُطْعَمْ غَيْرَ اللَّبَنِ طَاهِرَةٌ) لِمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ (لِلْحَاجَةِ) إلَيْهَا فِي عَمَلِ الْجُبْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُخِذَتْ مِنْ مَيْتَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ مَذْبُوحَةٍ أَكَلَتْ غَيْرَ اللَّبَنِ عَلَى الْأَصْلِ فِي الْمُسْتَحِيلَاتِ فِي الْبَاطِنِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَوْ أَكَلَتْ لَبَنًا نَجِسًا كَلَبَنِ أَتَانٍ، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ.
(وَالْبَيْضُ) الْمَأْخُوذُ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ (وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ، وَكَذَا) الْمَأْخُوذُ (مِنْ مَيْتَةٍ أَنْ تُصْلَبَ، وَبِزْرِ الْقَزِّ) بِكَسْرِ الْبَاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا، وَهُوَ الْبَيْضُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ دُودُ الْقَزِّ (، وَمَنِيُّ غَيْرِ الْكَلْبِ، وَالْخِنْزِيرِ)، وَفَرْعُ أَحَدِهِمَا أَيْ كُلٍّ مِنْهَا (طَاهِرٌ) خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي مَنِيِّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ نَعَمْ يُسَنُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ غَسْلُهُ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ، وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ بَيْضُ الْمَيْتَةِ غَيْرِ الْمُتَصَلِّبِ، وَمَنِيُّ الْكَلْبِ، وَمَا بَعْدَهُ، وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ الْبَيْضَ إذَا اسْتَحَالَ دَمًا، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ هُنَا فِي تَنْقِيحِهِ لَكِنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْهُ، وَفِي التَّحْقِيقِ، وَغَيْرِهِ أَنَّهُ نَجِسٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ مَنِيِّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ، وَأَمَّا عَلَى غَيْرِهِ فَالْأَوْجَهُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْتَحِلَّ حَيَوَانًا، وَالْأَوَّلُ عَلَى خِلَافِهِ.
(وَكَذَا رُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ) بَلْ، وَغَيْرِهَا مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ (وَالْعَلَقَةُ)، وَالْمُضْغَةُ مِنْهُ فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ كَعَرَقِهِ، وَمَنِيِّهِ، وَالْمُضْغَةُ مَفْهُومَةٌ مِنْ كَلَامِهِ بِالْأَوْلَى، وَمُصَرَّحٌ بِهَا فِي الرَّوْضَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ مَاءٌ أَبْيَضُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمَذْيِ، وَالْعَرَقِ، وَأَمَّا الرُّطُوبَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ بَاطِنِ الْفَرْجِ فَتُنَجِّسُهُ، وَالْعَلَقَةُ دَمٌ غَلِيظٌ يَسْتَحِيلُ إلَيْهِ الْمَنِيُّ، وَالْمُضْغَةُ لَحْمَةٌ مُنْعَقِدَةٌ مِنْ ذَلِكَ (، وَيَنْجُسُ مَنِيُّ مَنْ لَمْ يَسْتَنْجِ بِمَاءٍ) لِاتِّصَالِهِ بِنَجِسٍ (كَدُودِ مَيْتَةٍ رَحْبٍ رَجِيعٍ) أَيْ رَوْثٍ (فِيهِ قُوَّةُ الْإِنْبَاتِ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذَلِكَ فَنَجِسُ الْعَيْنِ كَمَا عُرِفَ مِمَّا مَرَّ، وَيُقَاسُ بِحَبِّ الرَّجِيعِ حَبُّ الْقَيْءِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ.
(وَيُعْفَى عَنْ رَوْثِ سَمَكٍ) فَلَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ (مَا لَمْ يُغَيِّرْهُ) فَإِنْ غَيَّرَهُ نَجَّسَهُ، وَهَذِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (وَ) يُعْفَى (عَنْ الْيَسِيرِ عُرْفًا مِنْ شَعَرٍ نَجِسٍ) بِقَيْدٍ زَادَهُ كَالزَّرْكَشِيِّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الِاسْتِقْصَاءِ بِقَوْلِهِ (مِنْ غَيْرِ كَلْبٍ، وَخِنْزِيرٍ)، وَفَرْعُ كُلٍّ مِنْهَا بِخِلَافِ شَعَرِ الثَّلَاثَةِ لِغِلَظِ نَجَاسَتِهَا، وَسَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِ الزَّرْعِ النَّابِتِ فِي النَّجَاسَةِ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ، وَبَيَانُ حُكْمِ حَبَّاتِهِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ (وَ) يُعْفَى (عَنْ كَثِيرِهِ) أَيْ الشَّعَرِ النَّجِسِ (مِنْ مَرْكُوبٍ) لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَخَالَفَ فِيهِ الْقَاضِي فَقَالَ لَوْ رَكِبَ حِمَارًا فَانْتُتِفَ مِنْهُ شَعَرٌ، وَالْتَصَقَ بِثِيَابِهِ فَلَا يُعْفَى إلَّا عَنْ الْيَسِيرِ
(وَلَا يَجِبُ غَسْلُ الْبَيْضَةِ)، وَالْوَلَدِ إذَا خَرَجَا مِنْ فَرْجٍ، وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ، وَذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا رُطُوبَةٌ نَجِسَةٌ (وَلِوَسَخٍ انْفَصَلَ مِنْ حَيَوَانٍ حُكْمُ عَرَقِهِ) طَهَارَةً، وَنَجَاسَةً لِأَنَّهُ عَرَقٌ جَامِدٌ، وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ تَفَقُّهًا بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْمُتَوَلِّي أَنَّ لِذَلِكَ حُكْمُ مَيْتَتِهِ، وَحَمَلَ الْإِسْنَوِيُّ كَلَامَ الْمُتَوَلِّي عَلَى قِطَعٍ تَخْرُجُ مِنْ الْجِلْدِ الْخَشِنِ.
[فَصْلٌ كَثِيرُ الْمَاءِ قُلَّتَانِ]
، وَالْقُلَّةُ لُغَةً الْجَرَّةُ الْعَظِيمَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ الْعَظِيمَ يُقِلُّهَا بِيَدَيْهِ أَيْ يَرْفَعُهَا
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكُمْ فَأَفْتَى بِتَصْوِيبِهِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ تَكَاثَرَتْ الْأَدِلَّةُ عَلَى طَهَارَةِ فَضَلَاتِهِ وَعَدَّ الْأَئِمَّةُ ذَلِكَ فِي خَصَائِصِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا وَقَعَ فِي كُتُبِ كَثِيرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ عَلَى الْقَوْلِ بِالطَّهَارَةِ
(قَوْلُهُ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ تَصْحِيحُ طَهَارَتِهِ إلَخْ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُ كَانَ طَاهِرًا حَالَ الْحَيَاةِ وَمَيْتَةُ الْآدَمِيِّ طَاهِرَةٌ وَالْجُزْءُ الْمُبَانُ مِنْهُ وَلَوْ فِي حَيَاتِهِ طَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ وَلَدَتْ بَغْلًا فَطَاهِرٌ) وَكَذَا لَبَنُ الشَّاةِ أَوْ الْبَقَرَةِ إذَا أَوْلَدَهَا كَلْبٌ أَوْ خِنْزِيرٌ فِيمَا يَظْهَرُ ع قَالَ فِي الْخَادِمِ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ أَمَّا هُمَا فَاللَّبَنُ الْحَاصِلُ مِنْ إحْبَالِهِمَا نَجِسٌ قَطْعًا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ كَفَرْعِهِ، وَقَوْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَقَوْلُهُ قَالَ فِي الْخَادِمِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ.
(قَوْلُهُ الَّتِي لَمْ تُطْعَمْ غَيْرَ اللَّبَنِ طَاهِرَةٌ) وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ بِحَيْثُ يَغْتَذِي أَمْثَالُهَا بِالْحَشِيشِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْمَأْكُولِ إلَخْ) (تَنْبِيهٌ) إنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ جَازَ أَكْلُهُ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ هُنَا فِي تَنْقِيحِهِ) وَكَأَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ د وَأَشَارَ إلَى تَصْحِيحِ مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ هُنَا فِي تَنْقِيحِهِ. (قَوْلُهُ فَالْأَوْجَهُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْتَحِلَّ حَيَوَانًا إلَخْ) جَرَى عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ صَاحِبُ الْبَيَانِ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذَلِكَ فَنَجِسُ الْعَيْنِ كَمَا عُرِفَ مِمَّا مَرَّ)، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقِيَاسُهُ فِي الْقَيْءِ كَذَلِكَ فَتَفَطَّنْ لَهُ حَتَّى لَوْ ابْتَلَعَ مَاءً ثُمَّ أَلْقَاهُ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ وَفَرَّعْنَا عَلَى أَنَّهُ نَجِسٌ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ طَهُرَ بِالْمُكَاثَرَةِ أَنْهَى. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقِيَاسِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِخُرُوجِ الْقَيْءِ عَنْ مُسَمَّى الْمَاءِ بِطُرُقِ الْمُكَاثَرَةِ بِخِلَافِ الْحَبِّ وَمُسْتَقِيمٌ عَلَى التَّفْرِيعِ عَلَى طَهَارَةِ الْقَيْءِ، الثَّانِي أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُخَالِفٌ مَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ نَجِسٌ سَوَاءٌ تَغَيَّرَ أَمْ لَا وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمُتَغَيِّرِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ وَجْهٌ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْخَادِمِ
(قَوْلُهُ وَيُعْفَى عَنْ الْيَسِيرِ عُرْفًا مِنْ شَعْرٍ نَجِسٍ) الرِّيشُ النَّجِسُ كَالشَّعْرِ النَّجِسِ ت
(فَصْلٌ) (كَثِيرُ الْمَاءِ قُلَّتَانِ)
1 / 13
(وَهُمَا) أَيْ الْقُلَّتَانِ (خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا (بَغْدَادِيٍّ تَقْرِيبًا) رَوَى الشَّافِعِيُّ خَبَرَ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» ثُمَّ رُوِيَ عَنْ ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ فَإِذَا الْقُلَّةُ مِنْهَا تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ، وَشَيْئًا أَيْ مِنْ قِرَبِ الْحِجَازِ» فَاحْتَاطَ الشَّافِعِيُّ ﵁ فَحَسِبَ الشَّيْءَ نِصْفًا إذْ لَوْ كَانَ فَوْقَهُ لَقَالَ تَسَعُ ثَلَاثَ قِرَبٍ الْأَشْيَاءُ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فَتَكُونُ الْقُلَّتَانِ خَمْسُ قِرَبٍ.
وَالْغَالِبُ أَنَّ الْقِرْبَةَ لَا تَزِيدُ عَلَى مِائَةِ رِطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ فَالْمَجْمُوعُ بِهِ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ تَقْرِيبًا (فَيُعْفَى عَنْ) نُقَصِّرُ (رِطْلٍ، وَرِطْلَيْنِ) هَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَصُحِّحَ فِي التَّحْقِيقِ مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ نَقْصُ قَدْرٍ لَا يَظْهَرُ بِنَقْصِهِ تَفَاوُتٌ فِي التَّغَيُّرِ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُغَيَّرَةِ (و) مِقْدَارُ الْقُلَّتَيْنِ (بِالْمِسَاحَةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي الْمُرَبَّعِ (ذِرَاعٌ، وَرُبْعٌ طُولًا، وَعَرْضًا، وَعُمْقًا)، وَفِي الْمُدَوَّرِ ذِرَاعَانِ طُولًا، وَذِرَاعٌ عَرْضًا قَالَهُ الْعِجْلِيّ، وَالْمُرَادُ فِيهِ بِالطُّولِ الْعُمْقُ، وَبِالْعَرْضِ مَا بَيْنَ حَائِطَيْ الْبِئْرِ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ، وَالْمُرَادُ بِالذِّرَاعِ فِي الْمُرَبَّعِ ذِرَاعُ الْآدَمِيِّ الْمَذْكُورِ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ شِبْرَانِ تَقْرِيبًا، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ ذِرَاعُ النَّجَّارِ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالذِّرَاعِ مَحْكِيٌّ عِنْدَ الْمُهَنْدِسِينَ، وَأَمَّا فِي الْمُدَوَّرِ فَالْمُرَادُ فِي الطُّولِ ذِرَاعُ النَّجَّارِ الَّذِي هُوَ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ ذِرَاعٌ، وَرُبْعٌ تَقْرِيبًا إذْ لَوْ كَانَ الذِّرَاعُ فِي طُولِهِ، وَطُولِ الْمُرَبَّعِ، وَاحِدًا مِمَّا مَرَّ لَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الطُّولُ فِي الْمُدَوَّرِ ذِرَاعَيْنِ، وَنِصْفًا تَقْرِيبًا إذَا كَانَ الْعَرْضُ ذِرَاعًا.
