وكيف ائتلاف النظائر، واختلاف المآخذ. واحتماع الشوارد. وذلك أمر شديد، لا ينال بالهوينا والهدوء. ولا يدرك شأوه إلا من تصدى بأعماله قلب وقالب. لا يزال ذات نمو. ولا يحوم على حماه إلا من بين ذاته والسواد١ مانعة الجمع وبين أفكاره والسهاد مانعة الخلو. إن لمحت له بارقة اختطفها، وإن لاحت له نادرة بادر إلى ثمرتها واقتطفها، وإن قدمت عليه غريبة ردها إلى وطنها بعدما اقتطفها، يعمل أفكاره، ويدأب ليله ونهاره ويستسقي كل جعفر ولو نضب ماؤه وتنحت عنه أطياره، ويرعا، ولو وقف ذهنه الأنجم السيارة ولا يحجم ذهنه إذا ازدحمت المعضلات بل تقدم قائلا: "أنا ابن داره" يمر به المعضل فيقتحم في حله أهوالا ولا يقول: أهابك إجلالا، بل يستحل مريره وينشد من يعيبه.
ومن يك ذا فم مر مريض ... يجد مُرًّا به الماء الزلالا
فإذا أحكمه وجعله تحت حكمه شد حيازم عزمه وأنفق من خزائن علمه. ولم يخش من ذي العرش إقلالا، هكذا هكذا وإلا فلالها ولقد ألف سلطان العلماء -أبو محمد- عز الدين بن عبد السلام٢- قواعده. بل رصف فرائده ووضع قلائده وجمع فوائده ونوع موائده وقال فلم يترك مقالا لقائل وتسامى ولم يسمع أين الثريا من يد المتناول وتعالى كأنما هو للنيرين متطاول، وتصاعد درج السيادة حتى فاق الآفاق، وتباعد عن درجات معاصريه فساق أتباعه أمما وشاق ومضى وخلف ذكرا باقيا ما سطر الأوراق في الأوراق وأقبل كأنه تسعى بين يديه الأنوار، وترفل في أثوابه أزهارها ونوار، وجاء بيانه البديع بالمعاني البسيطة في اللفظ الوجيز الذي يحلو عليه التكرار وشاع اسمه كأنه علم في رأسه نار. وجاء هذا الكتاب على وفق مطلوبه، كاملا في أسلوبه شاملا
_________
١ في ب: "الوساد".
٢ عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن الشيخ الإمام العلامة وحيد عصره سلطان العلا، عز الدين أبو محمد السلمي الدمشقي ثم المصري، ولد سنة سبع أو ثمانٍ وسبعين وخمسمائة، وتفقه على الشيخ فخر الدين بن عساكر وقرأ الأصول على الآمدي وجمع بين فنون العلم.
قال ابن قاضي شهبة عن كتاب القواعد الكبرى وهو الكتاب الدال على علو مقداره وله تصانيف عديدة انظر ترجمته في:
فوات الوفيات ١/ ٢٨٧، طبقات الشافعية لابن السبكي ٥/ ٨٠، البداية والنهاية ١٣/ ٢٣٥، شذرات الذهب ٥/ ٣٠١، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٢/ ١٠٩.
1 / 6