للفضل بعيده وقريبه شفاء لما في الصدور ووفاء لما للعلم في ذمة بني الدهور وصفا يروق به موارد السرور، واكتفى بما تعلق به الرجاء من عظائم الأمور، أولًا لا يحتاج إلى ثانٍ ومكملا ليس عنه ثانٍ، وموئلا للطلبة ليس عليه إلا مثنٍ –وقضى السجع بأن أقول: ثانٍ كأنما صعد صاحبه السماء وأخذ بدرها أو غاص البحار واستخرج درها، لا والله- بل بعثر القلوب وأفشى سرها، ثم جمع الإمام العلامة صدر الدين محمد بن عمر بن المرحل١ كتابًا في الأشباه والنظائر في الفروع طاول فيه الفراقد وحاول المعالي فسهر في طلبها، وخلف ألف راقد وتناول النجم قناداه لسان الإنصاف. ولما رأيت الناس دون محله تيقنت أن الدهر للناس ناقد ولقد جاوز قدر كل ذي قدر، وزاحم الرءوس في مجالس المعالي، ويد الحق تضع في الصدر الصدر وتضايق القوم حيث فسح له وأنشد:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
ضاق بها وهي في مجالس العلم الصدر، ولكن صدر الدين وراق بها ربعها وإن بعد عهده فلا يتغير، وإن غير النأي المحبين وساق منه هديا لحفظه التقي فنسيانه ضلال مبين، وساق منه كتابا يتلقاه ذو المعرفة باليمين، فما هاج شوقي إلى ما أنا بصدده إلا كتابه لا حمامه، ولا بعث على هذه الكلمات سواه لما سمعت كلامه، فلقد بعثني [فأقام] ٢ على ليلي من الفكر القيامة لأني مع استحسانه وجدته محتاجا إلى تحر في تحريره، وممر عليه من أوله إلى آخره لكونه مات وهو مجموع مفرق؛ لتبذيره من غير تدبيره، منسوب في نفسه إلى قصوره غير منسوب إلى مصنفه، وقد عارضته المنية إلى تقصيره.
فعمدت إلى هذا الكتاب فاجتلبت زبده وقذفت في بحر فوائد زبده وجمعت عليه من الأشباه نظائر كالأرواح جنودا مجندة وحررته في الدجى بشهادة النجوم ولاقيت عسره
_________
١ محمد بن عمر بن مكي بن عبد الصمد بن عطية بن أحمد، يقال عبد الصمد بن أبي بكر بن عطية الشيخ الإمام العلامة ذو الفتوق صدر الدين أبو عبد الله ابن الشيخ الإمام الخطيب زين الدين أبي حفص العثماني المعروف بابن المرحل وبابن الوكيل. ولد بدمياط في شوال سنة خمس وستين وستمائة، وقال السبكي في طبقاته: كان الوالد يعظمه ويحبه ويثني عليه بالعلم وحسن العقيدة. توفي في ذي الحجة سنة ست عشرة وسبعمائة بالقاهرة.
طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٢/ ٢٣٣، ابن السبكي ٦/ ٢٣ والبداية والنهاية ١٤/ ٨٠، وفوات الوفيات ٢/ ٢٥٤ حسن المحاضرة ١٥/ ٢٣٧.
٢ في ب: "وأقام".
1 / 7