وَوَجْهُهُ أَنْ يُبَسَّطَ كُلٌّ مِنْ الْعَرْضِ، وَمُحِيطِهِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ، وَسُبْعٌ، وَالطُّولِ أَرْبَاعًا لِوُجُودِ مَخْرَجِهَا فِي مِقْدَارِ الْقُلَّتَيْنِ فِي الْمُرَبَّعِ ثُمَّ يَضْرِبُ نِصْفَ الْعَرْضِ، وَهُوَ اثْنَانِ فِي نِصْفِ الْمُحِيطِ، وَهُوَ سِتَّةٌ، وَسُبْعَانِ يَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ، وَأَرْبَعَةَ أَسْبَاعٍ، وَهُوَ بَسْطُ الْمُسَطَّحِ فَيُضْرَبُ فِي بَسْطِ الطُّولِ، وَهُوَ عَشَرَةٌ يَبْلُغُ مِائَةً، وَخَمْسَةً، وَعِشْرِينَ رُبْعًا يَبْلُغُ مِقْدَارَ مَسْحِ الْقُلَّتَيْنِ فِي الْمُرَبَّعِ، وَهُوَ مِائَةٌ، وَخَمْسَةٌ، وَعِشْرُونَ رُبْعًا مَعَ زِيَادَةِ خَمْسَةِ أَسْبَاعٍ رُبْعٌ، وَبِهَا حَصَلَ التَّقْرِيبُ فَلَوْ كَانَ الذِّرَاعُ فِي طُولِ الْمُدَوَّرِ، وَالْمُرَبَّعُ، وَاحِدٌ، وَطُولُ الْمُدَوَّرِ ذِرَاعَيْنِ لَكَانَ الْحَاصِلُ مِائَةَ رُبْعٍ، وَأَرْبَعَةَ أَسْبَاعِ رُبْعٍ، وَهِيَ أَنْقَصُ مِنْ مِقْدَارِ مَسْحِ الْقُلَّتَيْنِ بِخُمُسٍ تَقْرِيبًا (وَدُونَهُمَا) أَيْ، وَدُونَ الْقُلَّتَيْنِ مِنْ مَاءٍ (قَلِيلٍ فَيُنَجِّسُ) هُوَ (وَرَطْبٌ غَيْرُهُ) كَزَيْتٍ، وَإِنْ كَثُرَ (بِمُلَاقَاةِ نَجَاسَةٍ مُؤَثِّرَةٍ) فِي التَّنْجِيسِ (وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ) بِهَا أَمَّا الْمَاءُ فَلِخَبَرِ مُسْلِمٌ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» نَهَاهُ عَنْ الْغَمْسِ خَشْيَةَ النَّجَاسَةِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا إذَا خَفِيَتْ لَا تُغَيِّرُ الْمَاءَ فَلَوْلَا أَنَّهَا تُنَجِّسُهُ بِوُصُولِهَا لَمْ يَنْهَهُ، وَلِمَفْهُومِ خَبَرِ أَبِي دَاوُد، وَالْحَاكِمِ، وَصَحَّحَهُ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا»، وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ «لَمْ يَنْجُسْ» فَمَعْنَى لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا لَمْ يَقْبَلْهُ، وَمَفْهُومُ الْخَبَرِ مُخَصِّصٌ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ أَنَّهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَاءِ فَبِالْأَوْلَى، وَفَارَقَ كَثِيرُ الْمَاءِ كَثِيرَ غَيْرِهِ بِأَنَّ كَثِيرَهُ قَوِيٌّ، وَيَشُقُّ حِفْظُهُ مِنْ النَّجَسِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَثُرَ، وَخَرَجَ بِالرَّطْبِ الْجَامِدُ الْخَالِي عَنْ رُطُوبَةٍ عِنْدَ الْمُلَاقَاةِ، وَبِالْمُؤَثِّرَةِ غَيْرُهَا مِمَّا يَأْتِي، وَمِمَّا مَرَّ (لَا إنْ شَكَّ فِي قِلَّتِهِ) أَيْ الْمَاءِ فَلَا يَنْجُسُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ، وَشَكَكْنَا فِي نَجَاسَةٍ مُنَجِّسَةٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ هَذَا مَا اخْتَارَهُ، وَصَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهَا بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ، وَآخَرِينَ أَنَّهُ نَجِسٌ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ فَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ نَجِسٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْقِلَّةُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ لَكِنَّ مُدْرِكَهُ قَوِيٌّ.
(وَلَا يَنْجُسُ) الْمَاءُ، وَلَا غَيْرُهُ (بِمَا لَا يُدْرِكُهُ طَرْفٌ) أَيْ بَصَرٌ لِقِلَّتِهِ (كَمَا) أَيْ كَنَجِسٍ (يَحْمِلُهُ ذُبَابٌ) بِرِجْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وُقُوعِهِ فِي مَحَلٍّ، وَاحِدٍ، وَوُقُوعِهِ فِي مَحَالَّ، وَهُوَ قَوِيٌّ لَكِنْ قَالَ الْجَبَلِيُّ صُورَتُهُ أَنْ يَقَعَ فِي مَحَلٍّ، وَاحِدٍ، وَإِلَّا فَلَهُ حُكْمُ مَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَصُحِّحَ فِي التَّحْقِيقِ مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت الْقَوْلُ بِالْأَوَّلِ فِيهِ رُجُوعٌ لِلتَّحْدِيدِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ قُلْت أَجَابَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ بِأَنَّ هَذَا تَحْدِيدٌ غَيْرُ التَّحْدِيدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ ش. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا) أَوْ عُفِيَ عَنْهَا فِي الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ فَمَعْنَى لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا لَمْ يَقْبَلْهُ) أَيْ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمَعْنَى نَحْوُ فُلَانٌ لَا يَحْمِلُ الضَّيْمَ أَيْ لَا يَقْبَلُهُ وَلَا يَلْتَزِمُهُ وَلَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا﴾ [الجمعة: ٥] أَيْ لَمْ يَقْبَلُوا أَحْكَامَهَا وَلَمْ يَلْتَزِمُوهَا بِخِلَافِ حَمْلِ الْجِسْمِ نَحْوُ فُلَانٌ لَا يَحْمِلُ الْحَجَرَ أَيْ لَا يُطِيقُهُ لِثِقَلِهِ وَلَوْ حُمِلَ الْخَبَرُ عَلَى هَذَا لَمْ يَبْقَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْقُلَّتَيْنِ فَائِدَةٌ ش.
(قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ) يُعَضِّدُهُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ مَنْ تَحَقَّقَ النَّوْمَ وَشَكَّ فِي تَمَكُّنِهِ لَمْ يُنْتَقَضْ وَالنَّوْمُ ثَمَّ كَالنَّجَاسَةِ هُنَا وَالتَّمْكِينُ كَالْكَثْرَةِ. (قَوْلُهُ فَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ نَجِسٌ إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ بَلْ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إنْ جَمَعَ شَيْئًا فَشَيْئًا وَشَكَّ فِي وُصُولِهِ قُلَّتَيْنِ فَالْأَصْلُ الْقِلَّةُ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا وَأَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا فَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْكَثْرَةِ، وَإِنْ وَرَدَ شَيْءٌ عَلَى مَا يَحْتَمِلُ الْقِلَّةَ وَالْكَثْرَةَ فَهَذَا مَوْضِعُ التَّرَدُّدِ قُلْت هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ خِلَافُ الصَّوَابِ، وَكَيْفَ يُحْكَمُ بِالنَّجَاسَةِ مَعَ الشَّكِّ، وَكَيْفَ وَقَدْ تَحَقَّقْنَا طَهُورِيَّةَ الْمَاءِ وَشَكَكْنَا فِي زَوَالِهَا وَهَلْ ذَلِكَ إلَّا كَمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ وَمَا تَمَسَّكَ بِهِ أَخَذَهُ مِنْ مَقَالَةٍ ذَكَرَهَا لِلْأَصْحَابِ فِيمَا إذَا شَكَّ الْمَأْمُومُ فِي أَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ مُتَأَخِّرٌ فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي إنْ جَاءَ مِنْ خَلْفِ الْإِمَامِ صَحَّتْ الْقُدْوَةُ وَإِنْ جَاءَ مِنْ قُدَّامِهِ لَمْ تَصِحَّ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَمَا قَالَهُ الْقَاضِي ضَعَّفُوهُ وَهُوَ يُؤَكِّدُ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَتَضْعِيفُ مَا ادَّعَاهُ الْمُعْتَرِضُ صَوَابًا فَوَضَحَ بِذَلِكَ خَطَأُ مَا ادَّعَاهُ
(قَوْلُهُ وَلَا بِمَا لَا يُدْرِكُهُ طَرَفٌ)، قَالَ فِي التَّنْبِيهِ وَإِنْ وَقَعَ فِيمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ مِنْ نَجَاسَةٍ لَا يُدْرِكُهَا الطَّرَفُ لَمْ تُنَجِّسْهُ انْتَهَى، قَالَ ابْنُ الْمُلَقَّنِ قَوْلُهُ وَقَعَ يُفْهَمُ مِنْهُ الْجَزْمُ بِالتَّنْجِيسِ عِنْدَ الطَّرْحِ وَهُوَ قِيَاسٌ نَظِيرُهُ فِي مَيْتَةٍ لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةَ إذَا طُرِحَتْ. (قَوْلُهُ لِقِلَّتِهِ) أَيْ بِحَيْثُ لَوْ خَالَفَتْ لَوْنَهُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ لَمْ يُرَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَهُ حُكْمُ مَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ) وَلَوْ رَأَى قَوِيُّ النَّظَرِ مَا لَا يَرَاهُ غَيْرُهُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَالظَّاهِرُ الْعَفْوُ كَمَا
1 / 14
عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ إشَارَةٌ إلَيْهِ كَذَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَأَقَرَّهُ، وَهُوَ غَرِيبٌ، وَالْأَوْجَهُ تَصْوِيرُهُ بِالْيَسِيرِ عُرْفًا لَا بِوُقُوعِهِ فِي مَحَلٍّ، وَاحِدٍ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ جَارٍ عَلَى الْغَالِبِ بِقَرِينَةِ تَعْلِيلِهِمْ السَّابِقَ قَالَ، وَقِيَاسُ اسْتِثْنَاءِ دَمِ الْكَلْبِ مِنْ يَسِيرِ الدَّمِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ هُنَا مِثْلُهُ.
(وَلَوْ تَنَجَّسَ فَمُ حَيَوَانٍ) طَاهِرٍ، وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ اخْتِلَاطُهُ بِالنَّاسِ كَسَبُعٍ (وَغَابَ) غَيْبَةً (وَأَمْكَنَ) فِيهَا (وُرُودُهُ مَاءً كَثِيرًا ثُمَّ، وَلَغَ فِي طَاهِرٍ) مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَمْ يُنَجِّسْهُ) مَعَ الْحُكْمِ بِنَجَاسَةِ فَمِهِ لِأَنَّا لَا نُنَجِّسُ بِالشَّكِّ، وَفِي ذَلِكَ عَمَلٌ بِالْأَصْلَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وُرُودُهُ مَاءً كَثِيرًا تَنَجَّسَ مَا وَلَغَ فِيهِ لِتَيَقُّنِ نَجَاسَةِ فَمِهِ، وَالِاحْتِرَازُ، وَإِنْ عَسُرَ إنَّمَا يَعْسُرُ عَنْ مُطْلَقِ الْوُلُوغِ لَا عَنْ وُلُوغٍ بَعْدَ تَيَقُّنِ النَّجَاسَةِ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْحَيَوَانِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِالْهِرَّةِ فَغَيْرُ الْهِرَّةِ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ مِثْلُهَا كَمَا قَدَّمْته خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ، وَلِمَا أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيُّ مِنْ تَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِهَا.
(وَلَا يَنْجُسُ) الْمَاءُ (الْكَثِيرُ إلَّا بِتَغَيُّرٍ، وَإِنْ قَلَّ) التَّغَيُّرُ (بِنَجَاسَةٍ مُلَاقِيَةٍ) لَهُ لِلْإِجْمَاعِ الْمُخَصِّصِ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» كَمَا خَصَّصَهُ مَفْهُومُ خَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا أَثَّرَ التَّغَيُّرُ الْقَلِيلُ بِالنَّجَاسَةِ بِخِلَافِهِ فِي الطَّاهِرِ لِغِلَظِ أَمْرِهَا، وَخَرَجَ بِالْمُلَاقِيَةِ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ (لَا بِجِيفَةٍ بِقُرْبِهِ) فَلَا يَنْجُسُ بِتَغَيُّرِهِ بِهَا (وَإِنْ تَغَيَّرَ بَعْضُهُ فَالْمُتَغَيِّرُ كَنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ لَا يَجِبُ التَّبَاعُدُ عَنْهَا بِقُلَّتَيْنِ)، وَالْبَاقِي إنْ قَلَّ فَنَجِسٌ، وَإِلَّا فَطَاهِرٌ، وَفَرَّعَ عَلَى حُكْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ تَبَعًا لِلْمَجْمُوعِ
قَوْلُهُ (فَإِنْ غَرَفَ دَلْوًا مِنْ) مَاءٍ (قُلَّتَيْنِ فَقَطْ، وَفِيهِ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ) لَمْ يَغْرِفْهَا مَعَ الْمَاءِ (فَبَاطِنُ الدَّلْوِ طَاهِرٌ) لِانْفِصَالِ مَا فِيهِ عَنْ الْبَاقِي قَبْلَ أَنْ يَنْقُصَ عَنْ قُلَّتَيْنِ (لَا ظَاهِرُهَا)، وَفِي نُسْخَةٍ لَا ظَاهِرُهُ لِتَنَجُّسِهِ بِالْبَاقِي الْمُتَنَجِّسِ بِالنَّجَاسَةِ لِقِلَّتِهِ فَإِنْ غَرَفَهَا مَعَ الْمَاءِ بِأَنْ دَخَلَتْ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ فِي الدَّلْوِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ، وَالدَّلْوُ يُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ لَكِنَّ التَّأْنِيثَ أَفْصَحُ (وَلَوْ زَالَ التَّغَيُّرُ) الْحِسِّيُّ أَوْ التَّقْدِيرِيُّ يَرَى لِلْمَاءِ (بِنَفْسِهِ) بِأَنْ لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ شَيْءٌ كَأَنْ زَالَ بِطُولِ مَكْثٍ (أَوْ بِمَاءٍ) انْضَمَّ إلَيْهِ أَوْ نَقَصَ مِنْهُ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ (طَهُرَ) لِزَوَالِ سَبَبِ التَّنَجُّسِ، وَلَا يَضُرُّ عَوْدُ تَغَيُّرِهِ إنْ خَلَا عَنْ نَجِسٍ جَامِدٍ قَالَ بَعْضُهُمْ، وَيُعْرَفُ زَوَالُ تَغَيُّرِهِ التَّقْدِيرِيُّ بِأَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ زَمَنٌ لَوْ كَانَ تَغَيُّرُهُ حِسِّيًّا لَزَالَ عَادَةً أَوْ يُضَمُّ إلَيْهِ مَاءٌ لَوْ ضُمَّ إلَى الْمُتَغَيِّرِ حِسًّا لَزَالَ تَغَيُّرُهُ.
وَذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ بِجَنْبِهِ غَدِيرٌ فِيهِ مَاءٌ مُتَغَيِّرٌ فَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ أَوْ بِمَاءٍ صُبَّ عَلَيْهِ فَيُعْلَمُ أَنَّ هَذَا أَيْضًا زَالَ تَغَيُّرُهُ (لَا) إنْ زَالَ حِسًّا (بِعَيْنٍ سَاتِرَةٍ) لَهُ (كَالتُّرَابِ)، وَالْجِصِّ فَلَا يَطْهُرُ لِلشَّكِّ فِي أَنَّ التَّغَيُّرَ زَالَ أَوْ اسْتَتَرَ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتَتَرَ، وَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ إنْ صَفَا الْمَاءُ، وَلَمْ يَبْقَ تَغَيُّرٌ أَوْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِمُجَاوِرٍ طَهُرَ، وَبِالْأَوَّلِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَبِالثَّانِي الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ.
