Asliha Nawawiyya Muqaddima Qasira
الأسلحة النووية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
شكل 2-2: نسخة من قنبلة «الولد الصغير».
بنهاية شهر يوليو، كان مشروع مانهاتن قد أنتج نوعين مختلفين من القنابل الذرية، حملا الاسمين الكوديين «الرجل البدين» و«الولد الصغير». كانت قنبلة الرجل البدين هي أكثر القنبلتين تعقيدا. كانت هذه القنبلة ذات الشكل الشبيه بالبصلة والبالغ طولها عشرة أقدام تحتوي على كرة من البلوتونيوم 239، وكانت هذه الكرة محاطة بكتل من مادة شديدة الانفجار مصممة بحيث تنتج انفجارا داخليا متناظرا عالي الدقة. من شأن هذا الانفجار الداخلي أن يضغط كرة البلوتونيوم حتى تصل إلى الكثافة الحرجة، ومن ثم يبدأ تفاعل نووي متسلسل . لم يكن العلماء في لوس ألاموس واثقين من تصميم قنبلة البلوتونيوم، ومن هنا كانت الحاجة إلى اختبار القنبلة في موقع ترينيتي. أما قنبلة الولد الصغير فكانت ذات تصميم أبسط بكثير من قنبلة الرجل البدين. كانت قنبلة الولد الصغير تطلق انفجارا نوويا - لا انفجارا داخليا - عن طريق إطلاق قطعة من اليورانيوم 235 صوب قطعة أخرى. وحين يتجمع قدر كاف من اليورانيوم 235، يستطيع تفاعل الانشطار النووي الناتج أن ينتج انفجارا نوويا. لكن من الضروري تجميع الكتلة الحرجة في سرعة شديدة، وإلا ستتسبب الحرارة المنطلقة عند بدء التفاعل في الإطاحة بأجزاء اليورانيوم بعيدا قبل أن يدخل معظمها في التفاعل. ولمنع هذا الانفجار السابق على أوانه استخدمت القنبلة مسدسا لإطلاق قطعة واحدة من اليورانيوم 235 داخل ماسورة صوب قطعة أخرى. علاوة على ذلك، كان من المعتقد أن شكل القنبلة الأشبه بماسورة البندقية موثوق به إلى درجة عظيمة بحيث استبعدت فكرة الاختبار التجريبي. ومن المثير للاهتمام أنه لم تكن هناك فرصة لاختبار هذه القنبلة على أي حال؛ وذلك لأن إنتاج قنبلة الولد الصغير استنفد كل كمية اليورانيوم 235 المنتجة حتى ذلك الحين. لكن ما من شك في أن مشروع مانهاتن استطاع أن ينقل اكتشاف الانشطار النووي من المختبر إلى ميدان المعركة.
قرار إلقاء القنبلة على هيروشيما
سرعان ما نقل الجنرال جروفز خبر التجربة إلى الضابط المعاون لوزير الحرب ستيمسون، الذي بدوره نقل الخبر إلى الوزير بطريقة مبهمة: «جرى العمل عليها هذا الصباح. لم يكتمل التشخيص بعد، لكن النتائج تبدو مرضية وتفوق توقعاتنا بالفعل.» بعد ذلك أعطى ستيمسون - المفعم بالإثارة - ترومان تقريرا مبدئيا في المساء، بعد عودة الرئيس ترومان من جولته في برلين وهو لا يزال في مؤتمر بوتسدام. ورغم أن نجاح القنبلة أزال عبئا كبيرا عن عاتقه، فإن ترومان - الذي لم يكن قد قرر حتى تلك اللحظة ما إذا كان سيحتاج مساعدة السوفييت من أجل الإجهاز على اليابانيين - أخبر ستالين على نحو عارض بأن الولايات المتحدة «تملك سلاحا جديدا ذا قدرة غير عادية على التدمير». ورد ستالين - الذي كان له جواسيس نشطون في نيومكسيكو - بقوله إنه يأمل أن يحسن الأمريكان استخدامه. وبالتأكيد، مع نجاح تجربة ترينيتي، رأت حكومة الولايات المتحدة أنها قادرة على إنهاء الحرب دون مساعدة من الروس؛ ومن ثم وجه ترومان من بوتسدام إنذارا إلى طوكيو بالاستسلام الفوري دون قيد أو شرط، وإلا فإنها ستواجه «دمارا فوريا وشاملا».
