Amal Wa Yutubiya
الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ
Genres
43
إن تاريخ الانفصال بين الذات والموضوع في عملية المعرفة - أو بالأحرى انقطاع العلاقة والوحدة المباشرة بينهما مما أدى إلى ظهور التفكير المجرد - هو في الوقت نفسه تاريخ التطور من التبادل البسيط أو المقايضة إلى الرأسمالية. أضف إلى هذا أن التفكير المجرد قد تطور أيضا مع التطور المتزايد في تجريد التبادل، بحيث أصبح ينظر إلى المنتجات المختلفة في علاقتها بالعنصر المجرد المشترك بينها، أي بحيث صارت قيمتها في عملية التبادل هي الشيء الوحيد المهم، وهو الأمر الذي تم في المرحلة السابقة على الرأسمالية، ثم تزايد وبلغ ذروته في ظل العلاقات الرأسمالية.
44
ولا بد من القول بأن الانفصال الذي تم بالتدريج بين الذات والموضوع لم يجعل التبادل والتفكير قطبين متعارضين أو متضادين، لأن المسألة في الواقع هي مسألة علاقة إنتاج متبادلة بين أشكال الوعي وأشكال الوجود. وتطور المال ودوره في التعامل والتبادل السلعي يوضح هذه المسألة. فقد استلزم التبادل عن طريق المال توحيد القيمة المادية والكمية للأشياء المختلفة في قيمتها الكيفية «ومن ثم تستطيع أشياء غير ذات قيمة نسبية، منها الورق مثلا، أن تعمل كرموز للعملة الذهبية.»
45
أي أن تلك القيمة الكمية تفترض تجريد المنتجات المختلفة. من صفات أو خصائص محددة هي في صميمها صفات أو خصائص كيفية. هذا التجريد والتوحيد قد تم قبل كل شيء في رأس الإنسان، ثم ترتب عليه بعد ذلك من الناحية الواقعية «موضعة» القيمة، أي تجريدها.
في شكل «مال» أو عملة نقية؛ مما ساعد في نفس الوقت على زيادة قدرة الإنسان على التجريد أو التفكير المجرد بعد مساعدتها على نشوئها .
46
يتضح مما سبق أن نوعا معينا من الوعي أو التفكير (وهو التفكير المجرد أو التجريد) هو عنصر أساسي ساهم في تكوين وتطور الرأسمالية التي تمثل في نظر الماركسية آخر مرحلة تاريخية ومنطقية لتطور عملية التبادل السلعي، كما أن هذا الوعي أو التفكير المجرد قد تكون بدوره من خلال تطور عملية التبادل السلعي وبخاصة منذ تطور التبادل عن طريق المال الذي قام عليه تطور العلاقات الرأسمالية والذاتية البرجوازية في ظل هذه العلاقات.
47
Unknown page