Aristuqratiyya Muqaddima Qasira Jiddan
الأرستقراطية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
وتماما مثل النخب القديمة التي كان النبلاء المتعلمون يشبهون أنفسهم بها، كان النبلاء يفترضون بطبيعة الحال أنهم أفضل الناس. لكن لم يعش إلا عدد قليل منهم في دول أرستقراطية وفقا للتعريف الأصلي. فباستثناء عدد قليل من الدول المدن التي كانت معظمها إيطالية وتحكمها جميعا النخب بالوراثة، مثل الجمهوريات في العصور القديمة، أصبحت معظم الحكومات ملكية في ذلك الوقت. وعلى الرغم من أن الملوك بوجه عام كانوا يعتلون العرش ويسلمونه وفقا لمبادئ الوراثة نفسها التي يطبقها النبلاء، فقد مر وقت طويل حتى رسخت فكرة أنه حتى في ظل وجود حاكم واحد فإن السلطة فعليا تكون مشتركة. حدث آخر إنجاز في عام 1748م عندما تخلى مونتسكيو رسميا عن تصنيف أرسطو للدول؛ إذ أوضح في كتابه «روح القوانين» أن الأنواع الأساسية الثلاثة للدول هي الجمهوريات والممالك والديكتاتوريات. وكانت الأرستقراطية مجرد أحد أنواع النظم الجمهورية، تحكم في ظله الأقلية بدلا من الأغلبية. وقد عرف هذه الأقلية الحاكمة بالنبلاء، لكن المصير الحقيقي للنبلاء يكون في رأي مونتسكيو في النظم الملكية. فهم يلعبون في هذه النظم دورا أساسيا بوصفهم سلطة وسيطة بين الملك والرعية، يحافظون على تطبيق القوانين، ويمنعون انحدار الدولة إلى الحكم الديكتاتوري. وقد كان شعاره الأساسي: «لا نبلاء دون ملك، ولا ملك دون نبلاء.»
مع هذا، بمجرد أن اتضح - على نحو مقنع - أن النبلاء والملوك وحدة واحدة، أصبح من الممكن التفكير أيضا في إسقاطهما معا. فعندما نجح الثوار الأمريكيون في إعلان عدم ولائهم للملك جورج الثالث، عقب مرور ثلاثة عقود فقط على ما كتبه مونتسكيو، وأقاموا الجمهورية، أعلنوا أن أي شكل من أشكال النبالة غير متوافق مع دولتهم الجديدة. كذلك بدءوا يتحدثون عن مخاطر استيلاء «طبقة أرستقراطية» من الأغنياء على السلطة؛ ولهذا حذفوا تمييز أرسطو الدقيق بين الأرستقراطية وحكم الأقلية. وفي نحو عام 1780م، بينما كانت هذه القضية لا تزال معلقة في أمريكا، بدأ المصلحون في الجمهورية الهولندية يتهمون الأقلية في بلادهم بأنهم أرستقراطيون، وهي كلمة لم تكن متعارفا عليها من قبل. وفي خلال بضع سنوات، استخدمها الثوار الفرنسيون في وصف معارضيهم. نشأ هذا الاستخدام من حقيقة أن الثورة الفرنسية كانت قد بدأت كصراع من أجل القضاء على امتيازات النبلاء الفرنسيين وسلطتهم. فأصبحت الأرستقراطية الآن تعني بوضوح أكثر من مجرد أحد أشكال الحكومة؛ إذ أصبحت تعني سلطة مجموعة اجتماعية معينة ومؤيديها. كذلك أصبحت تشير إلى هذه المجموعة بطريقة أكثر تعميما. وفي النهاية أصبح مصطلحا الأرستقراطية والنبالة مترادفين بالكامل بوصفهما مصطلحين وصفيين.
