الأشخاص أصحاب الرؤية الحمراء هم النموذج التقليدي للسمر، مثل الشعوب اللاتينية. وفي الغالب تكون عيونهم داكنة، وشعرهم داكنا، وبشرتهم داكنة، وألوانهم المفضلة، بطبيعة الحال، هي الأحمر وكل الألوان الدافئة، وهو انحياز ربما لا يكون له أصل روحي، لكنه - على الأرجح - نتيجة لعملية فسيولوجية تتمثل في التأقلم مع الموجات الطويلة من الضوء. أما أصحاب البشرة الشقراء، فهم أصحاب «رؤية خضراء»، وقد يكون لديهم تصبغ مختلف؛ فهم من الشعوب النوردية والإسكندنافية، وعيونهم زرقاء، وشعرهم فاتح، وبشرتهم فاتحة، وألوانهم المفضلة هي الأزرق والأخضر.
ودعما لنظرية ينش، فإنها لحقيقة واضحة كون أن العامل الحاسم في الألوان المفضلة يبدو أنه ضوء الشمس (أو عدمه)؛ فعندما يكون ضوء الشمس وافرا، يميل الناس إلى إظهار تفضيلهم للألوان الدافئة الفاقعة، وعندما يكون ضوء الشمس أقل نسبيا، فإنهم يميلون إلى تفضيل الألوان الباردة والفاتحة. وقد وجدت أن نظرية ينش صحيحة إلى حد كبير فيما يخص الألوان المفضلة بين الشعوب النوردية والشعوب اللاتينية. وإليكم، إذن، نقطة انطلاق يمكننا من خلالها إجراء المزيد من التحسينات. (2) هيرمان رورشاخ
ولد هيرمان رورشاخ في عام 1884، وهو ابن مدرس فنون سويسري. درس الطب واهتم مبكرا بالأمراض العقلية. وعلى الرغم من أنه توفي في سن مبكرة عن 37 عاما، فقد قدم مجموعة لوحات اختبار لتشخيص الأمراض النفسية، مشهورة ومألوفة في الوقت الحاضر بأنها بقع حبر تشبه الفراشات؛ عددها في المجمل عشر، خمس منها باللون الأبيض والأسود فقط، واثنتان باللون الأسود والأحمر، وثلاث بالألوان الكاملة. كان يهدف إلى عرضها على مرضى الأمراض العقلية على أمل كشف علامات الأمراض العصابية، وأمراض الذهان، والاضطرابات العقلية العضوية.
وعلى الرغم من معارضة وانتقاد البعض لاختبار رورشاخ، فقد أثنى عليه آخرون وقبلوه أيضا. ما زال هذا الاختبار مستخدما حتى وقتنا الحاضر، وكتبت العديد من الكتب والمقالات عنه. ومن المنصف الاعتراف بأن كثيرا من الحقائق والأدلة التي يوردها اختبار رورشاخ من الممكن الإعراض عنها بسبب ميلها إلى الافتراضات والتعميمات. إن الطبيعة البشرية مراوغة؛ فلا يوجد رجل أو امرأة أو طفل له طابع أو مزاج واحد طوال الوقت. والمرض والظروف والأحداث قد تسبب اضطراب العقل والكثير من التشوهات. كيف إذن يمكن استخدام بقع حبر رورشاخ؟
يتأثر بعض الأشخاص في الغالب بالشكل، والبعض الآخر يتأثر باللون. وعند تفسير هذه اللوحات يطلب من المرضى التعبير عن مشاعرهم واستجاباتهم وارتباطاتهم. بعضهم يفكر على نحو تجريدي، يهتم بما إذا كانت اللوحات جميلة أم لا، والبعض الآخر يفكر على نحو مادي ويرى أشياء وطيورا وزهورا. وتطلبت هذه الاستجابات التفكر والقدرة على التعبير اللفظي، لكن ماذا عن الاستجابات غير المنطوقة؟ وجد رورشاخ وأتباعه ملاحظة أخرى طريفة، مما يؤيد رأي ينش عن الشعوب النوردية والشعوب اللاتينية؛ فعند عرض اللوحات، يستطيع الباحث أو المشخص أن يرى حركات وجه أو جسد المريض. واكتشفوا أن الأشخاص الذين يبدو أنهم متأقلمون جيدا مع الحياة والعالم، والذين أحبوا الألوان بوضوح - لكنهم كانوا رغم ذلك منزعجين إلى حد ما - يميلون على الأرجح إلى الإصابة بالاكتئاب الهوسي. أما الأشخاص الذين بدوا منزعجين من الألوان، أو بدا أنهم يرفضون الألوان، فلديهم ميول نحو الإصابة بالفصام. واستحضارا لإشارة كارل يونج عن الأشخاص المنبسطين والأشخاص الانقباضيين (أي الأشخاص أصحاب الاهتمامات المتوجهة نحو الخارج مقارنة بالأشخاص أصحاب الاهتمامات المتوجهة نحو الداخل)، فمن الممكن أن نقول على نحو منصف إن الشعوب اللاتينية والأشخاص المنبسطين ومرضى الاكتئاب الهوسي ابتهجوا بالألوان، في حين أن الشعوب النوردية والأشخاص الانقباضيين ومرضى الفصام انزعجوا من الألوان. وفي واقع الأمر، وجدت استجابات إيجابية وسلبية، وكانت معبرة إلى حد كبير (قد يعارض القارئ ذلك، لكنه يضفي قدرا من المعقولية على الموضوع وتبريرا لهذا الفصل).