(فَرْعٌ لَوْ كَثُرَ)، وَلَوْ بِإِيرَادِ طَهُورِ مَاءٍ (قَلِيلٍ) أَيْ دُونَ قُلَّتَيْنِ مُتَنَجِّسٍ (لَمْ يَطْهُرْ حَتَّى يَبْلُغَهُمَا بِالْمَاءِ) لِأَنَّهُ قَلِيلٌ فِيهِ نَجَاسَةٌ، وَلِمَفْهُومِ خَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ فَإِنْ بَلَغَهُمَا بِالْمَاءِ (وَلَوْ مُسْتَعْمَلًا، وَمُتَنَجِّسًا) طَهُرَ (لَا) إنْ بَلَغَهُمَا (بِمَائِعٍ) آخَرَ فَلَا يَطْهُرُ (وَإِنْ اسْتَهْلَكَ) فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمَا بِالْمَاءِ الْمَعْلُومِ اعْتِبَارًا مِنْ خَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ، وَإِبَاحَةِ التَّطَهُّرِ بِالْجَمِيعِ حَيْثُ لَا نَجَاسَةَ لِاسْتِهْلَاكِ الْمَائِعِ فِيهِ لَا لِأَنَّهُ صَارَ مَاءً فَإِنْ قُلْت لِمَ جَعَلَ الْمُسْتَهْلَكَ كَالْمَاءِ فِي إبَاحَةِ التَّطَهُّرِ بِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ كَذَلِكَ فِي دَفْعِ النَّجَاسَةِ عَنْ نَفْسِهِ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ قُلْت لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الدَّفْعِ، وَالْأَوَّلُ مِنْ بَابِ الرَّفْعِ، وَالدَّفْعُ أَقْوَى مِنْ الرَّفْعِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدَّافِعُ أَقْوَى مِنْ الرَّافِعِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
فِي سَمَاعِ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ ش (قَوْلُهُ وَقِيَاسُ اسْتِثْنَاءِ دَمِ الْكَلْبِ مِنْ يَسِيرِ الدَّمِ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ وَهُوَ مَشَقَّةُ الِاحْتِرَازِ هُنَا بِخِلَافِهِ.
ثُمَّ (قَوْلُهُ وَأَمْكَنَ وُرُودُهُ مَاءً كَثِيرًا إلَخْ) وَاسْتَشْكَلَ إمْكَانُ طُهْرِ فَمِهَا بِإِمْكَانِ مُطْلَقِ وُلُوغِهَا بِأَنَّهَا لَا تَعُبُّ الْمَاءَ بَلْ تَلْعَقُهُ بِلِسَانِهَا وَهُوَ قَلِيلٌ فَيَتَنَجَّسُ وَأُجِيبَ بِمَنْعِ تَنَجُّسِهِ لِوُرُودِهِ عَلَى لِسَانِهَا كَوُرُودِهِ عَلَى جَوَانِبِ الْإِنَاءِ النَّجِسِ ش وَكَتَبَ الشَّيْخِ وَاحْتِمَالُ طَهَارَةِ فَمِ الْهِرَّةِ بِأَنْ تَكُونَ وَضَعَتْ جَمِيعَ فَمِهَا فِي الْمَاءِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَوْ بِأَنَّ الَّذِي يُلَاقِي الْمَاءَ مِنْ فَمِهَا وَلِسَانِهَا يَطْهُرُ بِالْمُلَاقَاةِ وَمَا يُلَاقِيه يَطْهُرُ بِإِجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَلَا يَضُرُّنَا قِلَّتُهُ لِأَنَّهُ وَارِدٌ فَهُوَ كَالصَّبِّ مِنْ إبْرِيقٍ وَنَحْوِهِ
(قَوْلُهُ وَلَا يَنْجُسُ الْمَاءُ الْكَثِيرُ إلَّا بِتَغَيُّرٍ إلَخْ) فَلَوْ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ مُتَغَيِّرٍ بِالْمُكْثِ وَلَوْ تُؤَثِّر تَغْيِيرًا قُدِّرَ زَوَالُ أَثَرِ الْمُكْثِ فَإِنْ فُرِضَ تَغَيُّرُهُ بِهَا حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ فِي الذَّخَائِرِ
(قَوْلُهُ انْعَكَسَ الْحُكْمُ) فَإِنْ قَطَرَ فِي الْبَاقِي مِنْ بَاطِنِهِ قَطْرَةً تَنَجَّسَ أَوْ مِنْ ظَاهِرِهِ أَوْ شَكَّ فَلَا وَإِنْ نَزَلَتْ بَعْدَ الْمَاءِ فَالْمَاءَانِ نَجِسَانِ. (قَوْلُهُ كَأَنْ زَالَ) بِطُولِ مُكْثٍ أَوْ هُبُوبِ رِيحٍ. (قَوْلُهُ لِزَوَالِ سَبَبِ التَّنَجُّسِ) وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ الْعِلَّةَ وَالْعِلَّةُ أَنَّ الْقَلِيلَ لَا يَطْهُرُ بِانْتِفَاءِ تَغَيُّرِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ تَغَيُّرُهُ بِمَيِّتٍ لَا يَسِيلُ دَمُهُ أَوْ نَحْوُهُ مِمَّا يُعْفَى عَنْهُ ش وَقَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَيُعْلَمُ أَنَّ هَذَا أَيْضًا زَالَ تَغَيُّرُهُ) قِيلَ مَا أَطْلَقُوهُ وَمِنْ عَوْدِ الطَّهُورِيَّةِ بِزَوَالِ التَّغَيُّرِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْوَاقِعِ مُخَالِفًا فَإِنْ غُيِّرَ بِالتَّقْدِيرِ ضَرَّ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الْوَاقِعِ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ وَقَدْ ذَكَرُوا فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلَ وَهَذَا أَوْلَى وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ كَانَتْ مَوْجُودَةً بِخِلَافِ الْوَاقِعِ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ فَاحْتِيجَ هُنَاكَ إلَى التَّقْدِيرِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. (قَوْلُهُ، وَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَصْفَى الْمَاءَ إلَخْ) وَكَذَلِكَ لَوْ زَالَتْ رَائِحَةُ الْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ وَزَالَ تَغَيُّرُ الْمَاءِ بِالنَّجَاسَةِ ت.
(قَوْلُهُ وَبِالثَّانِي الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ) لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ وَيَرُدُّهُ تَعْلِيلُ الْأَصْحَابِ فَإِنَّهُمْ عَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الرَّائِحَةَ تَسْتُرُ النَّجَاسَةَ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْمُخَالِطِ وَالْمُجَاوِرِ فَلَا مَعْنَى لِمَا ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارًا لَهُ فَلَا يَتْرُكُ الْمَذْهَبَ عَلَى اخْتِيَارِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْقَفَّالِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَرَوَّحْ الْمَاءُ بِرَائِحَةِ الْعُودِ أَوْ كَانَ الْعُودُ مُنْقَطِعَ الرَّائِحَةِ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا فَهِمَهُ هُوَ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ تَرَوَّحَ الْمَاءُ بِجِيفَةٍ بِقُرْبِهِ فَزَالَتْ رِيحُ النَّجَاسَةِ الْوَاقِعَةِ فِيهِ أَنْ يَطْهُرَ وَهُوَ بَعِيدٌ ت.
(قَوْلُهُ لَمْ يَطْهُرْ حَتَّى يَبْلُغَهُمَا بِالْمَاءِ) لَوْ وُضِعَ فِي الْقَلِيلِ الْمُتَنَجِّسِ مِلْحٌ مَائِيٌّ فَذَابَ حَتَّى بَلَغَ بِهِ قُلَّتَيْنِ كَانَ كَمَا لَوْ كَمَّلَ بِالْمَاءِ ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ (قَوْلُهُ قُلْت لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الدَّفْعِ إلَخْ) فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا بِمَا حَاصِلُهُ مَعَ التَّوْضِيحِ
1 / 15
وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ يَجُوزُ التَّطَهُّرُ بِهِ، وَلَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ النَّجَاسَةَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحُكْمِ بِتَنَجُّسِهِ أَنَّهُ لَوْ انْغَمَسَ فِيهِ جُنُبٌ صَارَ مُسْتَعْمَلًا لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ لَا يَدْفَعُ الِاسْتِعْمَالَ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ (وَيَكْفِي الضَّمُّ، وَإِنْ لَمْ يَمْتَزِجْ صَافٍ بِكَدِرٍ) لِحُصُولِ الْقُوَّةِ بِالضَّمِّ لَكِنْ إنْ انْضَمَّا بِفَتْحِ حَاجِزٍ اُعْتُبِرَ اتِّسَاعُهُ، وَمُكْثُهُ زَمَنًا يَزُولُ فِيهِ التَّغَيُّرُ لَوْ كَانَ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ الْآتِيَةِ (وَلَا يَضُرُّ تَفْرِيقٌ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الضَّمِّ.
(وَلَوْ غُمِسَ كُوزُ مَاءٍ، وَاسِعِ الرَّأْسِ فِي مَاءٍ كَمَّلَهُ قُلَّتَيْنِ، وَسَاوَاهُ) بِأَنْ كَانَ الْإِنَاءُ مُمْتَلِئًا أَوْ امْتَلَأَ بِدُخُولِ الْمَاءِ فِيهِ (وَمَكَثَ قَدْرًا يَزُولُ فِيهِ تَغَيُّرٌ لَوْ كَانَ)، وَأَحَدُ الْمَاءَيْنِ نَجِسٌ أَوْ مُسْتَعْمَلٌ (طَهُرَ) لِأَنَّ تَقَوِّي أَحَدِ الْمَاءَيْنِ بِالْآخَرِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ ضَيِّقَ الرَّأْسِ أَوْ، وَاسِعَهُ بِحَيْثُ يَتَحَرَّك مَا فِيهِ بِتَحَرُّكِ الْآخَرِ تَحَرُّكًا عَنِيفًا لَكِنْ لَمْ يَكْمُلْ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ كَمُلَ لَكِنْ لَمْ يَمْكُثْ زَمَنًا يَزُولُ فِيهِ التَّغَيُّرُ لَوْ كَانَ أَوْ مَكَثَ لَكِنْ لَمْ يُسَاوِهِ الْمَاءُ (فَلَا) يَطْهُرُ فَأَفَادَ قَوْلُهُ وَسَاوَاهُ أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ يَدْخُلُ فِي الْإِنَاءِ لَمْ يَطْهُرْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَكَلَامُهُ أَعَمُّ مِنْ كَلَامِ أَصْلِهِ كَمَا يُعْلَمُ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ.
(وَلَا يَنْجُسُ أَسْفَلُ مَا يَفُورُ بِتَنَجُّسِ أَعْلَاهُ) كَعَكْسِهِ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ، وَذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَكَذَا الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الصَّيْدِ، وَلَوْ وُضِعَ كُوزٌ عَلَى نَجَاسَةٍ، وَمَاؤُهُ خَارِجٌ مِنْ أَسْفَلِهِ لَمْ يَنْجُسْ مَا فِيهِ مَا دَامَ يَخْرُجُ فَإِنْ تَرَاجَعَ تَنَجَّسَ كَمَا لَوْ سَدَّ بِنَجِسٍ
[فَرْعٌ إذْ قَلَّ مَاءُ الْبِئْرِ وَتَنَجَّسَ]
(فَرْعٌ إذْ قَلَّ مَاءُ الْبِئْرِ، وَتَنَجَّسَ لَمْ يَطْهُرْ بِالنَّزَحِ بَلْ بِالتَّكْثِيرِ) كَأَنْ يُتْرَكَ أَوْ يَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ لِيَكْثُرَ قَالَ فِي الْأَصْلِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُنْزَحَ لِيَنْبُعَ الْمَاءُ الطَّهُورُ، بَعْدَهُ لِأَنَّهُ، وَإِنْ نُزِحَ فَقَعْرُ الْبِئْرِ يَبْقَى نَجِسًا، وَقَدْ تُنَجَّسُ جُدْرَانُ الْبِئْرِ أَيْضًا بِالنَّزَحِ. (وَإِنْ كَثُرَ) الْمَاءُ (وَتَمَعَّطَ فِيهِ فَأْرَةٌ) مَثَلًا عِبَارَةُ الْأَصْلِ، وَتَفَتَّتَ فِيهِ شَيْءٌ نَجِسٌ كَفَأْرَةٍ تَمَعَّطَ شَعْرُهَا (وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَهُوَ طَاهِرٌ) بِمَعْنَى طَهُورٍ (تَعَذَّرَ)، وَفِي نُسْخَةٍ لَكِنْ يَتَعَذَّرُ (اسْتِعْمَالُهُ) بِاغْتِرَافِ شَيْءٌ مِنْهُ بِدَلْوٍ أَوْ نَحْوِهَا (إذْ لَا يَخْلُو دَلْوٌ)، وَفِي نُسْخَةٍ كُلُّ دَلْوٍ (مِنْهُ) أَيْ مِمَّا تَمَعَّطَ (فَلْيَنْزِحْ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ خُرُوجُهُ فِيهِ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَقَى الْمَاءُ كُلُّهُ لِيَخْرُجَ الشَّعْرُ مَعَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ فَوَّارَةً، وَتَعَذَّرَ نَزْحُ الْجَمِيعِ نَزَحَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الشَّعْرَ كُلَّهُ خَرَجَ مَعَهُ (فَإِنْ اغْتَرَفَ قَبْلَ النَّزَحِ، وَلَمْ يَتَيَقَّنْ) فِيمَا اغْتَرَفَهُ (شَعْرًا لَمْ يَضُرَّ)، وَإِنْ ظَنَّهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ عَمَلًا بِتَقْدِيمِ الْأَصْلِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعَذُّرِ فِيمَا مَرَّ التَّعَسُّرُ.