على أي حال، صارت الولايات المتحدة تملك في ترسانتها سلاحا ليس له مثيل من حيث التدمير، بل إن ستيمسون اقترح أن هذا السلاح من شأنه أن يخلق «علاقة جديدة بين الإنسان والكون». اتفق مستشارو ترومان على أن القنبلة الذرية قادرة على إنهاء الحرب في المحيط الهادي، لكنهم اختلفوا حول أفضل السبل لاستخدامها. وهنا تكمن المفارقة؛ فالعلماء الذين طوروا القنبلة كانوا يريدون استخدامها ضد النازيين، وشعروا بالجزع الشديد حين علموا أنها ستستخدم ضد اليابان. وقد اقترح البعض إظهار قدرات القنبلة من خلال تفجيرها في منطقة غير مأهولة، فيما نادى آخرون بأنها يجب أن تستخدم ضد القوات البحرية اليابانية ولا ينبغي استخدامها مطلقا ضد المدن اليابانية، بل وذهب البعض إلى أن المقصد ليس هزيمة اليابان بقدر ما هو توظيف «الدبلوماسية الذرية» ضد الاتحاد السوفييتي، وضرب المثل من أجل تيسير التعامل معه في شرقي ووسط أوروبا بعد انتهاء الحرب.
وبعد تدارس المقترحات المتعددة، خلص ترومان إلى أن السبيل الوحيد لتقصير زمن الحرب - وفي الوقت ذاته تجنب غزو اليابان - هو استخدام القنبلة ضد المدن اليابانية. وبعد الساعة الثامنة والربع بقليل صبيحة يوم السادس من أغسطس 1945، ألقت قاذفة وحيدة من طراز «بي-29» تدعى «إينولا جاي» قنبلة الولد الصغير فوق مدينة هيروشيما (عدد سكانها 350 ألف نسمة)، ثاني أهم المراكز الصناعية والعسكرية في اليابان؛ مما تسبب على الفور في مقتل ما بين 80 و140 ألف شخص، وإلحاق إصابات خطيرة بمائة ألف آخرين أو أكثر. كانت تلك أول قنبلة يورانيوم 235 (تلك القنبلة التي لم تختبر من قبل قط)، وكانت ذات قوة تفجيرية مقدارها 20 ألف طن من مادة تي إن تي، وهي قدرة تافهة بدائية مقارنة بمعايير القنابل النووية الحرارية اللاحقة. ومع ذلك، في تلك اللحظة الرهيبة، دمر 60 بالمائة من مدينة هيروشيما؛ أي 4 أميال مربعة، وهي مساحة تعادل ثمن مساحة مدينة نيويورك. قدرت حرارة الانفجار بأكثر من مليون درجة مئوية، وهو ما أضاء الهواء المحيط وشكل كرة نارية قطرها نحو 840 قدما. وقد أفاد شهود عيان يبعدون أكثر من خمسة أميال بأن سطوع الانفجار فاق سطوع الشمس بعشر مرات، وشعر الناس بالانفجار على بعد 37 ميلا. تهدم أكثر من ثلثي مباني مدينة هيروشيما، وتسببت مئات الحرائق المشتعلة والموجة الحرارية للانفجار مجتمعة في إنتاج عاصفة نارية أحرقت كل ما كان موجودا في مساحة محيطها 4,4 أميال من مركز الانفجار محيلة إياه إلى رماد. واختفت هيروشيما تحت زبد فائر من اللهيب والدخان.
شكل 2-3: سحابة عيش الغراب ترتفع فوق هيروشيما.
