Amal Wa Yutubiya
الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ
Genres
11
بهذا لا تكتفي الذات بالمحافظة على نفسها حية، ولا تقتصر على النضال دفاعا عن حقها في البقاء، بل تصبح قوة مدمرة لكل ما يعوق بقاءها. ويمتد حفظ الذات من الفناء إلى الخارج فيطيح بكل ما يقف في طريقه. إن جوع الطبقة الدنيا وحرمانها يخرج من نطاق ذاته ويمتد للعالم الخارجي لإزالة أسباب معاناته. وتتمثل محاولة إشباع الدافع في العمل البشري الذي يهدف إلى إرضاء الحاجات وإشباعها. وهكذا يعرف الإنسان خطته ويضعها بنفسه ويتوقع تحقيقها، وفي هذه اللحظة يتشكل العنصر المفعم بالأماني في الأحاسيس المتوقعة التي تنشأ دائما من الجوع. وتأتي أحلام اليقظة من الشعور بالافتقار لشيء ما في العالم الخارجي، فتكون أحلاما بحياة أفضل. ومن هذه الأحلام ما هو مليء بالخرافات بحيث يمكن اعتباره هروبا من الواقع، أما أحلام اليقظة الحقيقية التي نقصدها فتمد البشر بالشجاعة والأمل، لا بالنظر بعيدا عن الواقع، ولكن بالغوص داخله.
وتدعو أحلام اليقظة الإنسان إلى ما يسميه بلوخ «المغامرة إلى الماوراء»،
12
والسير خطوة أو خطوات إلى الأمام. ويدل هذا على شيئين أساسيين: أولهما أنه لم يسقط شيء خارج الوعي، وبالتالي فليس هناك شيء مكبوت من الناحية السيكولوجية، وثانيهما أنه ليس فيها ارتداد إلى ماضي الأسلاف والانطلاق من الإنسان البدائي.
13
بهذا تكون المغامرة إلى الماوراء هي البحث عن الجديد دائما، ومن ثم فليس لها مكان في اللاوعي الذي هو مجرد تعرف على ما كان موجودا من قبل. والذي يدفع الذات البشرية لأن تمتد من ذاتها إلى العالم الخارجي وتندفع إلى الأمام هو ما يسميه بلوخ بال «ليس-بعد» أي الوعي بما يفتقر إليه الإنسان ولم يوجد بعد في العالم الخارجي. إنه استشراف الجديد الذي يلوح في الأفق. وهذا الجديد ليس موجودا في الماضي، بل هو الأمل الذي يحمله المستقبل.
هنا يجب أن نتساءل: هل يعني هذا أن كل الأحلام لديها القدرة على «المغامرة إلى الماوراء»، وبالتالي القدرة على التغيير؟ من المؤكد أن تأتي الإجابة بالنفي. فلو نظرنا على سبيل المثال إلى الأحلام التي أخضعها علم النفس للتحليل لوجدناها من نوع مختلف تماما. لذلك يضع بلوخ تفرقته الدقيقة بين نوعين من الأحلام هما الأحلام التي يراها الإنسان أثناء نومه في الليل، أي تلك التي لا يستحضرها المرء بإرادته، والأحلام الأخرى التي يرسمها الخيال البشري في حال يقظته، وتعي الذات حدودها، وفي هذين النوعين من الأحلام يتم إشباع الرغبات بصورة مختلفة. (1) الوعي في أحلام الليل
لا يكف الإنسان عن الحلم سواء في الليل أو النهار، فالنزوع لتحسين قدرنا لا ينام حتى في نومنا، فكيف لا يكون فاعلا في يقظتنا؟ إن الليل هو أول ما يخطر ببالنا عند ذكر كلمة الحلم، وكأن لهذه الكلمة أصولا ليلية. وكلمة الحالم تفترض مسبقا الشخص النائم حيث ينعدم نشاط الحواس الخارجية. والنائم لا يحلم ليستيقظ، فالحلم دليل على استغراق الحالم في نومه، الذي لا ينهض منه قبل بداية الوعي بواسطة منبه داخلي أو خارجي. وهذا النوع من الأحلام الذي يتم في الليل يكون في الغالب إشباعا لرغبة كامنة في اللاوعي. وربما يتضمن هذا النوع من الأحلام بعض الصور المعبرة عن الرغبة في حياة أفضل ولكنها وإن جاءت بشكل مشوش وغير متجانس، تمثل عنصرا أساسيا في الوعي اليوتوبي.
14
Unknown page