[فَصْلٌ الْمَاءُ الْجَارِي]
(فَصْلٌ) الْمَاءُ (الْجَارِي)، وَهُوَ مَا يَجْرِي فِي مُسْتَوٍ أَوْ مُنْخَفِضٍ (مُتَفَاصِلٌ) جَرَيَانُهُ حُكْمًا، وَإِنْ اتَّصَلَتْ حِسًّا إذْ كُلُّ جَرْيَةٍ طَالِبَةٌ لِمَا أَمَامَهَا هَارِبَةٌ عَمَّا خَلْفَهَا (، وَالْمُتَغَيِّرُ مِنْهُ بِنَجَاسَةٍ) مُلَاقِيَةٍ لَهُ (كَنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ) فِي حُكْمِهَا (، وَالْجَامِدَةُ إنْ جَرَتْ بِجَرْيِهِ) بِهَاءِ الضَّمِيرِ أَوْ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ أَيْ بِجَرْيِ الْمَاءِ أَوْ بِجَرْيِهِ مِنْ جَرَيَانِهِ (فَمَا قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ جَرْيَةِ النَّجَاسَةِ (وَ) مَا (بَعْدَهَا) مِنْ الْجِرْيَات (طَاهِرٌ، وَجَرْيَةُ النَّجَاسَةِ، وَهِيَ قَدْرُهَا) أَيْ النَّجَاسَةِ (فِي عَرْضِ النَّهْرِ لَهَا حُكْمُ الرَّاكِدِ) فِيمَا مَرَّ فَيُنْتَظَرُ (إنْ بَلَغَتْ قُلَّتَيْنِ فَطَاهِرَةٌ) مُطَهِّرَةٌ (وَلَا يُشْتَرَطُ تَبَاعُدٌ) عَنْ النَّجَاسَةِ بِقُلَّتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْهُمَا فَتُنَجِّسُهُ (وَلِلْجَرْيَةِ الثَّانِيَةِ و) لِلْجَرْيَاتِ (السَّبْعِ إنْ كَانَتْ) أَيْ النَّجَاسَةُ (كَلْبِيَّةً حُكْمُ الْغُسَالَةِ) الْآتِي بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي (لِأَنَّهَا تَغْسِلُ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ فِي طُولِ النَّهْرِ) التَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ، وَتَفْسِيرُهُ الْجَرْيَةُ مِنْ زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ، وَهِيَ قَدْرُهَا فِي عَرْضِ النَّهْرِ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ الْمُتَوَلِّي هِيَ الْقَدْرُ الْمُقَابِلُ لِحَافَّتَيْ النَّجَاسَةِ إلَى حَافَّتَيْ النَّهْرِ، وَقَدْ بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ، وَهُوَ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْمَشْهُورِ قَاصِرٌ عَلَى جَرْيَةِ النَّجَاسَةِ، وَالْمَشْهُورُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا الدَّفْعَةُ بَيْنَ حَافَّتَيْ النَّهْرِ عَرْضًا.
(وَإِنْ وَقَعَتْ)
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
وَالتَّنْقِيحِ إنَّ دَفْعَ النَّجَاسَةِ مَنُوطٌ بِبُلُوغِ الْمَاءِ قُلَّتَيْنِ وَمَعْرِفَةُ بُلُوغِ الْمَاءِ قُلَّتَيْنِ مُمْكِنَةٌ مَعَ الِاخْتِلَاطِ وَالِاسْتِهْلَاكِ وَرَفْعُ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ مَنُوطٌ بِاسْتِعْمَالِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ وَمَعَ الِاسْتِهْلَاكِ الْإِطْلَاقُ ثَابِتٌ وَاسْتِعْمَالُ الْخَالِصِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَكْلِيفٌ وَاكْتَفَى بِالْإِطْلَاقِ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ ضَيِّقَ الرَّأْسِ إلَخْ) وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ مَكَثَ الضَّيِّقُ وَفِيهِ مَاءٌ مُتَغَيِّرٌ حَتَّى انْتَفَى تَغَيُّرُهُ لَمْ يَطْهُرْ وَوَجْهُهُ عَدَمُ تَرَادِّ الْمَاءِ وَانْعِطَافِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ لِزَوَالِ الْعِلَّةِ مَعَ وُجُودِ الِاتِّصَالِ صُورَةً ش
١ -
(مَسْأَلَةٌ) لَوْ وَقَعَتْ قَطْرَةُ نَجَاسَةٍ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا بِمَاءٍ كَثِيرٍ دُونَ قُلَّتَيْنِ تَنَجَّسَ الْكُلُّ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ تَغْلِيبُ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ عَلَى الْمُفْسِدَةِ الْمَرْجُوحَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ غَلَبَ دَرْءُ الْمَفْسَدَةِ بِالتَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ
١ -
(فَرْعٌ) شَخْصٌ يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ بَوْلٍ لِيَتَطَهَّرَ مِنْهُ فِي وُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ وَإِزَالَةِ نَجَاسَتِهِ وَصُورَتُهُ فِي جَمَاعَةٍ مَعَهُمْ قُلَّتَانِ فَصَاعِدًا مِنْ الْمَاءِ وَذَلِكَ لَا يَكْفِيهِمْ لِطَهَارَتِهِمْ وَلَوْ كَمَّلُوهُ بِبَوْلٍ وَقَدَّرُوهُ مُخَالِفًا لِلْمَاءِ فِي أَشَدِّ الصِّفَاتِ لَمْ يُغَيِّرْهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْخَلْطُ عَلَى الصَّحِيحِ وَيَسْتَعْمِلُونَ جَمِيعَهُ
(فَصْلٌ الْمَاءُ الْجَارِي مُتَفَاصِلٌ) .
(قَوْلُهُ وَلِلْجَرْيَةِ الثَّانِيَةِ وَالسَّبْعِ إنْ كَانَتْ كَلْبِيَّةً حُكْمُ الْغُسَالَةِ) وَغُسَالَةُ النَّجَاسَةِ إنْ كَانَتْ قُلَّتَيْنِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ مُطَهِّرَةٌ وَإِنْ كَانَتْ دُونَهَا فَهِيَ طَاهِرَةٌ غَيْرُ مُطَهِّرَةٍ. (قَوْلُهُ هِيَ الْقَدْرُ الْمُقَابِلُ لِحَافَّتَيْ النَّجَاسَةِ إلَخْ) وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْوَسِيطِ وَالْغَايَةِ الْقُصْوَى وَالْيَنَابِيعِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي الْعُجَابِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ فِيمَا إذَا لَمْ تَزِدْ النَّجَاسَةُ عَلَى الدَّفْعَةِ بَيْنَ حَافَّتَيْ النَّهْرِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا زَادَتْ عَلَيْهَا فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ رَأَيْت الْغَزِّيِّ قَالَ عِبَارَةُ بَعْضِهِمْ الْجَرْيَةُ مَا يُقَابِلُ جَانِبَيْ النَّجَاسَةِ إلَى حَافَّتَيْ النَّهْرِ وَهَذَا فِي الْجَامِدَةِ أَمَّا الْمَائِعَةُ فَتُعْتَبَرُ الدَّفْعَةُ مِنْ الْمَاءِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ) وَبَيَّنَهُ قُطْبُ الدِّينِ الرَّازِيّ بِأَنْ يَفْرِضَ خَطَّانِ مُسْتَقِيمَانِ مِنْ حَافَّتَيْ النَّجَاسَةِ وَيَخْرُجَانِ إلَى حَافَّتَيْ النَّهْرِ فَمَا بَيْنَ الْخَطَّيْنِ هُوَ الْجَرْيَةُ، قَالَ وَهُوَ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ لِاخْتِلَافِهَا بِحَسَبِ غِلَظِ النَّجَاسَةِ وَرِقَّتِهَا وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَعُودَ الطَّهَارَةُ لَوْ زِيدَتْ النَّجَاسَةُ وَمَا قَالَهُ مِنْ اللُّزُومِ لَا مَحْذُورَ فِيهِ فَإِنَّ الْمَاءَ إذَا زَادَ بِزِيَادَةِ النَّجَاسَةِ حَتَّى بَلَغَ قُلَّتَيْنِ عَادَتْ طَهَارَتُهُ ش. (قَوْلُهُ أَنَّهَا الدَّفْعَةُ بَيْنَ حَافَّتَيْ النَّهْرِ عَرْضًا) وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يَرْتَفِعُ وَيَنْخَفِضُ مِنْ الْمَاءِ
1 / 16
أَيْ النَّجَاسَةُ أَوْ كَانَ جَرْيُ الْمَاءِ أَسْرَعَ (وَالْجَرْيَةُ) أَيْ، وَكُلُّ جَرْيَةٍ تَمُرُّ عَلَيْهَا (قَلِيلَةٌ تُنَجِّسُ مَا مَرَّ عَلَيْهَا) مِنْ ذَلِكَ (وَإِنْ امْتَدَّ فَرَاسِخَ)، وَبَلَغَ قِلَالًا لِمَا مَرَّ أَنَّ الْجَرْيَاتِ مُتَفَاصِلَةٌ حُكْمًا فَلَا يَتَقَوَّى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ بِخِلَافِ الرَّاكِدِ، وَالْجَرْيَةُ إذَا بَلَغَ كُلٌّ مِنْهُمَا قُلَّتَيْنِ، وَيُعْرَفُ كَوْنُ الْجَرْيَةِ قُلَّتَيْنِ بِطَرِيقٍ ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ (وَإِنْ كَانَ أَمَامَ الْجَارِي ارْتِفَاعٌ يَرُدُّهُ فَلَهُ حُكْمُ الرَّاكِدِ) هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ، وَذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَفِيهِ، وَلَوْ كَانَ فِي، وَسَطِ النَّهْرِ حُفْرَةٌ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ نَقْلًا عَنْ النَّصِّ لَهَا حُكْمُ الرَّاكِدِ، وَإِنْ جَرَى الْمَاءُ فَوْقَهَا قَالَ الْغَزَالِيُّ، وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْجَارِي يَغْلِبُ مَاءَهَا، وَيُبَدِّلُهُ فَلَهُ حُكْمُ الْجَارِي أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ يَلْبَثُ فِيهَا قَلِيلًا ثُمَّ يُزَايِلُهَا فَلَهُ فِي وَقْتِ اللُّبْثِ حُكْمُ الرَّاكِدِ، وَكَذَا إنْ كَانَ لَا يَلْبَثُ، وَلَكِنْ تَتَثَاقَلُ حَرَكَتُهُ فَلَهُ فِي وَقْتِ التَّثَاقُلِ حُكْمُ الْمَاءِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ارْتِفَاعٌ.
(وَإِنْ كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرٍ) مَاؤُهَا قَلِيلٌ (فَخَرَجَ مِنْهَا دَجَاجَةٌ) مَثَلًا مَيِّتَةٌ (مُنْتَفِخَةٌ)، وَدَالُهَا مُثَلَّثَةٌ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ (أَعَادَ) مِنْ صَلَاتِهِ (مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّاهُ بِالنَّجَسِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ اسْتِعْمَالُ النَّجَسِ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَفِيهِ نَظَرٌ قُلْت الْأَوْجَهُ عَدَمُ لُزُومِهَا أَخْذًا مِمَّا قَدَّمْته قُبَيْلَ الْفَصْلِ، وَوَصَفْت الدَّجَاجَةَ بِالِانْتِفَاخِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَقَادُمِ مَوْتِهَا مَعَ أَنَّ ذِكْرَهُ مِثَالٌ لَا تَقْيِيدٌ.
[فَرْعٌ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ فَلَمْ تُغَيِّرْهُ فِي الْحَالِ وَتَغَيَّرَ بَعْدَ مُدَّةٍ]
(فَرْعٌ) لَوْ، وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ فَلَمْ تُغَيِّرْهُ فِي الْحَالِ، وَتَغَيَّرَ بَعْدَ مُدَّةٍ قَالَ ابْنُ كَجٍّ رَجَعْنَا إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَإِنْ قَالُوا تَغَيَّرَ بِهَا حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ، وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَمْ أَرَ مَا يُوَافِقُهُ، وَلَا مَا يُخَالِفُهُ قُلْت نُقِلَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الدَّارِمِيِّ مَا يُخَالِفُهُ لَكِنَّهُ نَظَرَ فِيهِ، وَبَيَّنْته فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ قَالَ أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ، وَإِذَا كَانَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ يَعْرِفُونَ التَّغَيُّرَ النَّاشِئَ عَنْ النَّجَاسَةِ، وَغَيْرِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُرْجَعَ إلَيْهِمْ فِيمَا سَيَأْتِي فِي بَوْلِ الظَّبْيَةِ.
(بَابُ) بَيَانِ (إزَالَةِ النَّجَاسَةِ)
تَجِبُ إزَالَتُهَا لِلصَّلَاةِ، وَنَحْوِهَا كَمَا سَيَأْتِي (وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ) لِأَنَّهَا تَرْكٌ كَتَرْكِ الزِّنَا، وَالْغَصْبِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، وَالصَّلَاةِ، وَنَحْوِهِمَا، وَالصَّوْمِ لِكَوْنِهِ كَفًّا مَقْصُودًا لِقَمْعِ الشَّهْوَةِ، وَمُخَالَفَةِ الْهَوَى الْتَحَقَ بِالْفِعْلِ، وَلَمَّا كَانَ لِلذَّكَاةِ شَبَهٌ مَا بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ ذَكَرَ هُنَا حُكْمَهَا الْمُنَاسِبَ لِذَلِكَ فَقَالَ (الذَّكَاةُ) أَيْ الْآتِي بَيَانُهَا فِي مَحَلِّهَا (تَحْفَظُ طَهَارَةَ الْمَأْكُولِ) حَتَّى جِلْدَهُ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ حِلِّ أَكْلِهِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ طَهَارَةِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ، وَفِي نُسْخَةٍ طَهَارَةِ جِلْدِ الْمَأْكُولِ، وَيَلْزَمُهَا إيهَامُ نَجَاسَةِ غَيْرِ الْجِلْدِ، وَعَدَمُ الْوَفَاءِ بِمَا فِي الْأَصْلِ (وَالدِّبَاغُ) بِمَعْنَى الِانْدِبَاغِ (وَلَوْ بِإِلْقَاءِ الرِّيحِ) لِمَا يُدْبَغُ فِيمَا يُدْبَغُ بِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ (بِحِرِّيفٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ (نَازِعٌ لِلْفُضُولِ بِحَيْثُ لَا يُفْسِدُهُ) أَيْ لَا يُنْتِنُهُ مَا يَقَعُ هُوَ فِيهِ. (وَلَوْ) كَانَ الِانْدِبَاغُ (بِنَجِسٍ كَذَرْقِ حَمَامٍ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ (وَبِغَيْرِ مَاءٍ) فِي أَثْنَاءِ الدِّبَاغِ (لَا بِتَمْلِيحٍ، وَتَشْمِيسٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى بِحِرِّيفٍ (يُطَهِّرُ) أَيْ الِانْدِبَاغُ (جِلْدَ غَيْرِ كَلْبٍ، وَخِنْزِيرٍ، وَفَرْعِهِمَا) أَيْ فَرْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ غَيْرِهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ»، وَخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «أَنَّهُ ﷺ قَالَ فِي شَاةٍ مَيِّتَةٍ لَوْ أَخَذْتُمْ إهَابَهَا قَالُوا إنَّهَا مَيِّتَةٌ فَقَالَ يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ، وَالْقَرْظُ»، وَقِيسَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحَالَةُ مِنْ طَاهِرٍ، وَنَجِسٍ بِخِلَافِ الْمِلْحِ، وَالشَّمْسِ، وَنَحْوِهِمَا إذْ لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ، وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ نَازَعَ إلَخْ فَقَوْلُهُ لَا بِتَمْلِيحٍ، وَتَشْمِيسٍ إيضَاحٌ، وَلِكَوْنِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
عِنْدَ تَمَوُّجِهِ ش.
