Amin Khuli
أمين الخولي والأبعاد الفلسفية للتجديد
Genres
ولا شك أن المعتزلة لهم دور خاص في توجيه الفكر الكلامي الإسلامي إلى طريق يؤدي في النهاية إلى التفلسف الذي عاش طور الحضانة تحت جناحهم - بتعبير حسين مروة، وقد أسهب ابن خلدون - على الرغم من أشعريته - في إيضاح هذه القضية والمجرى الذي شقه المعتزلة بين الكلام والفلسفة.
فلم تكن الفلسفة إلا تطويرا لعلم الكلام، ظهرت بعد أن استوفى نضجه، لتمثل دائرة أو مرحلة فكرية أعلى من مرحلة التمهيد الكلامي، أصبح الفكر والواقع مهيئين لها. وكانت الفلسفة أكثر اتصالا بسيرورة العقل البشري، وفي حل عن التمثيل الأيديولوجي الصريح - إن كانت بالطبع لن تتحلل من روابطها به - فتميزت عن الكلام بأنها أولا انطلقت من المفاهيم والمضمون الفكري لا من القضايا المثارة في المجتمع النص بصورة مباشرة، وثانيا لم تتخذ من عقائد الدين مسلمة أو قاعدة مباشرة للبحث.
6 •••
خلاصة ما سبق أن نتوقف عند الأصول الفلسفية لتصور الطبيعة في التراث العربي، كما تشكلت على أيدي المتكلمين، ثم نتتبع نمو الأصول على أيدي الفلاسفة لنصل إليها مع أولئك الطبائعيين الذين نتفق على أنهم العلماء العرب القدامى. •••
وعلى خلاف الظن الشائع احتلت الطبيعيات في علم الكلام مكانا فسيحا في صدر المسرح الفكري، ولئن لم تكن الطبيعة من المشكلات الكبرى أو العناوين التقليدية للمصنفات الكلامية، فإنها منبثة في كل هذا، حتى شهدت مع المتكلمين زخما وثراء.
وكما أشار دي بور، غلب النظر في الطبيعة على المعتزلة الأولين، حتى أن أبا عمرو الجاحظ (+ 255ه) وهو من رواد النزعة الطبيعية في علم الكلام الاعتزالي، ومن المعالم البارزة في تاريخ الثقافة العربية لم يفته التأكيد على أن العالم الحق يجب أن يضم إلى دراسة الكلام دراسة العالم الطبيعي، وكان هو نفسه يصف دائما أفاعيل الطبيعة.
7
فالطبيعيات هي العالم، أو كما قال الجويني إمام الحرمين: «هي كل موجود سوى الله تعالى»
8
وملكوته وملائكته، هي عالم الشهادة، بتعبير معاصر هي الكون الفيزيقي، وبتعبير المتكلمين هي اللطائف.
Unknown page