منذ ذلك الحين ظل هذا هو الاستخدام الشائع لهذا المصطلح. يستخدم بعض المحللين أو المعلقين كلمة «أرستقراطية» في التمييز بين مجموعة أوسع من رتب النبلاء؛ حيث يخصون بهذا المصطلح الأقلية الغنية من أصحاب النفوذ المؤثرين أو النبلاء. يمكن استخدام هذا في أنواع معينة من التحليل، لكن بوجه عام يفهم على نطاق واسع (وإن كان ذلك على نحو غير دقيق) أن كلمتي «أرستقراطي» و«أرستقراطية» تشيران تقريبا إلى نفس معنى لفظتي نبيل ونبالة.
يصف هذان المصطلحان النخبة الأوروبية، لكن عندما احتك الأوروبيون بثقافات أخرى حاولوا غريزيا اللجوء إلى تصنيفاتهم الخاصة من أجل فهم ما يجدونه في هذه الثقافات؛ وعليه استخدم مصطلح «الأرستقراطية» أو «النبالة» في وصف حكومات الأقلية والنخبة الاجتماعية خارج حدود أوروبا. مع هذا، في حين يكون جميع الأرستقراطيين من صفوة المجتمع، لا يكون جميع صفوة المجتمع أرستقراطيين، ويجب تعريف الأشكال غير الأوروبية ووصفها وفقا لأسمائها الخاصة، وهو ما يحتاج إلى كتاب من نوع آخر؛ ومن ثم، فإن هذا الكتاب يقتصر على عرض التجربة الأوروبية. ومع هذا، فإن كل شيء نقوله تقريبا على سبيل التعريف سيخضع لاستثناءات، وإن كان يبدو أن ثمة مبادئ عامة معينة تغطي معظم الحالات. (2) النبلاء
كان مصطلح النبلاء يعني دوما التمييز العام، بداية من العائلات «المعروفة» في روما القديمة وصولا إلى أولئك الذين ظلوا يذكرون حتى عام 1944م في دليل جوته السنوي الألماني عن النبلاء، أو حتى يومنا هذا في دليل بوتن الاجتماعي الفرنسي، أو دليل بيورك عن النبلاء، أو دليل الأعيان ملاك الأراضي. لقد كان الجميع يعترفون بتفوق أولئك المنتسبين إلى طبقة النبلاء، سواء أكان هذا الاعتراف يأتي من باقي أفراد المجتمع، أو من نفس الطبقة، أو من السلطات العامة، أو في معظم الأحيان من الفئات الثلاث مجتمعة. لا يوجد أساس موضوعي أو علمي لهذا التفوق. إن تعبير «الدم الأزرق» - الصفة التي ادعاها لأول مرة المحاربون المسيحيون في مملكة قشتالة في العصور الوسطى، ومنذ ذلك الحين تستخدم عادة كأحد الرموز الدالة على طبقة النبلاء - لم يكن قط أكثر من مجرد استعارة لونية؛ فقد اعترف المراقبون غير المتحيزين، حتى في الأوقات التي كانت فيها سلطة النبلاء لا نظير لها، أن طبقة النبلاء في النهاية لا تزيد عن كونها فكرة أو اعتقادا ملفقا. كان هذا أمرا مقنعا جدا؛ حيث كان يدعمه - كما هو الحال دوما - كم كبير من مزاعم الرفعة الأكثر واقعية.
كيف حصل هؤلاء على مثل هذا التميز المحير والحصري؟ تاريخيا حدث هذا بثلاث طرق.
على مدار السواد الأعظم من حقبة العصور الوسطى كان الناس ينضمون إلى طبقة النبلاء عن طريق أسلوب التناضح والامتصاص؛ فقد كانت العائلات تحصل على الاعتراف بها بأنها من النبلاء عن طريق تجميع مجموعة من السمات والأنشطة المعترف بأنها مناسبة؛ مثل جمع الأراضي والتابعين، وإظهار مهارات قتالية وإنجازات، وبوجه عام عيش «حياة نبيلة» (انظر الفصل الثالث). لم تختف بالكامل قط هذه الطريقة في تأكيد الحق في الحصول على مكانة النبلاء، ولم تتمكن إلا قلة من العائلات من أن تصبح من طبقة النبلاء دون إرساء عناصر نمط حياة النبلاء أولا. مع هذا، منذ أواخر القرن الخامس عشر وحتى القرن التاسع عشر (وأحيانا بعده) كان ادعاء النبالة، بناء على هذا الأساس بالكامل، يعتبر نوعا من الانتحال. لقد استمر حدوث هذا الأمر، لكن ازدادت صعوبة الحصول على هذا اللقب. يرجع السبب في هذا إلى أنه خلال هذه القرون احتكر الحكام على نحو فعال ميزة منح لقب النبلاء. وقد كان المقابل الضمني للاعتراف بالنبلاء أو منحهم الامتيازات أن يسمح النبلاء للملوك (أو المجالس السيادية في العدد القليل المتبقي من الجمهوريات، مثل البندقية أو جنوة) بالتحكم في منحهم لرتبهم.
