كان يروق لهما الجلوس في ركن الممر إلى جوار صورة الغزال الأحمر؛ المكان الذي شهد أول نجاح لهما. اتفقا على أن يكون هذا هو مكانهما الخاص حيث يمكنهما الاختلاء بعيدا عن أعين الآخرين. أحضرت السيدة كروس قلم رصاص وورقة، وأخرجت الدرج الناتئ من كرسيه وثبتته، وحاولت أن تتعرف على قدرة جاك على الكتابة. كانت شأنها شأن الكلام بالنسبة له؛ فقد كان يكتب متعجلا بعض الشيء، ويضغط على القلم حتى ينكسر سنه، ثم يبدأ في البكاء. لم يحققا أي تقدم، في الكتابة أو الكلام. كان الجهد بلا طائل. لكنها كانت تتعلم كيف تتحدث إليه بطريقة نعم ولا، وبدا لها أحيانا أنها تستطيع قراءة أفكاره.
قالت له: «لو كنت أكثر ذكاء، لنفعتك أكثر من ذلك. أليس هذا مزعجا؟ أستطيع أن أقول كل ما يدور برأسي، لكن رأسي خاو دائما، بينما يعج رأسك بالأفكار ولا تستطيع أن تفصح بشيء منها. لا عليك. سنحتسي قدحا من القهوة، أليس كذلك؟ قدح من القهوة، هذا ما تحبه. اعتدنا أن نحتسي أنا وصديقتي السيدة كيد الشاي طوال الوقت، لكنني الآن أحتسي القهوة؛ فأنا أفضلها أيضا.» ••• «إذن، أنت لم تتزوج من قبل؟ أبدا؟»
أبدا. «هل كانت لديك حبيبة؟»
نعم. «هل كانت لديك حبيبة؟ حقا؟ منذ زمن طويل؟ منذ زمن طويل أم مؤخرا؟»
نعم. «منذ فترة طويلة أم مؤخرا؟ كلاهما. منذ فترة طويلة ومؤخرا. حبيبتان مختلفتان. حبيبة واحدة؟ واحدة. المرأة نفسها. كنت واقعا في عشق المرأة نفسها لسنوات طويلة، لكنك لم تتزوجها. أوه، جاك. ولماذا لم تفعل؟ ألم يكن من الممكن أن تقبل زواجك؟ هي لم تقدر. ولم لا؟ هل كانت متزوجة حينئذ؟ كانت متزوجة؟ نعم. نعم. يا إلهي.»
تأملت وجهه لترى إن كان يؤلمه التحدث في هذا الموضوع، أم أنه أراد أن يسترسل. حسبت أنه يود أن يسترسل. كان الفضول يقتلها حيث أرادت أن تسأل عن مكان هذه المرأة الآن، لكن شيئا ما حذرها ألا تفعل. وبدلا من ذلك، بدأت تتحدث بطريقة لا تفضح فضولها الشديد. «أتساءل إن كان بإمكاني تخمين اسمها؟ هل تذكر الموقف الذي توصلنا فيه إلى مكان عملك في رد دير؟ ألم يكن هذا الموقف رائعا؟ يمكنني أن أبدأ بحرف أ ثم أنتقل إلى بقية الأبجدية لمعرفة اسم حبيبتك. آن؟ أودري؟ أنابيل؟ لا. أعتقد أنني سأتبع حدسي وحسب. جين؟ ماري؟ لويز؟»
كان اسمها بات، اختصار باتريشيا. خمنته في محاولتها الثلاثين تقريبا. «الآن، في مخيلتي، كل من اسمهن بات شقراوات. ليست سمراء. هل تدري كيف تتكون صورة في مخيلتي لأي اسم؟ أكانت شقراء؟ نعم؟ وطويلة، في مخيلتي كل من اسمهن بات طويلات القامة. أكانت طويلة؟ حسنا! كان تخميني صحيحا. طويلة وشقراء. امرأة فاتنة. امرأة جميلة.»
نعم.
شعرت بالخجل من نفسها لأنها تمنت للحظة لو كان في حياتها أحد تخبره بما عرفته عن جاك. «هذا سر إذن بيني وبينك. والآن، إذا أردت أن تكتب رسالة إلى بات، تعال إلي. تعال إلي وسأخمن ما تريد أن تقول لها وسأكتبه لك.»
لا. رسالة لا. أبدا. «حسنا، لدي سر أنا أيضا. كان لي حبيب، لكنه قتل في الحرب العالمية الأولى. رافقني ذات مرة من حفل التزلج إلى بيتي، كان حفل التزلج الذي أقامته مدرستنا. كنت في الصف الأخير من المرحلة الثانوية. وكنت أبلغ من العمر أربعة عشر عاما. كان ذلك قبل الحرب. أعجبت به وكنت أفكر فيه. ولما سمعت أنه قتل، كان ذلك بعد أن تزوجت، فقد تزوجت في السابعة عشرة من عمري، عندما سمعت أنه قتل حدثت نفسي بأن لدي شيئا أتطلع إليه الآن. يمكنني أن أتطلع للقائه في الجنة. هذا صحيح. إلى هذا الحد كنت طفولية.
Unknown page