وظل روحا أبدية الألم.
معلق أنا على مشانق الصباح،
وجبهتي - بالموت - محنية؛
لأنني لم أحنها حية.
اتصل بي الكاتب والروائي السوري نبيل سليمان وقال: «يا نصر، تليفونك مشغول طول الوقت يا خيي، لكن بدي أقول إنك عملت الشويتين دول من شان (علشان) تتخلص من «ابتهال»، واخترعت حكاية القضية، لكن يا خوي هذي «ابتهال» قالت إنها متمسكة بك، خلاص. وكلنا بدنا نعمل مثلك، لكنك فشلت.» ورسومات الكاريكاتير، في الصحف: واحد جالس ينظر إلى زوجته ويقول لنفسه: «أنا عايز أعرف ابن أبو زيد ده عملها ازاي!» وأتتني د. منى ذو الفقار وزوجها الأستاذ علي الشلقاني يطلبان توكيلا قانونيا بتكوين لجنة دفاع أمام محكمة النقض؛ دفاع عن المجتمع والسلام الاجتماعي وتهديد القيم المصرية.
والغريب أن المحاكم المصرية تمتلئ بقضايا الطلاق التي تستمر سنوات ولا يفصل فيها، «والتي فيها من الإجحاف ما فيها لحقوق السيدة المصرية، إلا أن «ابتهال» هي المرأة الوحيدة التي لم تطلب الطلاق وتطلق رغما عنها»؛ فأرسلت كلمة إلى الندوة العربية التحضيرية للمؤتمر العالمي للأمم المتحدة حول المرأة، التي عقدت في تونس في الخامس والعشرين من يونيو، تحدثت فيها عن هتك عرضها من قبل من رفعوا القضية، وقالت: «زاعمين أنهم قاموا بذلك من أجل مصلحتي ولحمايتي. هل نسوا أني كائن عاقل بالغ كامل الأهلية، وصلت إلى سن الرشد منذ زمن، وأستاذة جامعية أساهم في بناء وتنشئة جيل المستقبل؛ أم إن المرأة ستظل في نظرهم مجرد حيوان من فصيلة الثدييات، مجردا من أي وعي أو عقل أو إدراك، يقتصر دوره فقط على إشباع الرغبات والإنجاب؟»
دخل فرد الأمن الذي يلازمنا إلى شقتنا المليئة بالضيوف يخبرني أن «أتوبيس» بالخارج. سألته: «أتوبيس ؟ أتوبيس إيه؟» قال والقلق على وجهه: «أتوبيس طلبة، بيقولوا إنهم من تلاميذك وعايزين يسلموا عليك.» قلت: «يسلموا علي؟! الشقة ليس بها ثقب، سأخرج لهم بالخارج.» قال في حدة: «لكن يا دكتور ليكون حد فيهم مخبي حاجة يطعنك بها.» قلت بحسم: «الطلبة؟ لا، هؤلاء ولادي.» خرجت إلى الشارع، وكان «أتوبيس» رقيق الحال، جمعوا نفقاته بأنفسهم ليعبروا عن مساندتهم. أخبرتهم أن شقتي صغيرة، وليس هناك مكان للترحيب بهم، وأنا شاكر وممتن لهم. تفهموا الوضع، ونزلوا من «الأتوبيس»، وسلمت عليهم فردا فردا. وكان ذلك يعطيني الأمل في مواصلة الدفاع عن قيم الحق والعدل والحرية. «جاءت الأخبار يوم السابع والعشرين من يونيو؛ أسبوعان بعد الحكم، ومحاولة اغتيال رئيس الدولة ذاته، في زيارته لأديس أبابا بأثيوبيا. أخبار زادت الاحتقان بالداخل، وتكشف عن المدى الذي وصلت إليه الأمور بمصر» في المواجهة بين سلطة الدولة بأجهزتها القمعية وجماعات العنف الديني المسلحة.
أصبحت حياتي اليومية «مسخرة»، «لست سوى سجين يقف على بابه جنود الشرطة يسألون عن زواره، وأستأذنهم قبل أن أغادر بيتي. لا أستطيع الذهاب إلى أحد أو السهر عند صديق بدونهم؛ فالحكومة تحميني، وتفتح المساجد لمن يطالبون بدمي.» فهل تنتهي القضية بالجنازة الشعبية وبيانات الشجب والإدانة وظهور صورتي في التليفزيون؟
حاول الأمن أن يثنيني عن مناقشة رسالة جامعية لأحد تلامذتي كنت مشرفا عليها بجامعة القاهرة؛ للدواعي الأمنية، لكني رفضت. ركبت سيارتي ومعي رجال الأمن، وسيارة أخرى تتبعنا. وصلت إلى الجامعة، ففوجئت أن الحرس موجود في كل مكان، وعلمت أن الأمن قد أفرغ الجامعة منذ الثانية ظهرا. «لو أمي كانت عايشة كانت فرحت بما يحدث.» وجدت لواء شرطة وعمداء يحيونني أنا ابن الفقراء الذين يرهبون الغفير. وقد وضعت الشرطة أجهزة أشعة كشف الأسلحة ليمر عليها كل من سيحضر المناقشة، وطلبوا من الطالبة «أسماء» من سيحضر من أهلها للتحري عنهم، «وخصصت للمناقشة حجرة صغيرة» من أجل إحكام تأمينها.
من هذه التجربة أدركت الضغوط والعبء على الجامعة، وعلى طلبتي الذين سيكون الأمن حاجزا بيني وبينهم. هذا ونحن في الإجازة الصيفية ، فماذا سيكون الوضع عند عودة الدراسة؟ «وإذا اتخذت الجامعة قرارا بإبعادي عن التدريس لصعوبته الشديدة وسط هذا الحصار، وإذا صممت على التدريس فسيمثل هذا ضغطا شديدا على الجامعة»، التي تتعرض لضغوط شديدة من جانب المتطرفين لفصلي، بعد صدور الحكم. شعرت أن حلم الجامعة الذي عشت وكافحت من أجله يتسرب، وأن جزءا كبيرا من فعاليتي ونشاطي بالتدريس في الجامعة قد تم استئصاله. «أنا عمليا محبوس مسجون.» كيف يمكن لي أن أعيش؟ ليكن ما أشعر به مسألة عاطفية أو نوعا من الرومانسية، «لكني لا أستطيع أن أتحمل دخولي الجامعة على هذا النحو من الحصار وإبعاد الطلبة عني بهذه الطريقة.»
Unknown page