كانت تتلو صلواتها بهمهمات بأنفها وثغرها يلامس صدري، وكأنها تصدر أوامرها لجسدي بالاستسلام، ولعقلي بالتوقف، أفقت لحظيا وأنا أسير بيدها عاريا لغرفة جدتها، أسير حيرتي بين رغبتي في الخضوع، ورغبتها في إخضاعي.
كانت الغرفة تشبه المذبح المقدس، لا أدري كم من القرابين قدمت بتلك الغرفة، مددتني بالفراش ومددتها، اعتلتني واعتليتها، ضاق حلقي وحلقت روحي، أطلقتها هي لتحلق وروحها بسقف الغرفة نراقب جسدينا يتلاحمان؛ نيراني وماؤها، لا تحرق ناري ماءها، ولا يطفئ ماؤها ناري، بل صرنا ماء مقدسا مضيئا بالفراش، لم أشعر بحدود طيفي في طيفها، لم يعد الكون مناسبا لاحتواء كل تلك الفورة المقدسة، لا أدري كيف عادت روحي مرة أخرى لتسكن جسدي، غادرت الغرفة ونظري معلق بسقفها؛ فألمح بصمات روحي ضيا يخفت بهدوء وأنا أغادرها.
جلسنا على أريكة قديمة، جلسنا على الأرض، نستند إلى الحائط ونعقد أرجلنا أمامنا، تحدثنا، تحممنا، أحضرت بعض النبيذ وأعدت هي المشواة، كنت أظنها نباتية حتى رأيتها تلتهم اللحم كالجوارح، وتشرب معه النبيذ الأحمر، أراقبها دون تستر وتراقبني باقتحام، وكأننا اتفقنا أن نظهر أسوأ عاداتنا الشخصية، كنت أراقب عينيها كلما قبلتني، كانت تنظر خلسة للبحر، تثير غيرته، وتشكر سيرابيس ربما، كنت أختلس النظرات إليهما أيضا، في الحقيقة كنت أحاول معرفة سر ابتسامة سيرابيس لي، وكأنه يعلم جيدا جهلي التام بالفصل التالي.
العود الأول
لم أجد معاناة في الوصول لمحطة القطار مرة أخرى، وبروحي الكثير من مائها والبعض من ناري، لم أرجع كما ذهبت، هي أذابت ترابي في مائها، شكلت صلصالي، نحتت نقوشها بأظافرها، وأحرقت منحوتتي بناري، ونفخت في نيراني بهوائها، وهوانا، لم يحاورني القطار في عودتي، بل كان يتهادى بروحي، حتى حبات عرقها لم تغادر مسامي؛ فقد آثرت الاحتفاظ بما بقي من رائحتها بجسدي.
دخلت لورشتي، خلعت ملابسي والبعض من رائحتها بالباب، ومشيت حافيا بلا وجهة محددة، لا أعرف إن كنت أريد بعض القهوة أم بعض النبيذ، لم يكن هناك ضير من القهوة مضافا إليها بعض الفودكا الفنلندية.
ممتلئ بها ولم تثقلني، وحيد بها فلا يؤنس وحدتي بها الآن غير سيجارتي، وموسيقاي وعقل فارقه عقله؛ فبدأ يفكر بخطة تقاعده المبكرة، دخلتني كدخان سيجارتي، فلا أعرف ما خرج منها وما بقي بصدري .
لم أصل بعد للمعرفة، أحتاج للكثير من الكلمات لأفهم القليل منها، لا أعرف إن كانت مزيدا من الصدأ لمعدني، أم كانت حجرا يعيد صقل ما صدئ من روحي، كانت تجري بشراييني، هادر موجها، هل ستكون لي نهرا متجدد المياه؟ تفيض وتنحسر؟ أم ستكون بحرا تتقلب بي بين مد وجزر؟ في الحالتين هي ماء، قد تطفئ ناري، وعذبها قد ينبت روحي، وملحها قد يطهر أوردتي؛ فبكل الأحوال، هي تسري بأوعيتي.
كنت أظن أنني أعرفها جيدا، حتى زارتني؛ لتروي بذرة من الشغف وضعتها خلسة بعقلي؛ فأذهب خلفها لسيرابيس، أطالع مئذنة ابن طولون وأسأله إن كان يرضى بحكم سيرابيس، لم يجبني صراحة، نظرت لكف يدي شعرت بشق السكين مرة أخرى، شعرت بنفس سيلان دمي وسريان دمها.
لم نتفق على موعد لنلتقي مرة أخرى، هي تعرف بيتي وجامعتي وأنا أعرف بيتها وجامعتها، بالطبع لا أفكر في شراء هاتف لأتواصل معها، لا أعرف إن كانت تملك واحدا، أم هي مثلي بدائية! اعتدت ما عشقت في بدائيتي، لكنني الآن أتخبط في عدم الفهم لما يحدث لي، لا أعرف إن كنت قد اكتفيت، إن كنت سأتوقف عن البحث؟ إن كانت هي من كنت أبحث عنها فهي الآن مني وبي وأنا منها وبها، كم اشتقت لتلك اللحظة! والآن لم أعد أعرف أي شيء.
Unknown page