(قَوْلُهُ بِطَرِيقٍ ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ) بِأَنْ يَمْسَحَا وَيُجْعَلُ الْحَاصِلُ مِيزَانًا ثُمَّ يُؤْخَذُ قَدْرُ عُمْقِ الْجَرْيَةِ وَيُضْرَبُ فِي قَدْرِ طُولِهَا ثُمَّ الْحَاصِلُ فِي قَدْرِ عَرْضِهَا بَعْدَ بَسْطِ الْأَقْدَارِ مِنْ مَخْرَجِ الرُّبْعِ لِوُجُودِهِ فِي مِقْدَارِ الْقُلَّتَيْنِ فِي الْمُرَبَّعِ فَمَسْحُ الْقُلَّتَيْنِ بِأَنْ تَضْرِبَ ذِرَاعًا وَرُبْعًا طُولًا فِي مِثْلِهِمَا عَرْضًا فِي مِثْلِهِمَا عُمْقًا يَحْصُلُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَهِيَ الْمِيزَانُ فَلَوْ كَانَ عُمْقُ الْجَرْيَةِ ذِرَاعًا وَنِصْفًا وَطُولُهَا كَذَلِكَ فَابْسُطْ كُلًّا مِنْهُمَا أَرْبَاعًا تَكُنْ سِتَّةً وَاضْرِبْ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ يَحْصُلُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ اضْرِبْهَا فِي قَدْرِ عَرْضِهَا بَعْدَ بَسْطِهِ أَرْبَاعًا فَإِنْ كَانَ ذِرَاعًا فَالْحَاصِلُ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ فَالْجَرْيَةُ قُلَّتَانِ وَأَكْثَرُ وَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ ذِرَاعٍ فَالْحَاصِلُ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ فَلَيْسَتْ الْجَرْيَةُ قُلَّتَيْنِ ش. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَمَامَ الْجَارِيَ إلَخْ)، قَالَ فِي الْوَسِيطِ الْحَوْضُ إذَا كَانَ يَجْرِي الْمَاءُ فِي وَسَطِهِ وَطَرَفَاهُ رَاكِدَانِ فَلِلطَّرَفَيْنِ حُكْمُ الرَّاكِدِ وَلِلْمُتَحَرِّكِ حُكْمُ الْجَارِي فَلَوْ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي الْجَارِي فَلَا يَنْجُسُ الرَّاكِدُ إذَا لَمْ نُوجِبْ التَّبَاعُدَ وَإِنْ كَانَ الْجَارِي قَلِيلًا فَإِنْ وَقَعَتْ فِي الرَّاكِدِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ نَجِسٌ وَالْجَارِي تَلَاقَى جَرَيَانُهُ مَاءً نَجِسًا فَإِنْ كَانَ يَخْتَلِطُ بِهِ مَا يُغَيِّرُهُ لَوْ خَالَفَهُ لَوْنُهُ نَجَّسَهُ. اهـ.
(فَرْعٌ) إنَاءٌ لَطِيفٌ فِيهِ مَاءٌ تَوَضَّأَ مِنْهُ إنْسَانٌ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَصَحَّ وُضُوءُهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ مِنْهُ لِلظُّهْرِ فَلَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ مِنْهُ لِصُبْحِ الْيَوْمِ الثَّانِي تَنَجَّسَتْ أَعْضَاؤُهُ وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ شَيْءٌ بَعْدَ الْوُضُوءِ الْأَوَّلِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهِ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا وَمَاءً فَهُوَ عِنْدَ الصُّبْحِ مُتَغَيِّرٌ تَغْيِيرًا يَسِيرًا وَعِنْدَ الظُّهْرِ مُتَغَيِّرٌ تَغْيِيرًا كَثِيرًا وَعِنْدَ الصُّبْحِ الثَّانِي صَارَ مُسْكِرًا
[بَابُ بَيَانِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ]
(بَابُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ) .
النَّجَاسَاتُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا قِسْمٌ لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الثَّوْبِ وَالْمَاءِ وَقِسْمٌ يُعْفَى عَنْهُ فِيهِمَا وَقِسْمٌ يُعْفَى عَنْهُ فِي الثَّوْبِ دُونَ الْمَاءِ وَقِسْمٌ بِالْعَكْسِ فَالْأَوَّلُ مَعْرُوفٌ وَالثَّانِي مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ يُعْفَى عَنْهُ فِي الْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَالثَّالِثُ قَلِيلُ الدَّمِ يُعْفَى عَنْهُ فِي الثَّوْبِ دُونَ الْمَاءِ وَفَرَّقَ الْعِمْرَانِيُّ بَيْنَهُمَا بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَاءَ يُمْكِنُ صَوْنُهُ بِخِلَافِ الثَّوْبِ الثَّانِي إنْ غُسِلَ الثَّوْبُ كُلَّ سَاعَةٍ يَقْطَعُهُ بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِغَيْرِ الْغُسْلِ بِالْمُكَاثَرَةِ وَالرَّابِعُ الْمَيْتَةُ الَّتِي لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ يُعْفَى عَنْهَا فِي الْمَاءِ وَلَا يُعْفَى عَنْهَا فِي الثَّوْبِ حَتَّى لَوْ صَلَّى حَامِلًا لَهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَأَثَرُ التَّجَمُّرِ يُعْفَى عَنْهُ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ حَتَّى لَوْ سَالَ مِنْهُ عَرَقٌ وَأَصَابَ الثَّوْبَ عُفِيَ عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ دُونَ الْمَاءِ عَكْسَ مَنْفَذِ الطَّائِرِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ وَوَقَعَ فِي الْمَاءِ لَمْ يُنَجِّسْهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ حَمَلَهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ.
(قَوْلُهُ وَلِكَوْنِ
1 / 17
الدَّبْغِ إحَالَةٌ لَمْ يَجِبْ فِيهِ الْمَاءُ، وَلِهَذَا جَازَ بِالنَّجِسِ الْمُحَصِّلِ لِذَلِكَ كَمَا تَقَرَّرَ، وَأَمَّا خَبَرُ «يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ، وَالْقَرْظُ» فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى الطَّهَارَةِ الْمُطْلَقَةِ أَمَّا جِلْدُ الْكَلْبِ، وَنَحْوِهِ فَلَا يُطَهِّرُهُ ذَلِكَ لِأَنَّ سَبَبَ نَجَاسَةِ الْمَيِّتَةِ تَعَرُّضُهَا لِلْعُفُونَةِ، وَالْحَيَاةُ أَبْلَغُ فِي دَفْعِهَا فَإِذَا لَمْ تُفِدْ الطَّهَارَةُ فَالِانْدِبَاغُ أَوْلَى (لَا شَعْرُهُ) فَلَا يُطَهِّرُهُ الِانْدِبَاغُ لِعَدَمِ تَأَثُّرِهِ بِهِ.
وَهَذَا مَفْهُومٌ مِنْ الْجِلْدِ فَذِكْرُهُ إيضَاحٌ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ فَيَطْهُرُ تَبَعًا، وَاسْتَشْكَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ مَا لَا يَتَأَثَّرُ بِالدَّبْغِ كَيْفَ يَطْهُرُ قَلِيلُهُ، وَأَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ يَطْهُرُ أَيْ يُعْطَى حُكْمَ الطَّاهِرِ انْتَهَى، وَقَدْ يُوَجَّهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَطْهُرُ تَبَعًا لِلْمَشَقَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَثَّرْ بِالدَّبْغِ كَمَا يَطْهُرُ دَنُّ الْخَمْرِ تَبَعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَخَلُّلٌ عَلَى أَنَّ السُّبْكِيَّ قَالَ بِطَهَارَةِ الشَّعْرِ مُطْلَقًا أَخَذَ بِخَبَرٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ، وَهَذَا لَا شَكَّ عِنْدِي فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ، وَأَفْتَى بِهِ (، وَيَصِيرُ) الْمُنْدَبِغُ (كَثَوْبٍ نَجِسٍ) فِي أَنَّهُ (يُصَلِّيَ فِيهِ إنْ غُسِلَ، وَيُبَاعُ)، وَإِنْ لَمْ يُغْسَلْ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ (وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّمَا حُرِّمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا»
(وَيَحْرُمُ ذَبْحُ مَا لَا يُؤْكَلُ) كَبَغْلٍ، وَحِمَارٍ، وَلَوْ (لِجِلْدِهِ) أَيْ لِدَبْغِ جِلْدِهِ (أَوْ اصْطِيَادٍ بِلَحْمِهِ) لِلنَّهْيِ عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ إلَّا لِمَأْكَلِهِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَصَحَّحَهُ، وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ الِاصْطِيَادِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ (وَتَطْهُرُ خَمْرٌ)، وَلَوْ غَيْرَ مُحْتَرَمَةٍ (تَخَلَّلَتْ، وَلَوْ بِتَشْمِيسٍ) أَوْ فَتْحِ رَأْسِ الدَّنِّ لِزَوَالِ الشِّدَّةِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ حَلَّتْهَا (لَا) إنْ تَخَلَّلَتْ (مَعَ) وُجُودِ (عَيْنٍ) فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تُؤَثِّرْ فِي التَّخَلُّلِ كَحَصَاةٍ، وَحَبَّةِ عِنَبٍ تَخَمَّرَ جَوْفُهَا (أَوْ) مَعَ (تَنَجُّسٍ) لَهَا بِنَجِسٍ (وَلَوْ) وَقَعَ كُلٌّ مِنْ الْعَيْنِ، وَالنَّجِسِ (فِي عَصِيرِهِ) أَيْ الْخَلِّ أَوْ الْخَمْرِ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُذَكِّرُهَا، وَنُزِعَ النَّجَسُ مِنْهَا قَبْلَ تَخَلُّلِهَا فَلَا تَطْهُرُ لِبَقَائِهَا عَلَى نَجَاسَتِهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَلِتَنْجِيسِهَا بَعْدَ تَخَلُّلِهَا بِالْعَيْنِ الَّتِي تَنَجَّسَتْ بِهَا فِي الْأُولَى، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّهَا تَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ إذَا نُزِعَتْ مِنْهَا الْعَيْنُ الطَّاهِرَةُ قَبْلَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَيَتْبَعُهَا) فِي الطَّهَارَةِ لِلضَّرُورَةِ (الدَّنُّ، وَإِنْ غَلَتْ) حَتَّى ارْتَفَعَتْ، وَتَنَجَّسَ بِهَا مَا فَوْقَهَا مِنْهُ (وَتَشْرَبُ) مِنْهَا فَإِنْ ارْتَفَعَتْ بِلَا غَلَيَانٍ بَلْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ فَلَا يَطْهُرُ الدَّنُّ إذْ لَا ضَرُورَةَ، وَكَذَا الْخَمْرُ لِاتِّصَالِهَا بِالْمُرْتَفِعِ النَّجِسِ نَعَمْ لَوْ غُمِرَ الْمُرْتَفِعُ قَبْلَ جَفَافِهِ بِخَمْرٍ أُخْرَى طَهُرَتْ بِالتَّخَلُّلِ انْتَهَى، وَفِي تَقْيِيدِهِ بِالْجَفَافِ كَلَامٌ ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ قَالَ، وَلَوْ نُقِلَتْ مِنْ دَنٍّ إلَى آخَرَ طَهُرَتْ بِالتَّخَلُّلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُخْرِجَتْ مِنْهُ ثُمَّ صُبَّ فِيهِ عَصِيرٌ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ، وَمَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ أَنَّهَا نَجِسَةٌ فِيهِمَا، وَهْمٌ، وَخَرَجَ بِالْخَمْرِ النَّبِيذُ فَلَا يَطْهَرُ بِالتَّخَلُّلِ لِوُجُودِ الْمَاءِ فِيهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ يَطْهُرُ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ ضَرُورَتِهِ. (وَإِنْ)، وَفِي نُسْخَةٍ، وَلَوْ (اخْتَلَطَ عَصِيرٌ بِخَلٍّ مَغْلُوبٍ ضَرَّ لِأَنَّهُ) لِقِلَّةِ الْخَلِّ فِيهِ (يَتَخَمَّرُ) فَيَتَنَجَّسُ بِهِ بَعْدَ تَخَلُّلِهِ (أَوْ) بِخَلٍّ (غَالِبٍ فَلَا) يَضُرُّ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ عَدَمُ التَّخَمُّرِ، وَسَيَأْتِي فِيهِ فِي الرَّهْنِ زِيَادَةٌ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِتَشْمِيسٍ إلَى هُنَا مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ فِي الرَّهْنِ مَا عَدَا عَدَمِ طُهْرِهَا عِنْدَ مُصَاحَبَةِ نَجِسٍ فَمِنْ زِيَادَتِهِ تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي، وَبِهِ أَفْتَى النَّوَوِيُّ.
