Armanusa Misriyya

Jurji Zaydan d. 1331 AH
132

Armanusa Misriyya

أرمانوسة المصرية

Genres

وخاطب البطريق الأسرى بلسان زياد قائلا: «ها أنتم أولاء أسرى في أيدينا، فقولوا: ما الذي جاء بكم إلى بلادنا وحملكم على قتالنا؟»

فأجابه عمرو بقلب لا يهاب الموت: «أتينا ندعوكم إلى الإسلام فيكون لكم ما لنا، أو أن تدفعوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإلا فلا مفر عن قتالكم، فإن الله يأمرنا بجهاد عدونا إلا إذا أجبتمونا إلى أحد الأمرين.»

فلما فهم البطريق قوله عجب لأنفته وشهامته، وقد كان يتوقع أن يراه يتذلل ويستعطف، فارتاب في أمره، والتفت إلى أعضاء مجلسه، فإذا هم في مثل حاله، فقال لهم باليونانية: «يظهر من أنفة هذا الرجل وكبر نفسه أنه من وجوه العرب، وقد يكون من كبار قوادهم، فلا بد لنا من قتله.» ودار الحديث بين القواد في مثل هذا المعنى، فخاف مرقس أن يقتل عمرو فيفشل جند العرب ويتغلب الروم، فتعود العائدة على المقوقس وأرمانوسة، فمال إلى إنقاذ عمرو. أما أركاديوس فقد هم بأن يصرح بما يعلمه عن عمرو. غير أن مرقس تقدم إليه وقال: «أذكر يا مولاي أنه لولا هذا الرجل لكانت سيدتي أرمانوسة ترابا أو في قبضة يوقنا الخائن، فلولاه لقبض عليها وسافر بها إلى القسطنطينية غنيمة باردة، فأنقذها منه وحفظ حياتها، وأنا كنت الوسيط في ذلك كما تعلم، فهي مدينة له. أفيليق بنا أن نساعد على قتله؟ وهب أنهم قتلوه، فعند العرب كثيرون غيره.» فسكت أركاديوس، ولكنه لم يستطع البقاء في القاعة، فخرج، وظل مرقس وفي قلبه وجل على حياة عمرو. وأما زياد فكان ينظر إلى عمرو بطرف خفي كأنه يلومه على مجازفته، وكان وردان يعلم اليونانية فلما فهم ما قاله البطريق أحب أن يفهمه عمرا فلم ير خيرا من أن يلكمه منتهرا، فلكمه وصاح فيه: «ما بالك تهذي يا رجل؟ ومن أنت حتى تنسب إلى سادتك ما قد نسبت؟ ومن أقامك متكلما عنهم؟ وما أدراك بأغراضهم؟ ولست إلا من صعاليكهم.»

فسأل البطريق زيادا عما يقول وردان، فترجمه للبطريق وفخمه وزاد فيه ما يرفع الشبهة عن عمرو، فازداد البطريق تعجبا لصدور تلك الجرأة من صعلوك، فقال لوردان: «وما غرضكم الآن؟»

قال: «اعلم يا سيدي أن أميرنا أعزه الله أقرب الناس إلى المسالمة، ولكنه يود قبل النكوص أن يعقد مجلسا من كبار الجيشين يتفقون على شروط الهدنة، فإذا أذنت برجوعنا إليه أخبرناه بما لقينا من حسن الوفادة وكرم الأخلاق.»

فضحك البطريق وقال: «شروط الهدنة؟ أي شروط تريدون؟ سوف نعيدكم على أعقابكم القهقرى. قولوا لأميركم أن حامية الإسكندرية ليس فيها أحد من القبط، وإنما هي كلها من أبطال الروم، وليعلم أنه لولا خيانة المقوقس ما استطاع البقاء في وادي النيل يوما واحدا، وسيلقى ذلك الخائن منا ما يشيب لهوله الأطفال، ووالله ومريم العذراء لأجعلن لحمه ولحم أهله طعاما للأسماك. عودوا إلى أميركم بذلك.»

فهاج غضب عمرو لتلك اللهجة، ولكن زيادا ووردان ومرقس كانوا ينظرون إليه خلسة يخففون عليه مخافة أن يصيبه الأذى، فصمت ولم يجب، وأشار البطريق أن يخرجوهم، فعادوا بهم إلى باب المدينة وأطلقوا سراحهم، فنجوا.

أما أركاديوس فقال لمرقس بعد خروج عمرو: «لقد ارتكبت عارا كبيرا يا مرقس لأني كنت أستطيع قتل أمير العرب ولم أفعل.»

فقال مرقس: «كيف تقتله وكنت أسيرا عنده ولم يقتلك؟» قال: «ولكنه لم يطلق سراحي.»

قال: «ألم يطلق سراح سيدتي أرمانوسة؟! ألم ينقذها من خيانة يوقنا اللعين؟! ألم يكن مجيء العرب إلى هذه البلاد سببا لنجاتها من قسطنطين بن هرقل؟! لا تندم يا سيدي على خير فعلته جزاء لخير نلته، وزد على ذلك أن مثلك يفتخر بقتل الأمراء في ساحة الوغى وليس في أغلال الحديد.»

Unknown page