قال: «قتلناه لا أقامه الله، أكنت تريد أن يبقى عثرة في طريقنا؟ لقد مات واسترحنا منه.»
فصاح به: «ويلك! قتلته؟ وبخنجري؟»
قال: «لأن خنجرك موجود لهذا الأمر كما قلت، فأحببت أن أتحمل أنا ذنب القتل وأترك لك فضل الإباء والنزاهة والأريحية وكبر النفس.» وهز رأسه استخفافا وقال: «تريدون إنشاء دول لا نكث فيها ولا غدر، ولم نر صاحب دولة استغنى عن ذلك، ولولا أن غدر أبو مسلم الخراساني ما غلب، والمنصور لو لم يغدر به لم تثبت دولته، والرشيد لو لم يغدر بجعفر لكان في خطر على خلافته. بل ارجع إلى صدر الإسلام تر عليا وأبناءه لم يفشلوا في سياستهم إلا لأنهم توخوا الحق والوفاء وبالغوا في البعد عن الغدر والدهاء. ولو لم يمكر معاوية ويغدر لما استطاع أن ينشئ دولة ولا أقام سلطانا. وقد توارث العلويون حب الحق والتدقيق في الوفاء من علي فكان حظهم الفشل مثل حظه. ما أحوجنا نحن إلى الغدر الآن، على أني لم أكلفك ارتكاب هذه الجريمة فتحملت الذنب وحدي.»
فأعجبه اعتذاره وقال: «ومع ذلك، فإن الغادر تعود عاقبة غدره عليه، والتاريخ أصدق شاهد.» وسكت وقد سره التخلص من الأمين على يده ودون أن يتحمل وزر دمه فقال: «وكيف فعلتم؟ كيف قتلتموه؟ قبحكم الله!»
قال: «سرقت خنجرك وتزييت بزي جند الفرس، وأسرعت إلى المكان الذي تركت الأمين فيه وقد مضى نصف الليل والظلام شديد، فلقيت ببابه بضعة رجال من العجم وسيوفهم مسلولة، فاختلطت بهم ودخلت معهم على الأمين فوجدته قاعدا، ولما رآنا نهض قائما وقد أخذ الرعب منه مأخذا عظيما وقال: «إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهبت والله نفسي في سبيل الله، أما من مغيث أما من أحد من الأبناء؟» أما نحن فظللنا داخلين عليه وكان بيده وسادة تترس بها وهو يقول: «ويحكم! أنا ابن عم رسول الله، أنا ابن هارون، أنا أخو المأمون، الله الله في دمي!» فخفت أن تدرك القوم رأفة فيفسد علينا أمرنا؛ فألححت على رجل أمامي كان سيفه مسلولا بيده وقلت: «عليك به.» فضربه بالسيف على رأسه فرماه الأمين بالوسادة فتقدمت أنا وطعنته بهذا الخنجر في خاصرته فكانت القاضية فصاح: «قتلني، قتلني.» فدخل بقية القوم فذبحوه من قفاه وأخذوا رأسه ومضوا به إلى طاهر وجئت أنا بالخنجر إليك. فإن كنت ترى أني أستوجب القصاص فاحكم علي.»
قال: «يظهر أن الرجل كان مقتولا لا محالة، ولكنك جعلت لخنجري أثرا في القتل حتى يصح النذر. رحم الله الأمين، وهنيئا لنا فقد انتهت مهمتنا.»
قال سلمان: «ونحن راجعون إلى خراسان غدا إذا شئت.»
قال: «ولماذا هذه العجلة؟»
فقال وهو ينظر إليه شزرا: «فرغت أنت من عملك وضمنت مستقبلك، وهذه ميمونة تحت أمرك لو مكثتما هنا أو في غير هنا فأنت مطمئن. أما أنا فلي مأرب في خراسان لم أتوثق منه بعد؛ لذلك أحببت الرجوع.»
قال بهزاد: «وميمونة؟ ألا تخرجها من المكان الذي حبستها فيه؟»
Unknown page