فقال الحسن: «إن دولته ذاهبة لا محالة، ولكن ...»
فقال بهزاد على الفور: «ولكن ذلك لا ينفعنا إلا إذا أذهبناها نحن.»
فضحك الفضل ضحك الظافر وقال: «وإنا لفاعلون إن شاء الله، إنما ينقصنا أن يستحكم الخلاف بين الأخوين حتى يستنصرنا هذا على ذاك فنشترط شرطنا.»
فقال بهزاد: «لا تلبثون أن تسمعوا بذلك قريبا بفضل صاحبنا سلمان. وإلا ذهب إسلامك عبثا!»
فشق هذا التصريح على الفضل؛ لأنه مع اشتهار ذلك عنه واشتراك بهزاد معه فيه، لم يكن يرضى أن يقال عنه إنه أسلم رغبة في الدنيا، أو لعله بعد أن أسلم احتيالا أصبح يرى الإسلام حقا. ولكنه سكت لأنه كان يريد أن يثبت قدم بهزاد في العمل معه لما أظهره من الكفاءة، ثم نظر إلى أخيه الحسن كأنه يكتم أمرا يتردد في التصريح به، ففهم غرضه وابتسم ونظر إلى بهزاد وبقي ساكتا، فابتدره الحسن بالكلام قائلا: «إننا نرى لك فضلا كبيرا في نصرة الفرس، وسيأتي يوم تنال فيه نصيبك من الفوز.»
فقطع الفضل كلامه قائلا: «بل يناله اليوم؛ فهل نجد أكفأ منه لبوران.» يعني بوران بنت الحسن بن سهل، وكانت بارعة الجمال يتحدث أهل خراسان بجمالها وتعقلها.
فلما سمع بهزاد اسمها أجفل؛ لأنه مقيد القلب، ولكنه لم يكن يستطيع رفضا. وكاد الاضطراب يظهر في وجهه ولكنه تجلد وحنى رأسه شاكرا وقال: «إنها نعمة لا أستحقها، ولم أعمل عملا يخولني هذا الإنعام، ونحن لا نزال في أوائل الطريق!»
فاستحسن الفضل عذره ولم يخطر له ببال أنه يتجنب الزواج ببوران وليس في كبراء خراسان واحد لا يتمنى رضاها وقال: «وتكون قد تدرجت في مناصب الدولة.»
فقال بهزاد: «اعذرني يا سيدي وأعفني من المناصب؛ فأنا أخدم أمتي من طريق آخر.» ثم تحفز للوقوف وقال: «وأستأذن الآن في الذهاب إلى منزلي.» قال ذلك ومشى إلى الباب وتناول الصندوق وهم بالخروج، فاستوقفه الفضل قائلا: «ما هذا الصندوق؟»
قال: «إنه صندوق العقاقير يا مولاي.»
Unknown page