(وَيَطْهُرُ كُلُّ نَجِسٍ اسْتَحَالَ حَيَوَانًا) كَدَمِ بَيْضَةٍ اسْتَحَالَ فَرْخًا عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْحَيَوَانُ (دُودَ كَلْبٍ) لِأَنَّ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
الدَّبْغِ إحَالَةً لَمْ يَجِبْ فِيهِ الْمَاءُ)، قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْإِنْصَافُ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا وَالْخِلَافُ فِي الْمُغَلِّبِ
(قَوْلُهُ وَتَطْهُرُ خَمْرٌ تَخَلَّلَتْ إلَخْ) لِأَنَّ عِلَّةَ النَّجَاسَةِ وَالتَّحْرِيمِ الْإِسْكَارُ وَقَدْ زَالَتْ وَلِأَنَّ الْعَصِيرَ لَا يَتَخَلَّلُ إلَّا بَعْدَ التَّخَمُّرِ فَلَوْ لَمْ نَقُلْ بِالطَّهَارَةِ لَتَعَذَّرَ اتِّخَاذُ الْخَلِّ وَهُوَ جَائِزٌ إجْمَاعًا. (قَوْلُهُ لَا إنْ تَخَلَّلَتْ مَعَ وُجُودِ عَيْنٍ فِيهَا إلَخْ) وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الْعَنَاقِيدَ وَحَبَّاتِهَا بِأَنْ وُضِعَتْ فِي الدَّنِّ فَتَخَمَّرَتْ ثُمَّ تَخَلَّلَتْ لَكِنْ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ أَنَّهَا لَا تَضُرُّ قَالَا لِأَنَّ حَبَّاتِ الْعَنَاقِيدِ تَشْرَبُ الْمَاءَ وَهُوَ طَاهِرٌ وَهَذَا بِنَاءٌ مِنْهُمَا عَلَى مَا قَالَاهُ مِنْ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا وُضِعَتْ فِي الْعَصِيرِ وَبَقِيَتْ حَتَّى تَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ لَا تَضُرُّ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ لَكِنْ مَا قَالَاهُ يُوَافِقُهُ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ وَلَوْ اسْتَحَالَتْ أَجْوَافُ حَبَّاتِ الْعَنَاقِيدِ خَمْرًا فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهَا اعْتِمَادًا عَلَى طَهَارَةِ طَاهِرِهَا وَتَوَقُّعِ طَهَارَةِ بَاطِنِهَا وَجْهَانِ وَالصَّحِيحُ الْبُطْلَانُ وَقَدْ يُمْنَعُ ذَلِكَ بِأَنَّ طَهَارَةَ بَاطِنِهَا لَا تَسْتَلْزِمُ تَخَلُّلَهُ مَعَ وُجُودِ الْعَنَاقِيدِ وَالْحَبَّاتِ لِجَوَازِ تَخَلُّلِهِ بَعْدَ عَصْرِهَا أَوْ حَمْلِهِ عَلَى عِنَبٍ لَا حَبَّ فِي جَوْفِهِ ش يُجَابُ عَنْ إطْلَاقِ الْمَجْمُوعِ بِاغْتِفَارِ حَبَّاتِهَا كَاغْتِفَارِ الْمَاءِ فِي خَلِّ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ.
(قَوْلُهُ وَيَتْبَعُهَا الدَّنُّ إلَخْ) وَإِنْ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ. (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ غَمَرَ الْمُرْتَفِعَ قَبْلَ جَفَافِهِ إلَخْ) تَقْيِيدُهُ بِمَا قَبْلَ الْجَفَافِ يَأْبَاهُ تَعْلِيلُهُ فَلَعَلَّهُ تَصْوِيرٌ لِتَحْقِيقِ انْغِمَارِ مَوْضِعِ الِارْتِفَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ طَهُرَتْ بِالتَّخَلُّلِ انْتَهَى) لِوُجُودِهِ فِي الْكُلِّ فَإِنَّ أَجْزَاءَ الدَّنِّ الْمُلَاقِيَةِ لِلْخَلِّ لَا خِلَافَ فِي طَهَارَتِهَا تَبَعًا لَهُ وَقَوْلُهُ قَبْلَ جَفَافِهِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ فِيمَا لَوْ غَمَرَهُ بِهَا بَعْدَ جَفَافِهِ وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ وَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ مُطْلَقًا لِمُصَاحَبَتِهَا عَيْنًا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِهَا ش. (قَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ) نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ ش. (فَرْعٌ)
سُئِلَ عَنْ خَلِّ التَّمْرِ الَّذِي فِيهِ النَّوَى هَلْ يَحْكُمُ بِطَهَارَتِهِ بِالِاسْتِحَالَةِ فَقَالَ صَاحِبُ التَّفْقِيهِ قَالَ الْفَارِقِيُّ أَنَّهُ يَطْهُرُ وَالْإِمَامُ وَجَمَاعَةٌ وَاسْتَدْرَكُوا عَلَى الْأَصْحَابِ بِالْتِزَامٍ مَعْنَوِيٍّ قِيَاسِيٍّ مِنْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ وَأَطْنَبُوا وَسَبَقَهُمْ إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ يَطْهُرُ)، قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَالدَّلِيلُ عَلَى الطَّهَارَةِ مَا صَحَّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ ثُمَّ قَالَ لَا يَحِلُّ خَلٌّ مِنْ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ حَتَّى يَبْدَأَ اللَّهُ إفْسَادَهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَفْسَدَ الْخَمْرَ وَصَارَتْ خَلًّا طَهُرَتْ وَإِذَا أَفْسَدَهَا الْآدَمِيُّ بِالِاسْتِعْجَالِ لَمْ تَطْهُرْ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ السَّلَمِ بِجَوَازِهِ فِي خَلِّ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ أَنْ يَتَخَمَّرَ ثُمَّ يَتَخَلَّلَ أَمْ لَا وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلتَّوْسِعَةِ فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا يُفْتَى بِهِ لِأَنَّ الْمَاءَ ضَرُورِيٌّ اهـ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ أَفْتَيْت. (قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ.
(قَوْلُهُ وَيَطْهُرُ كُلُّ نَجِسٍ اسْتَحَالَ حَيَوَانًا)، قَالَ الكوهكيلوني كَمَا إذَا انْقَلَبَ اللَّحْمُ دُودًا
1 / 18
لِلْحَيَاةِ أَثَرًا بَيِّنًا فِي دَفْعِ النَّجَاسَةِ، وَلِهَذَا نَظَرَا بِزَوَالِهَا، وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَلَوْ دُودَ كَلْبٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ تَخَلَّقَ مِنْ الْكَلْبِ، وَقَدْ مَنَعَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ بِأَنَّ الدُّودَ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ النَّجَاسَةِ لَا يُخَلَّقُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يَتَوَلَّدُ فِيهَا كَدُودِ الْخَلِّ لَا يُخَلَّقُ مِنْهُ بَلْ يَتَوَلَّدُ فِيهِ (لَا) إنْ اسْتَحَالَ (رَمَادًا، وَمِلْحًا)، وَنَحْوَهُمَا فَلَا يَطْهُرُ.
وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ثُمَّ النَّجَاسَةُ إمَّا عَيْنِيَّةٌ، وَهِيَ الَّتِي تَحُسُّ أَوْ حُكْمِيَّةٌ، وَهِيَ بِخِلَافِهَا كَبَوْلٍ جَفَّ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ أَثَرٌ، وَلَا رِيحٌ، وَقَدْ بَيَّنَ حُكْمَهُمَا فَقَالَ (، وَيَطْهُرُ مُتَنَجِّسٌ بِعَيْنِيَّةٍ بِغَسْلٍ مُزِيلٍ لِلطَّعْمِ)، وَإِنْ عَسُرَ إزَالَتُهُ لِسُهُولَتِهَا غَالِبًا فَأَلْحَقَ بِهِ نَادِرُهَا، وَلِأَنَّ بَقَاءَهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ (وَكَذَا) مُزِيلٌ (لِلَوْنٍ وَرِيحٍ سَهْلَيْنِ فَإِنْ عَسُرَ أَوْ بَقِيَا مَعًا) بِمَحْمَلٍ، وَاحِدٍ (لَمْ يَطْهُرْ) أَيْ الْمُتَنَجِّسُ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِمَا عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ (أَوْ) بَقِيَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ (وَلَوْ رِيحًا طَهُرَ) لِلْمَشَقَّةِ (، وَمُزِيلُ الْعَيْنِ غَسْلَةٌ)، وَاحِدَةٌ (وَإِنْ تَعَدَّدَ) الْفِعْلُ (وَلَوْ) كَانَ الْغَسْلُ (مِنْ) نَجَاسَةٍ (كَلْبِيَّةٍ) حَتَّى لَوْ لَمْ يُزِلْهَا إلَّا سِتُّ غَسَلَاتٍ مَثَلًا حُسِبَتْ مَرَّةً، وَصُحِّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا تُحْسَبُ سِتًّا (، وَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مَصْبُوغٌ بِمُتَنَجِّسٍ انْفَصَلَ) عَنْهُ (، وَلَمْ يَزِدْ) أَيْ الْمَصْبُوغُ (وَزْنًا بَعْدَ الْغَسْلِ) عَلَى وَزْنِهِ قَبْلَ الصَّبْغِ، وَإِنْ بَقِيَ اللَّوْنُ لِعُسْرِ زَوَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ، وَزْنًا أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي الْغُسَالَةِ (فَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ) عَنْهُ (لِتَعَقُّدِهِ) بِهِ (لَمْ يَطْهُرْ) لِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِيهِ.
وَقَوْلُهُ، وَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ إلَخْ مِنْ زِيَادَتِهِ إلَّا صَدَّرَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَا مَرَّ فَفِي الرَّوْضَةِ فِي الْبَيْعِ (وَيَطْهُرُ) الْمُتَنَجِّسُ (فِي الْحُكْمِيَّةِ بِجَرَيَانِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يُعْصَرْ) لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ (وَالصَّقِيلُ) مِنْ سَيْفٍ، وَسِكِّينٍ، وَنَحْوِهِمَا (كَغَيْرِهِ) فِي أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِغَسْلِهِ فَلَا يَطْهُرُ بِمَسْحِهِ (وَيُبَادِرُ) وُجُوبًا (بِهِ) أَيْ بِغَسْلِ الْمُتَنَجِّسِ (عَاصٍ بِالتَّنْجِيسِ) كَأَنْ اسْتَعْمَلَ النَّجَاسَةَ فِي بَدَنِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ خُرُوجًا مِنْ الْمَعْصِيَةِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَعْصِ بِهِ (فَلِلصَّلَاةِ) أَيْ فَلْيُبَادِرْ بِذَلِكَ وُجُوبًا لِلصَّلَاةِ، وَنَحْوِهَا فَقَطْ (وَنُدِبَ تَعْجِيلٌ) بِهِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ نَعَمْ إنْ كَانَتْ مُغَلَّظَةً فَيَنْبَغِي وُجُوبُ تَعْجِيلِ إزَالَتِهَا مُطْلَقًا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَالْعَاصِي بِالْجَنَابَةِ يُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِالْعَاصِي بِالتَّنْجِيسِ قَالَ، وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ لِأَنَّ الَّذِي عَصَى بِهِ هُنَا مُتَلَبِّسٌ بِهِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ (وَ) نُدِبَ (حَتٌّ) بِالْمُثَنَّاةِ (وَقَرْصٌ) بِالْمُهْمَلَةِ إذَا (لَمْ يَجِبَا) بِأَنْ لَمْ تَتَوَقَّفْ الْإِزَالَةُ عَلَيْهِمَا فَإِنْ تَوَقَّفَتْ عَلَيْهِمَا، وَجَبَا، وَقَوْلُهُ (لِنَحْوِ دَمٍ) مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا، وَتَقْيِيدُ نَدْبِهِمَا بِمَا ذُكِرَ مِنْ زِيَادَتِهِ جَمَعَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ بَيْنَ إطْلَاقِ قَوْلَيْ الْوُجُوبِ، وَالنَّدْبِ (وَ) نُدِبَ (التَّثْلِيثُ) بَعْدَ الْإِزَالَةِ اسْتِظْهَارًا كَطُهْرِ الْحَدَثِ (و) نُدِبَ (لِنَحْوِ ثَوْبٍ) أَيْ لِغَسْلِهِ مِنْ نَجَاسَةٍ (عَصْرٌ) لَهُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ، وَالتَّصْرِيحُ بِنَدْبِ الْعَصْرِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَإِنْ أَوْرَدَ) إنْسَانٌ أَوْ غَيْرُهُ كَرِيحٍ (مُتَنَجِّسًا عَلَى مَاءٍ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ) لِمَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ (، وَالْمَاءُ الْوَارِدُ عَلَى الْمُتَنَجِّسِ طَهُورٌ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَوْ يَنْفَصِلْ عَنْهُ) لِقُوَّتِهِ لِكَوْنِهِ فَاعِلًا فَإِنْ تَغَيَّرَ فَنَجِسٌ كَمَا مَرَّ أَوْ انْفَصَلَ عَنْهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ، وَالتَّصْرِيحُ بِالْقَيْدِ الثَّانِي مِنْ زِيَادَتِهِ، وَإِذَا كَانَ طَهُورًا فِيمَا ذُكِرَ (فَلْيُدِرْهُ فِي الْإِنَاءِ يَطْهُرُ، وَلَا يَطْهُرُ مَائِعٌ، وَلَوْ) كَانَ (دُهْنًا) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ «أَنَّهُ ﷺ سُئِلَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ أَوْ بَقِيَ أَحَدُهُمَا وَلَوْ رِيحًا طَهُرَ) وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّ الْعُسْرَ مِنْ لَوْنِ الْمُغَلَّظَةِ أَوْ رِيحِهَا لَا يَضُرُّ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي خِلَافُهُ وَلِهَذَا لَا يَلْتَحِقُ جِلْدُ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ بِجِلْدِ مَيْتَةِ مَا سِوَاهُمَا فِي جَوَازِ تَجْلِيلِ الدَّابَّةِ وَمَا قَالَهُ قَدْ يُؤَيَّدُ بِعَدَمِ الْعَفْوِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ دَمِ الْكَلْبِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الدَّمَ يَسْهُلُ إزَالَةُ جُرْمِهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا ش (قَوْلُهُ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهَا عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ) وَالتَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا بَقِيَا مَعًا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَإِنْ بَقِيَا مُتَفَرِّقَيْنِ لَمْ يَضُرَّ وَالْمَسْأَلَةُ شَبِيهَةٌ بِمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دِمَاءٌ مُتَفَرِّقَةٌ كُلٌّ مِنْهَا قَلِيلٌ وَلَوْ اجْتَمَعَتْ لَكَثُرَتْ، وَفِيهَا احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ وَمَيْلُهُ إلَى الْعَفْوِ وَكَلَامُ التَّتِمَّةِ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِخِلَافِهِ ج.