Amal Wa Yutubiya
الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ
Genres
وإذا كان أرسطو قد قسم القضية من حيث الجهة إلى أربعة أقسام: (أ) الضروري أو الواجب الذي لا يمكن أن يكون بخلاف ما هو كائن. (ب) الممكن باعتبار ما كان، وهو الشيء الذي حدث في الماضي وكان يمكن ألا يحدث، أي لم تكن ثمة ضرورة وجودية تقتضي أن يكون قد وجد. (ج) الممكن باعتبار ما سيكون، وهو ما لم يحدث بعد ولكن من الممكن أن يحدث يوما ما. (د) والمستحيل أو الممتع الذي لا يمكن أن يكون أبدا.
37
إذا كان أرسطو قد أقام هذا التقسيم، فإن العلاقات الكائنة بين أطراف العبارات والتركيبات - السالفة الذكر - هي علاقات تضاد أو تناقض ولكن يمكن التفكير فيها من الناحية الشكلية البحتة، لأن في هذا المستوى الأول من مستويات مقولة الإمكان يبحث بلوخ الممكن على مستوى الفكر وليس على مستوى الواقع. لذلك يمكن تركيب عدد لا حصر له من هذه التركيبات التي يرفضها منطق العقل والمعقول، والتي أخضعها بعض فلاسفة التحليل المعاصرين وبعض الوضعيين المناطقة - مثل رودلف كارناب - للفحص المنطقي الدقيق، وبينوا أنها يمكن أن تكون سليمة من الناحية اللغوية والنحوية، ولكنها مرفوضة من الناحية المنطقية. ويذكر بلوخ من هذه العبارات اللامعقولة: «المثلث الغاضب»، «الحصان الراعد»، «قيصر عدد صحيح»، «الجبل الواسع الاطلاع»، وأمثال هذه التركيبات التي يمكن أن يكون بعضها موحيا في اللغة الأدبية والشعرية، ولكن الذي يهمنا من هذا السياق هو إمكان التفكير فيها من الناحية الشكلية، ومهما تكن عقيمة وغير دقيقة وبلا معنى، فهي تبين على كل حال «الممكن» الذي يقبل التفكير فيه، ولكن إذا كان مجال الإمكان بالنسبة للتفكير متسعا بغير حدود، فهل ينطبق نفس الشيء على مجال الإمكان المفتوح أمام المعرفة؟ هل يمكن لهذا الأخير أن يكون أكثر تحديدا أو أكثر موضوعية وإن لم يتحقق بعد بصورة ملموسة؟ (ب) الإمكان الموضوعي من الناحية المعرفية
The factually objectively
هذا الإمكان لا يكمن في التفكير بوجه عام، بقدر ما يكمن في المعرفة. وعلى الرغم من الاتساع الهائل لإمكانات المعرفة بشتى مجالاتها وميادينها وموضوعاتها، فإن إمكاناتها من الممكن وصفها وتحديدها وبيان شروطها المعروفة أو القابلة للمعرفة، هذا الوصف وهذا التحديد يتعلقان بدرجات المعرفة ومستوياتها بالنسبة لموضوع معين، لا بدرجات ومستويات الشروط الداخلية الكامنة في هذا الموضوع نفسه ومدى النضج الذي وصل إليه بحيث يكون «موضوعيا» بحق، ومعنى هذا بعبارة أوضح أننا لا نبحث هنا «الإمكان الموضوعي» أي بمفهومه الموضوعي الدقيق المتحقق بالفعل، وإنما نبحث من جهة كون معرفتنا به - سواء كانت موضوعية أو غير موضوعية - ملائمة أو غير ملائمة. ويتمثل هذا الإمكان في الصيغ والتركيبات التي تعبر عن اعتقاد أو ترجيح يقوم على مبرر أو مبررات تؤيده، فالتبرير هنا هو الشرط أو السبب الذي يجعلنا نعتقد في ذلك الإمكان أو نرجحه، مع العلم بأن هذا التبرير المعرفي لم يصل بعد إلى النضج الكافي لجعل الإمكان موضوعيا، كما لم يؤد بعد إلى بلورته أو تحقيقه في صيغة كاملة أو مرضية. في هذه الحالة لم يتم التوصل بعد إلى معرفة كل شروط الإمكان - التي تحتم تحقيقه - معرفة موضوعية كافية، أي أن الإمكان هنا يكون مشروطا بصورة جزئية، وبهذا وحده يوصف بأنه ممكن - والواقع أن هذا هو المعيار الذي نقيس به درجات الإمكان ومستوياته في كل أشكاله وتحولاته - ولو صرفنا النظر عن الإمكان الصوري أو الشكلي من الناحية الفكرية البحتة كما ذكرناه في البداية، لكان الممكن هو المنفتح بوجه عام ودون تحديد، وذلك لعدم كفاية شروط تحققه أو لعدم كفاية معرفتنا بها أو للسببين معا. وطالما أننا لا نعرف سوى بعض هذه الشروط، أي ما دمنا لا نعرفها كلها، فيستحيل أن نستدل من مثل هذا الإمكان على الوجود الواقعي. وهنا يصدق المبدأ المدرسي (الاسكولائي) المعروف الذي يقول: «لا يجوز الاستدلال من الإمكان على الوجود.»
38
نعود إلى الإمكان من الناحية المعرفية فنقول إن الذي يميزه - عن غيره من أشكال الإمكان - هو المعرفة الموضوعية الجزئية بشروطه (أي بالشروط التي تجعله ممكنا بحق، أو ناضجا للتحقق) ونحن نصف هذه المعرفة بأنها مشروطة وجزئية، لأن توافر مجموع الشروط التي تنقل الشيء أو الحدث إلى مرحلة التحقق لا يجعل هذا التحقق أمرا محتملا أو مرجحا فحسب، وإنما يجعله أمرا محققا بصورة مطلقة وغير مشروطة، ولذلك فلا يجوز أن نراهن على تحققه أو عدم تحققه بعد اكتمال المعرفة الموضوعية بكل شروطه، بل إن بلوخ ليؤكد أن ذلك الموقف لن يخلو - من الناحية الإنسانية - من الغباء.
39
ويتم التعبير عن الإمكان الموضوعي من ناحية المعرفة به في صورة حكم شرطي
hypothical judgement ، أو في صورة حكم احتمالي أو إشكالي
Unknown page