فصل:
ويرجح الظاهر جزما في مواضع إن استند إلى سبب منصوب شرعا كالشهادة المعارضة للأصل أو معروف عادة: كأرض على شط نهر. الظاهر أنها تغرق وتنهار في الماء فلا يجوز استئجارها. وجواز الرافعي تخريجه على تقابل الأصل والظاهر.
قلت: وفيه نظر؛ لأن الظاهر هنا معتضد بعادة مستقرة فهو ينزل منزلة القطع أو منزلة السبب المنصوب شرعا، فلهذا جزم باعتماده، وإنما يقع الخلاف في ظاهر مجرد يقابل الأصل.
والموضع الثالث مما يرجح فيه الظاهر جزما أن يضعف اعتماد الأصل لمعارض فيبقى الظاهر سالما عن المعارض.
مثاله قال: أنت طالق ثم ادعى سبق لسان، فإنه لا يصدق ظاهرا إلا بقرينة؛ لأن الظاهر من حال البالغ العاقل أنه لا يتكلم إلا عن قصد فإن قيل القصد خلاف الأصل فكيف عمل بالظاهر؟
قلنا: أصل عدم القصد تعارض بأنه متهم في هذه الدعوى ما في الإبضاع من الاحتياط، ثم إن سبق اللسان خلاف الأصل، فلما تقاوم الأصلان تساقطا وبقي الظاهر فعمل عمله وهب أن القصد خلاف الأصل فانتفاؤه انتفى لقصد الوقوع ولا يلزم من انتفاء قصد الوقوع انتفاء الوقوع؛ لأن اللفظ يعمل عمله وإن لم يقصد وإذا لم يقصد العدم ففرق بين قصد الوقوع وقصد العدم.
فصل:
ويرجح الظاهر على الصحيح إن كان سببا قويا منضبطا. وذلك في مسائل. منها: حيوان يبول في ماء كثير، ثم يوجد متغيرًا فالمذهب النجاسة لغلبة الظن بأن التغير من البول١.
_________
١ قال الزركشي: هذا وإن احتمل تغيره بطول مكث أو سبب آخر نص عليه، فأستند التغير إليه مع أن الأصل طهارته، لكنه بعد التغير احتمل أن يكون بالمكث وأن يكون بذلك البول، وإحالته على البول المتيقن أولى من إحالته على طول المكث فإنه مظنون فقدم الظاهر على الأصل وتابعه الجمهور.
وقيل إن كان عهده عن قرب غير متغير فنجس، وإلا فظاهر ولو ذهب عقب البول فلم يجده متغيرًا، ثم عاد في زمن آخر فوجده متغيرا قال الأصحاب: لا يحكم بنجاسته وقال الدارمي: يحكم.
راجع المنثور ١/ ٣١٨.
1 / 19