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلِلصَّلَاةِ) هَلْ الْمُوجِبُ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ هُوَ مُلَابَسَتُهَا أَوْ دُخُولُ الْوَقْتِ أَوْ هُمَا مَعًا أَوْ الْمُلَابَسَةُ وَالْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ مَعًا يُتَّجَهُ إلْحَاقُهَا فِي ذَلِكَ بِالْحَدَثِ ج. (قَوْلُهُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ) أَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ. (قَوْلُهُ قَالَ وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ. (قَوْلُهُ بِأَنْ تَوَقَّفَتْ عَلَيْهِمَا وَجَبَا) وَإِنْ تَوَقَّفَتْ إزَالَتُهُ عَلَى أُشْنَانٍ وَنَحْوِهِ وَجَبَ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَنَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي تَحْقِيقِهِ وَصَحَّحَهُ فِي تَنْقِيحِهِ، لَكِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ خِلَافُ النَّصِّ وَرَأْيِ الْجُمْهُورِ فَفِي الْبَحْرِ إذَا بَقِيَ لَوْنٌ لَا يُخْرِجُهُ الْمَاءُ يُحْكَمُ بِالطَّهَارَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَوْجَبَ الِاسْتِعَانَةَ بِغَيْرِ الْمَاءِ مِنْ صَابُونٍ وَأُشْنَانٍ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، قَالَ وَمَا صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ هُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ يُعْتَمَدْ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلِلدَّلِيلِ إذْ لَمْ يَذْكُرْ فِي خَبَرِ أَسْمَاءَ غَيْرَ الْمَاءِ وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ نَحْوَهُ، قَالَ وَمَا فِي التَّحْقِيقِ لَعَلَّهُ جَرَى فِيهِ عَلَى رَأْيِ الْمُتَوَلِّي وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى بَقَاءِ الرِّيحِ وَاللَّوْنِ مَعًا أَوْ الطَّعْمِ أَيْ فَيَجِبُ حِينَئِذٍ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ مَعَ بَقَاءِ ذَلِكَ ش وَقَوْلُهُ وَجَبَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَوْلُهُ وَجَزَمَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ وَنُدِبَ التَّثْلِيثُ بَعْدَ الْإِزَالَةِ إلَخْ)، قَالَ الْجِيلِيُّ وَنُدِبَ التَّثْلِيثُ لَا فِي الْمُغَلَّظَةِ حَتَّى يَغْسِلَهُ إحْدَى وَعِشْرِينَ مَرَّةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ صَرَّحَ فِي الشَّامِلِ الصَّغِيرِ وَمُذَاكَرَةُ أَهْلِ الْيَمَنِ بِخِلَافِهِ، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى عُجَيْلُ وَالْفَقِيهُ إسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْفَقِيهُ تَقِيُّ الدِّينِ الْأَسَدِيُّ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ وَقَالَ ابْنُ النَّحْوِيِّ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ انْتَهَى إذْ الْمُكَبِّرُ لَا يُكَبِّرُ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِمْ الشَّيْءُ إذَا انْتَهَى نِهَايَتُهُ فِي التَّغْلِيظِ لَا يَقْبَلُ التَّغْلِيظَ كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ وَكَقَتْلِ الْعَمْدِ وَشِبْهِهِ لَا تُغَلَّظُ فِيهِ الدِّيَةُ وَإِنْ غَلُظَتْ فِي الْخَطَأِ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْقَوَاعِدِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ حَيْثُ تَضَعَّفَ أَنَّ الْجُبْرَانَ لَا يُضَعَّفُ فِي الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ وَنُدِبَ لِنَحْوِ ثَوْبٍ عُصِرَ)، قَالَ الْغَزِّيِّ وَيَجِبُ الْعَصْرُ اتِّفَاقًا فِيمَا لَهُ خَمْلَةٌ كَالْبِسَاطِ وَنَحْوِهِ انْتَهَى، قَالَ وَالِدِي وَكَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِيمَا لَوْ طُبِخَ لَحْمٌ بِمَاءٍ نَجِسٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَصْرَ فِي الْبِسَاطِ مَحَلُّ وِفَاقٍ، قَالَ شَيْخُنَا الْأَصَحُّ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْعَصْرِ مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ فَلْيُدِرْهُ فِي الْإِنَاءِ يَطْهُرُ) لَا إنْ بَقِيَتْ عَيْنُ
1 / 19
عَنْ الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ فَقَالَ إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا، وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ»، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْخَطَّابِيِّ «فَأَرِيقُوهُ» فَلَوْ أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ ذَلِكَ، وَالْجَامِدُ هُوَ الَّذِي إذَا أُخِذَ مِنْهُ قِطْعَةٌ لَا يَتَرَادَّ مِنْ الْبَاقِي مَا يَمْلَأُ مَحَلَّهَا عَلَى قُرْبٍ، وَالْمَائِعُ بِخِلَافِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.
(وَلَوْ صُبَّ عَلَى مَوْضِعِ بَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ) أَوْ نَحْوِهِمَا (مِنْ أَرْضٍ مَا أَغْمَرَهُ طَهُرَ، وَلَوْ لَمْ يَنْضُبْ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَغُرْ (، وَاللَّبِنُ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (إنْ خَالَطَ نَجَاسَةً جَامِدَةً كَالرَّوْثِ لَمْ يَطْهُرْ، وَإِنْ طُبِخَ) بِأَنْ صَارَ آجُرًّا لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ (أَوْ) خَالَطَ (غَيْرَهَا كَالْبَوْلِ طَهُرَ ظَاهِرُهُ بِالْغَسْلِ)، وَكَذَا (بَاطِنُهُ إنْ نَقَعَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَاءِ (وَلَوْ مَطْبُوخًا إنْ كَانَ رَخْوًا يَصِلُهُ الْمَاءُ) كَالْعَجِينِ بِمَائِعٍ نَجِسٍ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَخْوًا (فَمَدْقُوقًا) أَيْ فَيَظْهَرُ بَاطِنُهُ مَدْقُوقًا بِحَيْثُ يَصِيرُ تُرَابًا بِخِلَافِهِ غَيْرَ مَدْقُوقٍ، وَوَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مَا يُخَالِفُ مَا شَرَحْت عَلَيْهِ فَاعْلَمْهُ (وَإِنْ سُقِيَتْ سِكِّينٌ أَوْ طُبِخَ لَحْمٌ بِمَاءٍ نَجِسٍ كَفَى غَسْلُهُمَا)، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى سَقْيِ السِّكِّينِ، وَإِغْلَاءِ اللَّحْمِ بِالْمَاءِ، وَقَوْلُهُ كَالرَّوْضَةِ (مَعَ عَصْرِ اللَّحْمِ) مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْعَصْرِ، وَاسْتَشْكَلَ الِاكْتِفَاءُ بِغَسْلِ ظَاهِرِ السِّكِّينِ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِهِ فِي الْآجُرِّ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِهِ فِي الْآجُرِّ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ مُتَأَتٍّ مِنْ غَيْرِ مُلَابَسَةٍ لَهُ فَلَا حَاجَةَ لِلْحُكْمِ بِتَطْهِيرِ بَاطِنِهِ مِنْ غَيْرِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ بِخِلَافِ السِّكِّينِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مُرَادُ الْقَائِلِ بِطَهَارَةِ بَاطِنِهَا الِاكْتِفَاءُ بِغَسْلِ ظَاهِرِهَا قَالَ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الشَّامِلِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فَقَالَ طَهُرَتْ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى بَاطِنِهَا لِتَعَذُّرِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ فَعُفِيَ عَنْهُ.
(وَيَطْهُرُ الزِّئْبَقُ) الْمُتَنَجِّسُ (بِغَسْلِ ظَاهِرِهِ إنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ) بَيْنَ تَنَجُّسِهِ، وَغَسْلِهِ (تَقَطَّعَ)، وَإِلَّا لَمْ يَطْهُرْ كَالدُّهْنِ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَطَّعُ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْمَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَتَقَطَّعُ عِنْدَ إصَابَةِ النَّجَاسَةِ، وَلَا يَنْجُسُ إلَّا بِتَوَسُّطِ رُطُوبَةٍ لِأَنَّهُ جَافٌّ فَلَوْ، وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ فَمَاتَتْ، وَلَا رُطُوبَةَ لَمْ يَنْجُسْ قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَالزِّئْبَقُ بِالْهَمْزِ، وَكَسْرِ الزَّايِ، وَفَتْحِ الْبَاءِ، وَيُقَالُ بِكَسْرِهَا (، وَيَكْفِي غَسْلُ مَوْضِعِ نَجَاسَةٍ وَقَعَتْ عَلَى ثَوْبٍ)، وَلَوْ (عَقِيبَ عَصْرِهِ)، وَلَا يَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِهِ، وَعَقِيبُ بِالْيَاءِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ، وَالْكَثِيرُ تَرْكُ الْيَاءِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ (وَكَذَا) يَكْفِي غَسْلُ مَكَانِ نَجَاسَةٍ (لَوْ صُبَّ مَاءٌ عَلَى مَكَانِهَا، وَانْتَشَرَ) حَوْلَهَا فَلَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ مَحَلِّ الِانْتِشَارِ لِأَنَّ الْمَاءَ الْوَارِدَ عَلَى النَّجَاسَةِ طَهُورٌ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَلَمْ يَنْفَصِلْ كَمَا مَرَّ.
(وَ) يَكْفِي (فِي تَطْهِيرِ بَوْلِ صَبِيٍّ لَمْ يُطْعَمْ غَيْرَ اللَّبَنِ) لِلتَّغَذِّي (لَا صَبِيَّةٍ، وَخُنْثَى نَضْحٌ بِالْمَاءِ بِشَرْطِ غَلَبَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَسِلْ) أَمَّا بَوْلُ الصَّبِيَّةِ، وَالْخُنْثَى فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْغَسْلِ، وَيَحْصُلُ بِالسَّيَلَانِ مَعَ الْغَلَبَةِ فَالنَّضْحُ الْمُرَادُ غَلَبَةُ الْمَاءِ بِلَا سَيَلَانَ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ «يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ، وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الِابْتِلَاءَ بِحَمْلِهِ أَكْثَرُ، وَبِأَنَّ بَوْلَهُ أَرَقُّ مِنْ بَوْلِهَا فَلَا يَلْصَقُ بِالْمَحَلِّ لُصُوقَ بَوْلِهَا بِهِ، وَأُلْحِقَ بِبَوْلِهَا بَوْلُ الْخُنْثَى مِنْ أَيِّ فَرْجَيْهِ خَرَجَ، وَعُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ النَّضْحَ تَحْنِيكُ الصَّبِيِّ بِتَمْرٍ، وَنَحْوِهِ، وَلَا تَنَاوَلَهُ السَّفُوفُ، وَنَحْوُهُ لِلْإِصْلَاحِ.
وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ النَّضْحِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ إذْ الرَّضَاعُ بَعْدَهُ كَالطَّعَامِ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ، وَسِيَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْأَصْلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ فِيهِ التَّثْلِيثُ، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ تَوْجِيهُهُمْ السَّابِقُ فِي التَّثْلِيثِ فِي غَيْرِهِ، وَتَصْرِيحُهُمْ بِذَلِكَ فِي النَّجَاسَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ، وَأَنَّهُ يَكْتَفِي فِيهِ بِالنَّضْحِ مَعَ بَقَاءِ أَوْصَافِهِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ فِي اللَّوْنِ، وَالرِّيحِ، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
النَّجَاسَةِ الْمَائِعَةِ وَلَوْ مَغْمُورَةً بِالْمَاءِ
(قَوْلُهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِهِ فِي الْآجُرِّ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ غَسْلُ الْبَاطِنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا مِنْ اللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ بِالْمَاءِ النَّجِسِ وَاللِّفْتِ إذَا صُلِقَ بِالنَّشَادِرِ لِأَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِي التَّطْهِيرِ بِمَا يُكْتَفَى بِهِ فِي التَّنْجِيسِ وَذَلِكَ لِأَنَّ سَرَيَانَ النَّجَاسَةِ إلَى الْبَاطِنِ مُنَجِّسٌ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِ النَّجَسِ وَتَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ لَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ السَّرَيَانِ وَالْوُصُولِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إفَاضَةِ الْمَاءِ وَجَرَيَانِهِ عَلَى مَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ فِي السِّكِّينِ وَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ بِالنَّجَاسَةِ وَلِهَذَا صَحَّحَ النَّوَوِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِغَسْلِ ظَاهِرِ اللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ بِالنَّجَاسَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَطْهِيرِ بَاطِنِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوطِ وَلَا سَبِيلَ إلَى طَرْحِ اللَّحْمِ وَضَيَاعِ الْمَالِيَّةِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُغْسَلُ وَيُعْصَرُ كَالْبِسَاطِ أَوْ يُغْلَى بِمَاءٍ طَهُورٍ ضَعِيفٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ السَّرَيَانَ لَا يَطْهُرُ فَوَجَبَ الِاكْتِفَاءُ بِغَسْلِ الظَّاهِرِ وَحُكِمَ بِطَهَارَةِ الْبَاطِنِ تَبَعًا بِخِلَافِ الْآجُرِّ وَهَذَا فَرْقٌ دَقِيقٌ (تَعَقُّبَاتٌ) وَكَتَبَ أَيْضًا وَبِأَنَّ الْآجُرَّ يُمْكِنُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِهِ بِأَنْ يَسْتَحِقَّ وَيَصُبَّ عَلَيْهِ مَا يُغْمَرُهُ مِنْ الْمَاءِ فَيَطْهُرُ كَالتُّرَابِ الْمُتَنَجِّسِ يُصَبُّ الْمَاءُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ السِّكِّينِ لَا يَجُوزُ سَحْقُهَا لِأَدَائِهِ إلَى ضَيَاعِ مَالِيَّتِهَا أَوْ نَقْصُهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ دَاخِلَ الْأَجْزَاءِ الصِّغَارِ.
(قَوْلُهُ وَيَطْهُرُ الزِّئْبَقُ بِغَسْلِ ظَاهِرِهِ إلَخْ) تَنْبِيهٌ إذَا تَنَجَّسَ الزِّئْبَقُ بِدُهْنٍ كَوَدَكِ الْمَيْتَةِ لَمْ يَطْهُرْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَمْ يَطْهُرْ) أَيْ وَلَا بِأَنْ تَخَلَّلَ تَقَطُّعٌ وَالْتَأَمَ ثُمَّ تَقَطَّعَ عِنْدَ غَسْلِهِ مِنْهُ (قَوْله عَقِيبَ عَصْرِهِ) فِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ عَقِبَ غَسْلِهِ وَالنَّوَوِيُّ نَقَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ مِنْ الْقَائِلِينَ بِاعْتِبَارِ الْعَصْرِ فِي مُسَمَّى الْغُسْلِ.
