86

Amal Wa Yutubiya

الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ

Genres

والآن، ما هو موقف هيجل من الإمكان، وهو المعروف بأنه مفكر «العقل العيني الحي» لا «الفهم المجرد»؟ الحق أننا نفاجأ (في موسوعة العلوم الفلسفية، الفقرة 143) بأن هيجل يقتبس عبارة كانط التي سبق أن أوردناها عن مقولات الجهة التي يبعدها - أي كانط - عن الموضوع الواقعي ويدخلها في عداد «أشكال الفكر الخالصة» مما يرجح أن هيجل يوافقه على رأيه. ويزيد من قوة هذا الترجيح أن هيجل يضيف مباشرة بعد الاقتباس السابق عن كانط: «الحق إن الإمكان هو التجريد الفارغ للتأمل في ذاته، هو ما سمي من قبل بالباطن، وإن كان «يوضع» الآن كذلك بوصفه ذلك الذي تم رفعه، ووضعه فقط، وتحديده باعتباره الباطن الخارجي، ومن ثم باعتباره مجرد الحكم (

Modatity ) وحسب، وتجريد غير كاف، وباعتبار أنه - إذا أخذ من الناحية العينية - لا يتعلق إلا بالتفكير الذاتي ... وبوجه خاص لا يجب في الفلسفة أن يتكلم أحد عن أن شيئا ممكن أو أن شيئا آخر غيره ممكن أيضا، وأن هناك شيئا - كما يعبر البعض كذلك - يقبل التفكير فيه.»

74

والغريب أن هيجل لا يكتفي في بعض الأحوال بوصف الإمكان بأنه «تجريد فارغ التأمل في ذاته» وإنما يتقدم أبعد من ذلك فيقول عنه إنه «لحظة في ذاتها

moment of reality in itself » من لحظات الواقع، غير أن هذا الإمكان الذي يصفه بأنه واقعي تحيط به دائرة الماضي أو على الأصح دائرة الواقع القائم الذي تم بالفعل. ويكفي أن نقرأ العبارة التالية من «المنطق» لنتأكد مما نقول «ولذلك فإن ما هو ممكن إمكانا واقعيا، لا يمكن بعد أن يكون شيئا وآخر (مختلفا)، وتحت هذه الشروط والظروف لا يمكن أن ينتج شيء آخر مختلف.»

75

ولا بد لإنصاف هيجل من معرفة قصده من أمثال هذه العبارة والسياق الذي ترد فيه. فهو هنا يتكلم باعتباره عدوا للآراء الجوفاء المطلقة من كل قيد، وإدخال الظن والتكهن والكلام السهل عما «كان يمكن» أن يحدث في التاريخ، أو ما كان يمكن أن تكون عليه «الدولة» أو الإنسان ... إلخ من منظور المثل الأعلى المجرد. ومع ذلك فلا بد أيضا من القول بأنه لا يتحدث ولا يفكر من منظور المستقبل، وإنه يؤكد هنا أيضا أنه «جدلي الماضي» الذي يدور جدله على الدوام في دائرة ما حدث ويحدث على الدوام، وما سيعود عودة الدائرة إلى الأبد، ولعلنا لا نظلمه كثيرا إذا قلنا إنه - على الأقل في كلامه عن الإمكان - يؤكد رأي بعض خصومه ونقاده بأنه هيجل «الرجعي» الذي لا مكان للتغيير المستقبلي في فلسفته، وهيجل الذي يقول صراحة في المقدمة المعروفة لفلسفة الحق إن «فكرة العالم لا تظهر إلا حين يكتمل الواقع الفعلي وتنتهي عملية تطوره.»

76

وكأنما يؤكد بعبارات أخرى ما سبق أن أكده الجدلي الميجاري الذي سبق أن أوردنا قياسه المثير الذي لم يخل من المغالطة ولا من السخرية من الحركة والتغيير ومن ثم من أي إمكان واقعي للمستقبل. وكلا للرجلين الجدليين - مع الفرق الشاسع بينهما - يثبت الزمان على الماضي الذي تلتف دائرته الحتمية حول رقبة العالم كله.

ولا شك أن هذه النزعة السكونية عند الفيلسوف الجدلي الكبير لا بد أن تثير الدهشة والانزعاج أيضا. وموقفه من «الإمكان» هو الذي يثبت هذه الشكوك التي وصلت عند الكثير من خصومه إلى حد الإدانة والاتهام، وأنستهم أنه مؤسس قوانين الجدل التي زلزلت العالم والوعي وأدخلتهما في ملحمة الصراع (الذي تم في رأي هؤلاء الخصوم في الماضي، ويكتفي الفيلسوف باستعادة دائرته الكلية والضرورية) على نحو ما يقول مثلا في الفقرة 139 من موسوعة العلوم الفلسفية: «إن ما هو داخلي فهو كذلك موجود في الخارج والعكس صحيح، والظاهر لا يبدي شيئا ليس موجودا في الماهية، كما أن الماهية ليس فيها شيء لم يتم ظهوره أو تجليه.»

Unknown page