من ثم، كانت الطريقة الثانية أن تمنح مكانة النبلاء بمنحة من الحاكم. وأكبر «دليل» لا جدال فيه على هذا، الإجازات الرسمية أو خطابات منح مكانة النبلاء التي كانت تصدر رسميا من السلطات المختصة. ويمكن تعقب جميع سلالات النبلاء تقريبا حتى وقت ظهور مثل هذه الوثيقة، وحتى من يدعون أنهم أكثر قدما من هذا، يعتمدون على الاعتراف الموثق من هذه السلطة للنبلاء الذين كانوا موجودين من قبل. إن طرق منح مكانة النبلاء رسميا وأسبابه متنوعة للغاية؛ فلم يسأل الملوك قط عن دوافعهم لمنح هذه المكانة، رغم أنهم ربما يعرضون أنفسهم لنقد لاذع إذا رفعوا الأشخاص المفضلين لديهم - كما كان يقال دوما - «من العدم». في معظم الأحيان كانت مكانة النبلاء تمنح اعترافا بالخدمات التي يؤديها الأفراد، سواء في ساحة المعركة، أو - على نحو متزايد - في مجالي السياسة أو الإدارة؛ فقد كان منح الإداريين مكانة النبلاء أمرا تلقائيا؛ فعند وصولهم إلى مستوى معين، كان هذا التمييز يأتي بحكم المنصب. إلا أن خطابات التعيين ظلت تؤكد المكانة الجديدة.
أما بخصوص الطريقة الثالثة فقد كانت مكانة النبلاء تشترى. كان من النادر أن تباع علنا، فيما عدا أوقات الضرورة المالية، لكن فعليا لم يحصل إلا عدد قليل من العائلات على هذه المكانة دون دفع مبالغ كبيرة من المال. لقد أدرك الحكام منذ مرحلة مبكرة أن التمييز بين الناس له قيمة سوقية مربحة، وأن احتكار إصدار مثل هذه الامتيازات يمكن أن يصبح مصدرا مهما للدخل؛ وعليه، فإن خطابات المنح لم تكن تصدر مطلقا إلا مصحوبة بكم كبير من الرسوم. وفي فرنسا، حيث كانت معظم المناصب الملكية في الفترة بين أواخر القرن الخامس عشر وقيام الثورة في عام 1789م معروضة للبيع، منحت آلاف عدة من أعلى وأغلى هذه المناصب مرتبة النبلاء لمشتريها.
مع هذا لا يرى إلا عدد قليل من النبلاء أنفسهم نتاج صنع دولهم. ثمة مصطلح آخر يستخدم مرادفا لمصطلح النبلاء؛ وهو «عراقة الأصل». لقد كان النبلاء رجالا فضلاء من أصل عريق، ولم تفقد هذه الكلمة في اللغة الإنجليزية هذا المعنى الذي ظلت محتفظة به في اللغات اللاتينية إلا في خلال القرن الثامن عشر، وهو المعنى الذي يقتصر على «عراقة» المولد . لقد كان المولد هو أفضل صفة مؤهلة على الإطلاق؛ فالنبلاء الحقيقيون يولدون لا يصنعون. وقد اشتهر ملك فرنسا فرنسوا الأول (1515-1547م) بقوله إن الملك يستطيع صنع عدد لا حصر له من الرجال النبلاء، لكنه لا يستطيع أبدا صنع رجل عريق الأصل. (3) الوراثة
Unknown page