(قَوْلُهُ لَمْ يُطْعَمْ غَيْرَ اللَّبَنِ إلَخْ) وَهُنَا أَمْرٌ مُهِمٌّ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ غَيْرَ اللَّبَنِ وَقُلْنَا بِوُجُوبِ الْغَسْلِ فَأَقَامَ أَيَّامًا وَدَامَ فِيهَا عَلَى شُرْبِ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ يَنْضَحُ مِنْ بَوْلِهِ لِزَوَالِ الْمُغَيِّرِ مِنْ جَوْفِهِ وَهَذَا كَمَأْكُولِ اللَّحْمِ إذَا أَكَلَ نَجَاسَةً فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ بَوْلِهِ إذَا قُلْنَا بَوْلُهُ طَاهِرٌ فَإِنْ أَقَامَ أَيَّامًا حَتَّى ذَهَبَ مَا فِي جَوْفِهِ عَادَ الْحُكْمُ بِطَهَارَةِ بَوْلِهِ وَيَنْبَغِي طَرْدُ ذَلِكَ فِي السَّخْلَةِ إذَا أَكَلَتْ غَيْرَ اللَّبَنِ ثُمَّ اسْتَمَرَّتْ عَلَى شُرْبِ اللَّبَنِ أَيَّامًا ثُمَّ ذُبِحَتْ أَنَّ إنْفَحَتَهَا تَكُونُ طَاهِرَةً وَهَذَا أَيْضًا قَدْ ذَكَرُوا فِي الْجَلَّالَةِ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) يُخَالِفُ مَا بَحَثَهُ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالْإِنْفَحَةُ وَهُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ لِلتَّغَذِّي) لَمْ يُجَاوِزْ الْحَوْلَيْنِ (قَوْلُهُ إذْ الرَّضَاعُ بَعْدَهُ كَالطَّعَامِ إلَخْ) وَلِهَذَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ لَا يَتَنَاوَلُونَ إلَّا اللَّبَنَ. (قَوْلُهُ وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ فِي اللَّوْنِ وَالرِّيحِ) قَالَ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَكْتَفِ بِهِ لَأَوْجَبْنَا غُسْلَهُ انْتَهَى ش
1 / 20
وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ سُهُولَةِ زَوَالِهِ قَالَ، وَلَوْ شَرِبَ صَبِيٌّ لَبَنًا نَجِسًا أَوْ مُتَنَجِّسًا فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْغَسْلِ مِنْ بَوْلِهِ كَمَا لَوْ شَرِبَتْ السَّخْلَةُ لَبَنًا نَجِسًا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ إنْفَحَتِهَا، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ.
(فَصْلٌ لَا يَطْهُرُ مُتَنَجِّسٌ بِكَلْبٍ، وَخِنْزِيرٍ، وَفَرْعِ كُلٍّ) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا (أَوْ بِمُتَنَجِّسٍ بِذَلِكَ إلَّا بِسَبْعٍ) مِنْ الْغَسَلَاتِ بِالْمَاءِ (إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) لِقَوْلِهِ ﷺ «إذَا، وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» أَيْ بِأَنْ يُصَاحِبَ السَّابِعَةَ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ»، وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ «أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ»، وَبَيْنَ رِوَايَتَيْ مُسْلِمٍ تَعَارُضٌ فِي مَحَلِّ التُّرَابِ فَتَتَسَاقَطَانِ فِي تَعْيِينِ مَحَلِّهِ، وَيُكْتَفَى بِوُجُودِهِ فِي، وَاحِدَةٍ مِنْ السَّبْعِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ إحْدَاهُنَّ بِالْبَطْحَاءِ، وَيُقَاسُ بِالْوُلُوغِ غَيْرُهُ كَبَوْلِهِ، وَبِالْكَلْبِ غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ، وَلَوْ تَنَجَّسَ خُفٌّ بِشَعْرِ خِنْزِيرٍ لَمْ يَطْهُرْ بِمَا ذُكِرَ مَحَلُّ الْخَرْزِ لَكِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ فَيُصَلَّى فِيهِ الْفَرَائِضُ، وَالنَّوَافِلُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُصَلِّ فِيهِ أَبُو زَيْدٍ الْفَرَائِضَ احْتِيَاطًا لَهَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأَطْعِمَةِ وَالْمُصَنِّفُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَقُومُ غَيْرُ التُّرَابِ كَأُشْنَانٍ، وَصَابُونٍ مَقَامَهُ (وَإِنْ أَفْسَدَ الثَّوْبَ، وَزَادَ فِي الْغَسَلَاتِ) فَجَعَلَهَا ثَمَانِيًا مَثَلًا لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ التَّطْهِيرُ الْوَارِدُ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ.
(وَلْيَكُنْ التُّرَابُ) الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ ذَلِكَ (طَاهِرًا غَيْرَ مُسْتَعْمَلٍ) فِي حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ كَالْمَاءِ، وَالتَّصْرِيحُ بِغَيْرِ الْمُسْتَعْمَلِ مِنْ زِيَادَتِهِ (يَعُمُّ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ) بِأَنْ يَكُونَ قَدْرًا يُكَدِّرُ الْمَاءَ، وَيَصِلُ بِوَاسِطَتِهِ إلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَحَلِّ، وَلْيَكُنْ (مَمْزُوجًا بِالْمَاءِ) قَبْلَ وَضْعِهِمَا عَلَى الْمَحَلِّ أَوْ بَعْدَهُ بِأَنْ يُوضَعَا، وَلَوْ مَرَّ تَبَيَّنَ ثُمَّ يُمْزَجَا قَبْلَ الْغَسْلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا إذْ الطَّهُورُ الْوَارِدُ عَلَى الْمَحَلِّ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيمَا لَوْ، وَضَعَ التُّرَابَ أَوَّلًا، وَمِثْلُهُ عَكْسُهُ بِلَا رَيْبٍ، وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَمَا، وَقَعَ لِلْإِسْنَوِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ الْمَزْجُ قَبْلَ الْوَضْعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُوَيْنِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ، وَأَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَرْدُودٌ يُرَدُّ بِأَنَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فَلَا يُرْتَكَبُ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَكَلَامُ الْجُوَيْنِيِّ عَلَيْهِ لَا لَهُ إذْ عِبَارَتُهُ لَيْسَ كَيْفِيَّةُ التَّعْفِيرِ تَغْبِيرُ الثَّوْبِ بِغُبَارِ التُّرَابِ ثُمَّ غَسْلُهُ بَعْدَ نَفْضِهِ، وَإِنَّمَا التَّعْفِيرُ أَنْ يُخْلَطَ التُّرَابُ بِالْمَاءِ خَلْطًا ثُمَّ يُغْسَلُ الْمَحَلُّ، وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَمْنُوعَ إنَّمَا هُوَ غَسْلُهُ بَعْدَ نَفْضِ التُّرَابِ أَوْ بِلَا مَزْجٍ، وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَزْجُهُ قَبْلَ الْغَسْلِ سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الْوَضْعِ أَمْ بَعْدَهُ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ لَا يُقَالُ قَوْلُهُ ثُمَّ يُغْسَلُ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ مَزْجِهِ قَبْلَ الْوَضْعِ لِأَنَّا نَقُولُ مَمْنُوعٌ فَتَأَمَّلْ، وَعُلِمَ مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالْمَاءِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْمَزْجُ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَتَعْبِيرُهُ بِهِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِالْمَائِعِ، وَإِنْ وَفَّى كَلَامُهُ آخِرًا بِالْغَرَضِ نَعَمْ، إنْ مَزَجَهُ بِالْمَاءِ بَعْدَ مَزْجِهِ بِغَيْرِهِ كَفَى قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَفَرْضُهُ فِي الْخَلِّ، وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ بِذَلِكَ تَغَيُّرًا فَاحِشًا (، وَيُسَنُّ) جَعْلُ التُّرَابِ (فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ، وَالْأُولَى أَوْلَى) لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى تَثْرِيبِ مَا يَتَرَشَّشُ مِنْ جَمِيعِ الْغَسَلَاتِ (وَكَفَتْ) أَيْ السَّبْعُ مَعَ التَّتْرِيبِ فِي إحْدَاهَا.
(وَإِنْ تَعَدَّدَ الْكِلَابُ) كَأَنْ، وَلَغَتْ فِي الْإِنَاءِ (أَوْ لَاقَى) مَحَلَّ التَّنْجِيسِ بِهَا (نَجِسًا آخَرَ، وَيَسْقُطُ تَتْرِيبُ أَرْضٍ تُرَابِيَّةٍ)
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ) لِأَنَّ الْأَصْحَابَ تَرَدَّدُوا فِي نَجَاسَةِ لَبَنِ الْآدَمِيِّ وَلَمْ يَتَرَدَّدُوا فِي النَّضْحِ مِنْ بَوْلِهِ فَلَوْ لَاحَظُوا النَّجَاسَةَ وَعَدَمَهَا لَفَرَّعُوا النَّضْحَ عَلَى طَهَارَةِ لَبَنِ الْآدَمِيِّ وَلَوْ ارْتَضَعَ مِنْ كَلْبَةِ فَالْقِيَاسُ أَيْضًا كَذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَ التَّغْلِيظِ لَا يَنْسَحِبُ عَلَى الْمَخْرَجَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ لَحْمَ كَلْبٍ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ سَبْعًا وَإِنْ وَجَبَ غَسْلُ الْفَمِ سَبْعًا ت.
[فَصْلٌ لَا يَطْهُرُ مُتَنَجِّسٌ بِكَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ]
(فَصْلٌ لَا يَطْهُرُ مُتَنَجِّسٌ بِكَلْبٍ إلَخْ)
فَرْعٌ لَوْ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي بَوْلٍ نَجِسٍ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً. (قَوْلُهُ إحْدَاهُنَّ بِتُرَابٍ) تَنْبِيهٌ لَوْ لَمْ تَزُلْ النَّجَاسَةُ الْكَلْبِيَّةُ الْعَيْنِيَّةُ إلَّا بِغَسَلَاتٍ فَهَلْ يَكْفِي التَّتْرِيبُ فِي الْأُولَى أَوْ غَيْرِهَا مَعَ بَقَاءِ جُرْمِ النَّجَاسَةِ أَمْ لَا لَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرًا وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ خِلَافٌ مِنْ أَنَّهَا تُعَدُّ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ غَسَلَاتٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَزُلْ نَجَاسَتُهُ الْعَيْنِيَّةُ إلَّا بِالْحَتِّ وَالْقَرْصِ وَالِاسْتِعَانَةُ بِأُشْنَانٍ وَنَحْوِهِ أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ جَزْمًا لِغِلَظِ حُكْمِهَا وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ فِي سَائِرِ النَّجَاسَاتِ ت (قَوْلُهُ أَيْ بِأَنْ يُصَاحِبَ السَّابِعَةَ) لَمَّا كَانَ التُّرَابُ جِنْسًا غَيْرَ الْمَاءِ جُعِلَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ مَعْدُودًا بِاثْنَتَيْنِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ) فَإِنَّ التُّرَابَ يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ الْعَفْرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْفَاءِ (قَوْلُهُ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ) وَلِأَنَّهُ غَلُظَ بِجَمْعِ جِنْسَيْنِ كَالْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ
(قَوْلُهُ وَلْيَكُنْ التُّرَابُ طَاهِرًا غَيْرَ مُسْتَعْمَلٍ) سَيَأْتِي جَوَازُ التَّيَمُّمِ بِرَمْلٍ فِيهِ غُبَارٌ فَهُوَ فِي مَعْنَى التُّرَابِ وَجَوَازُهُ هُنَا أَوْلَى، قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَمِمَّا يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ الطَّفْلُ وَهُوَ الطِّينُ الْأَبْيَضُ الَّذِي يُشْوَى وَيُؤْكَلُ سَفَهًا وَالتَّيَمُّمُ بِهِ جَائِزٌ وَكَذَا الطِّينُ الْأَرْمِيُّ وَالْخُرَاسَانِيُّ وَالْمَخْتُومُ وَغَيْرُهُمَا وَشَرْطُ الرَّمَلِ أَنْ يَكُونَ لَهُ غُبَارٌ يُكَدِّرُ الْمَاءَ، وَفِي الْكَافِي لِلْخُوَارِزْمِيِّ يَجُوزُ التَّعْفِيرُ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ التُّرَابِ كَالتَّيَمُّمِ. (قَوْلُهُ وَالتَّصْرِيحُ بِغَيْرِ الْمُسْتَعْمَلِ مِنْ زِيَادَتِهِ) وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ سَلَّارٌ شَيْخُ النَّوَوِيِّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِمَّا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ ش وَقَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ سَلَّارٌ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ. (قَوْلُهُ قَبْلَ وَضْعِهِمَا عَلَى الْمَحَلِّ أَوْ بَعْدَهُ إلَخْ) نَعَمْ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاضِحٌ فِيمَا إذَا كَانَ التَّنَجُّسُ حَصَلَ لِمَا يَتَأَتَّى خَلْطُ التُّرَابِ عَلَيْهِ بِالْمَاءِ كَبَاطِنِ الْإِنَاءِ أَمَّا لَوْ كَانَ لِمَا لَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِيهِ كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَظَاهِرِ إنَاءِ النُّحَاسِ وَنَحْوِهِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمَزْجِ قَبْلَ الْإِيرَادِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَحَلٍّ وَمَحَلٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ت.
(قَوْلُهُ وَيُسَنُّ جَعْلُ التُّرَابِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ إلَخْ)، قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَإِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ غُسِلَ سَبْعًا أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَلَا يُطَهِّرُهُ غَيْرُ ذَاكَ أَيْ غَيْرُ التَّسْبِيعِ وَالتَّتْرِيبِ لَا تَعَيُّنُ إحْدَى الْغَسْلَتَيْنِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ إنَّهُ الصَّوَابُ خِلَافًا لِلْأَصْحَابِ ع
(قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ تَتْرِيبُ أَرْضٍ تُرَابِيَّةٍ) أَمَّا الْحَجَرِيَّةُ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّتْرِيبِ
1 / 21