بعدها بثلاثة أيام، وفي التاسع من أغسطس، ألقت قاذفة وحيدة أخرى من طراز «بي-29» تدعى «بوكس كار» قنبلة الرجل البدين (القنبلة التي جرى اختبارها في موقع ترينيتي) على مدينة ناجازاكي (عدد سكانها 253 ألف نسمة)، التي تضم مصنعين حربيين كبيرين لشركة ميتسوبيشي على نهر أوراكامي؛ مما تسبب على الفور في مقتل 24 ألف شخص وإصابة 23 ألفا آخرين. كان لقوة قنبلة البلوتونيوم قوة تفجيرية مقدارها 22 ألف طن من مادة تي إن تي، وهو ما يعادل الحمولة المجتمعة لأربعة آلاف قاذفة من طراز «بي-29»، أو أقوى بألفي مرة من القوة الانفجارية لما كان في السابق أشد قنابل العالم تدميرا؛ قنبلة «الضربة الساحقة» البريطانية، تلك القنبلة التي تمثل تحسينا تكنولوجيا في استراتيجية قصف المدن طوره الحلفاء خلال قصف كل من هامبورج ودريسدن. لكن على العكس من هيروشيما، لم تكن هناك عاصفة نارية هذه المرة. ورغم هذا، كان الانفجار أشد تدميرا للمنطقة المحيطة المباشرة؛ وذلك بسبب الطبيعة الطبوغرافية والقوة الأعتى لقنبلة الرجل البدين. إلا أن المنطقة شبه الجبلية المليئة بالتلال حدت من مساحة الدمار لما هو أقل من هيروشيما، ولم تكن الخسائر في الأرواح فادحة كحال هيروشيما. وفي ظل عدم قدرة الأطباء اليابانيين على تفسير السبب وراء أن العديد من المرضى المدنيين الذين لم يصابوا باتوا يذوون حتى الموت؛ ارتفعت حصيلة الوفيات في كلتا المدينتين، بينما بدأ السكان يقعون ضحايا للأمراض المرتبطة بالإشعاع.
شعر بموجات الصدمة فيما وراء الجزر اليابانية. وجاهدت الصحف الغربية كي تشرح للجمهور - المنتشي بالانتصار والمتحير في الوقت نفسه - كيف تمكن آلاف العلماء الأمريكان والبريطانيين والكنديين من تسخير قوة الشمس بحيث تحقق مثل هذا التأثير القاتل. ولم يكن من اليسير أيضا تفسير الكيفية التي استطاعت بها الولايات المتحدة تنفيذ برنامج علمي وعسكري بحجم مشروع مانهاتن وطوله بهذه الدرجة من السرية. وقد كانت النظرة المتناقضة للإنجاز الحكومي مطابقة لاستجابة الجمهور الأمريكي للقنبلة ذاتها؛ إذ خفف الإدراك المتزايد لمدى عظم المسئوليات التي يفرضها امتلاك مثل هذا السلاح القوي من الابتهاج بإمكانية تحقيق السلام الفوري. وذهب المنتقدون مثل العالم البريطاني بي إم بلاكيت إلى أنه على أفضل تقدير يمكن النظر إلى هيروشيما وناجازاكي بوصفهما الفصل الأول من الحرب الباردة وليسا الفصل الختامي للحرب العالمية الثانية. وبعد بناء القنبلة على الفور تقريبا ظهرت الآراء المعارضة للطاقة النووية. وقد حذر «تقرير فرانك» - الصادر في الحادي عشر من يونيو 1945، والموقع عليه من عدد من العلماء العاملين بمشروع مانهاتن - وزير الحربية ستيمسون من أن أي هجوم غير مسبوق بتحذير من شأنه أن يفضي إلى سباق تسلح. بيد أنه تم تجاهل التقرير والعلماء الموقعين عليه.
امتد تأثير السلاح الجديد إلى ما وراء الدوائر العسكرية والعلمية التي جرى تطويره فيها، وإلى حد غير مسبوق بدأ يتسرب إلى خيال العامة، بينما صارت صور سحابة عيش الغراب رمزا للقدرة التدميرية الجديدة المكتشفة. إن «أعظم مقامرة علمية في التاريخ» - حسب وصف ترومان - قد نجحت بفعالية ساحقة، ولم يكن ثمة شك في أننا وصلنا بها إلى نقطة تحول في تاريخ العالم المعاصر. في الحقيقة، صارت «القنبلة» - وهو الاسم المختصر الذي سرعان ما أطلق عليها - الملمح المميز لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
Unknown page