ولدى برونو كلوبفر ودوجلاس كيلي؛ وهما من الممارسين لاختبار رورشاخ، ملاحظة حول اختبار رورشاخ: «على الأرجح، إن أهم علامة على الاستجابة الدالة على الإصابة بالعصاب هي الصدمة عند رؤية الألوان؛ فكل طلبة هذه الطريقة وجدوا أن مرضى العصاب يظهرون هذه الصدمة دائما، وأن نسبة قليلة فقط من الأشخاص الطبيعيين وغيرهم من الأشخاص المصابين بمختلف الأمراض أظهروا هذه الصدمة.» وبذلك فإن قبول الألوان أو رفضها يكشف على نحو كبير الميول الانبساطية أو الانقباضية، كما يشير أيضا إلى وجود أهمية نفسية في كل من الألوان المعينة التي قد «يحبها» الشخص، وكذلك في الألوان التي قد «يكرهها». وقد أسهم رورشاخ وأتباعه كثيرا في تقديم نظام معقول لموضوع هذا الفصل.
بالنسبة لكثير من الأشخاص المصابين بالعصاب، لا سيما مرضى الفصام (حوالي ستين في المائة من مرضى الأمراض العقلية القابعين في المستشفيات)، قد يمثل اللون تطفلا غير مرغوب فيه في حياتهم الداخلية؛ فهم ببساطة لا يحبونه أو لا يرغبون فيه! أما بالنسبة لمدمن الخمور، على سبيل المثال، ذلك الشخص الذي قد يكون انقباضيا عندما لا يكون ثملا، ويكون منبسطا عندما يكون مخمورا، فقد تتغير استجابته للألوان من اللامبالاة إلى الابتهاج. ولاحظ رورشاخ أن الاستجابة للألوان التي قد تكون أكثر وضوحا من حين لآخر من الممكن اعتبارها مقياسا لدرجة الخرف في مرضى الصرع. وكان من المحتمل ظهور صدمة الألوان (رفضها) لدى مرضى الفصام والهيستيريا والوسواس القهري، ونادرا ما كانت تظهر لدى مرضى الاكتئاب الهوسي. وأظهر الأشخاص الذين يعانون من الوهن العصبي (الإنهاك، الانهيار العصبي) استجابة قليلة تجاه الألوان. إذا كان يوجد اهتمام باللون أكثر من الشكل، فقد يعتبر اللون «عدوا فتاكا يهدد باقتحام عالم المريض الداخلي المعزول بعناية، وابتلاعه في دوامات علاقات الواقع الخطيرة التي لا يمكنه التغلب عليها.» ومن الممكن أيضا ملاحظة وجود اكتئاب حاد إذا فضل الشخص البطاقات السوداء والبيضاء على البطاقات الملونة. (3) ماكس فيستر
دعوني أناقش باقتضاب عمل ماكس فيستر. على الرغم من أنه نشر «اختبار هرم الألوان» في عام 1950 («بعد» لوشر)، فإنه لم يحظ بالتأثير الذي حققه اختبار رورشاخ أو اختبار لوشر في الولايات المتحدة. وفي واقع الأمر، فإن اختبار فيستر لم يحظ بعد بالرواج في اللغة الإنجليزية، على الرغم من أن كيه وارنر شايه؛ من جامعة جنوب كاليفورنيا، كتب عن بحثه وعن المطبوعات الألمانية التي خصصت لهذا البحث.
يهدف اختبار هرم الألوان إلى كشف «سمات الشخصية المنحرفة»، فيعطى المرضى مخططا به خمسة عشر مربعا مرتبة على شكل هرم، بحيث يوجد خمسة مربعات في القاعدة، ومربع واحد على القمة. ويقدم للمرضى مربعات متماثلة في الصغر ملونة بأربعة وعشرين لونا مختلفا، ويطالبون بوضع المربعات الملونة في مجموعة من الأهرام. ومطلوب من المرضى الاستجابة من منطلق الحدس، والتعبير عن مجموعات الألوان التي تبدو متناغمة، ومجموعات الألوان التي تبدو قبيحة. وبعد ذلك يقوم مسئولون مدربون بالمراجعات.
وتفسيرا لبعض نتائج شايه، فإن الأشخاص الذين «يبعثرون» الألوان تكون الألوان هي المسيطرة لديهم، بينما الأشخاص الذين «ينظمون» الألوان يكون الشكل هو المسيطر لديهم. كما يراعى أيضا الاستخدام الحر أو المتحفظ لكل لون على حدة؛ فالاستخدام الحر للون الأحمر قد يشير إلى السمات الانبساطية، وقد يشير اللون البرتقالي إلى الرغبة في «تكوين علاقات اجتماعية جيدة»، وقد يشير اللون الأصفر إلى «علاقات شخصية محددة»، وقد يشير الأخضر إلى «أعراض اضطراب نفسي»، وقد يشير الأزرق إلى العقلانية، والأرجواني إلى القلق، والأبيض إلى ميول نحو الإصابة بالفصام. وكما لاحظ رورشاخ، ولوشر وغيرهم (من بينهم أنا)، فإن الأشخاص الطبيعيين يميلون إلى تفضيل الألوان الأساسية، بينما قد يختار الأشخاص المضطربون اللون الأبيض، والرمادي، والبني، والأسود. (4) ماكس لوشر
Unknown page