قالت: «نعم لي حاجة ...» والتفتت إلى الباب وقالت: «نعم لي حاجة، أين دنانير؟ هي تقص عليك خبري.»
فتجلد الأمين وهو يحسب لهذا المجيء ألف حساب، لما يعلمه من إساءته إلى أبيها. ولكنه استبعد أن تطلع هي على شيء من ذلك فتجاهل وقال: «هل القهرمانة معك؟»
قالت: «نعم، كانت معي في دار النساء، وقد أرادت ألا تفاجئك في هذا المجلس.» ثم نظرت فيما على الأرض من الأدوات وقالت: «أرى مائدتك يا عماه تختلف عن مائدتنا، لعل مائدة الخلفاء هكذا.» قالت ذلك بسذاجة وإخلاص فأصاب قولها قلب الأمين لما حواه من التوبيخ الصريح عفوا، فقال: «إنها مائدة بعض الأضياف كانوا عندنا الليلة. هلمي بنا إلى دار النساء.» قال ذلك ولم يعد يصبر على البقاء هناك، فنهض وأخذ بيدها وهي تتوكأ عليه حتى دخلا قاعة في دار النساء مفروشة بالبسط والنمارق ليس فيها أحد، وأجلسها بجانبه وهو مشتاق إلى سماع شكواها ليطلع على جلية الخبر، ثم صفق فجاءه غلام فقال: «ادع القهرمانة دنانير.»
وبعد قليل دخلت دنانير وهي مطرقة وقد غطت رأسها بالنقاب وهمت بتقبيل يده ثم وقفت متأدبة، فقال: «ما الذي جاء بكما يا دنانير؟»
قالت: «يسوءنا أننا أزعجنا أمير المؤمنين وكدرنا عليه مجلسه، ولكن سيدتي أم حبيبة أبت إلا أن تجيء الليلة ولم أستطع منعها.»
فقال: «وما الخبر؟» قالت: «ألم ترسل إلينا في طلب ضيفتنا؟»
قال: «وأي ضيفة تعنين؟» قالت: «ضيفتنا ميمونة.»
قال: «لم أفهم مرادك، أفصحي.»
فأدركت دنانير أن الفضل فعل ذلك من عند نفسه فقالت: «نزلت عندنا منذ يومين فتاة غريبة اسمها ميمونة، ألفتها سيدتي زينب وأحبتها، فجاءني كتاب من الفضل وزيرك يطلبها باسمك، فاعتذرت من تسليمها لأنها ضيفة ولها حق الجوار، فأرسل إلينا جندا ليأخذوها قسرا، فلما رأت مولاتي إصرارهم على أخذها تعلقت بها وأبت إلا أن تأتي معها، فلم أستطع التخلي عنها فجئت معها.»
فأطرق الأمين وقد أكبر انتحال الفضل اسمه بغير إذنه، ولكنه تجلد وقال: «من هي ميمونة هذه؟ لعلها من موالينا؟»
Unknown page