وفي مساء الأربعاء الواقع في 25 يونيو (حزيران) سنة 1879، كانت الناس في القاهرة تتحدث باضطراب السياسة المصرية؛ لحقد دولتي إنكلترا وفرنسا على الخديوي، حتى خشي الناس تنازله.
فتمنى عزيز حصول ذلك ظنا منه أن هذا الأمر إذا تم عاد على شفيق بالفشل؛ إذ ربما يترتب عليه إلغاء الأمر الصادر بشأن إرساله إلى لندرا، فصار كله آذانا تسمع، وأعينا تبصر؛ استطلاعا للأخبار الجديدة، وسار في ذلك الليل إلى الباشا ليرى رأيه في تلك الإشاعات.
فلما استقر به الجلوس قال عزيز: ما رأي سعادتكم في هذه الإشاعات؟ أتظن الدولتين تفوزان ويستعفي أفندينا إسماعيل باشا؟
قال الباشا: إن إبراهيم باشا؛ المرسل من قبل أفندينا إلى الآستانة في هذا الشأن، قد أرسل الأخبار البرقية ينبئ برضا الباب العالي عنه، وأما القنصلان فإنهما ينصحان له أن يستعفي.
فقال عزيز: وما سبب هذا الحقد عليه؟ وما هي العلاقة بينه وبين هاتين الدولتين؟
قال الباشا: لا يخفى عليك، يا ولدي ، أن أفندينا لكثرة شغفه بتحسين حالة البلاد وزخرفها، ولا سيما القاهرة، مع ما أجراه من فتح الترع وبناء الجسور التي اقتضت إنفاق الأموال الطائلة بغير حساب، قد اضطرته إلى استدانة الأموال الكثيرة من أغنياء ممالك أوروبا، ولا سيما إنكلترا وفرنسا، فبلغ مقدار ما على الخزينة المصرية نحوا من تسعين مليونا من الجنيهات المصرية، فلما رأت الدول ذلك خافت ألا يكون بين دخل الحكومة المصرية وخرجها نسبة، أو أن يكون في دفاترها ريب، فبعث كل من إنكلترا وفرنسا رقيبا لحساباتها، فتألفت لجنة المراقبة، ثم أرادوا المداخلة في أعمال الحكومة أكثر من ذلك؛ بدعوى أن لإجراءات الحكومة أثرا في خزينة البلاد المديونة، فسعوا حتى أمست حكومة الخديوي شوروية؛ أي تحت مشورة مجلس النظار، بعد أن كانت تحت تصرفه المطلق، ثم أدخلوا في هذا المجلس ناظرين أجنبيين: الواحد إنكليزي، والآخر فرنسوي. وفي أيام هؤلاء، قرر مجلس النظار رفت بعض الجنود اقتصادا بالنفقات، فثار المرفوتون وجاء ضباطهم إلى نظارة المالية وأمسكوا برئيس النظار وناظر المالية وتهددوهما، ولولا ظهور أفندينا إذ ذاك لما أبقوا عليهما؛ فإن كلمة واحدة منه أوقفتهم عند حدهم.
وفي نهاية الأمر، رأى أفندينا أن وجود الناظرين الإفرنجيين يضايق عليه، فعزلهما وولى ناظرين وطنيين، فتكدرت منه الدولتان وحقدتا عليه، فسعتا ضده في الآستانة، ولا تزالان تسعيان حتى الآن، والناس بين واجس وآمل.
فلاح لعزيز أن الدولتين لا تنفكان حتى تنالا المأرب، فينال هو مأربه ظنا منه أن تغيير الخديوي يقضي بإلغاء الأمر بسفر شفيق ودرسه على نفقة الحكومة، وقضيا بقية وقت السير في أحاديث مختلفة.
وفي الصباح التالي، أفاق عزيز من أصوات المدافع المؤذنة بتنازل إسماعيل باشا وتولية ولده محمد توفيق باشا مكانه، فلبث ينتظر ما يكون من التغيير، وما يظهر من أعمال الخديوي الجديد، فإذا به أمير محب لرعيته، راغب في مصلحتهم، ساع إلى ترقية شأن بلادهم، فخاب أمله، وحبط سعيه؛ لأن ذلك التغيير لم يغير شيئا من حظ شفيق؛ فإنه ما زال يدرس المحاماة في إنكلترا، وكل يوم في نجاح .
الفصل العشرون
Unknown page