توجد تناغمات قائمة على التشابه، ويتمثل ذلك في الألوان المتجاورة في دائرة الألوان؛ وهي: الأحمر مع البرتقالي المحمر، أو البرتقالي، أو البنفسجي المحمر، أو البنفسجي. وتوجد تناغمات الأضداد المباشرة أو الألوان المتكاملة؛ وهي: الأحمر مع الأخضر، والأصفر مع البنفسجي، والبرتقالي مع الأزرق، وكل لون من هذه الألوان يقع مواجها للآخر في دائرة الألوان. وتوجد تناغمات الألوان المتكاملة المنقسمة؛ وهي: لون أساسي مع اللونين الموجودين على جانبي اللون المكمل له. ومن أمثلة ذلك: الأحمر مع الأخضر المصفر والأخضر المزرق، والأصفر مع البنفسجي المحمر والبنفسجي المزرق، والأزرق مع البرتقالي المحمر والبرتقالي المصفر. وتوجد التناغمات الثلاثية؛ وهي ثلاثة ألوان تقع على مسافة متساوية بعضها من بعض في دائرة الألوان؛ مثل الأحمر والأصفر والأزرق، والبرتقالي والأخضر والبنفسجي، والبرتقالي المصفر، والأخضر المزرق، والبنفسجي المحمر. وتوجد تناغمات رباعية، وتضم أربعة ألوان موجودة على مسافة متساوية بعضها من بعض في دائرة الألوان؛ مثل: الأحمر والبرتقالي المصفر والأخضر والبنفسجي المزرق، والأصفر والأخضر المزرق والبنفسجي والبرتقالي المحمر، والأزرق والبنفسجي المحمر والبرتقالي والأخضر المصفر. وأضاف شيفيرول قائلا إنه «عندما يكون الجمع بين لونين يعطي مظهرا سيئا، فمن المفيد دائما الفصل بينهما باللون الأبيض.» وكان الأسود مناسبا أيضا للفصل بين الألوان. أما الرمادي فكان «أقل تأثيرا من الأسود والأبيض.»
أما تأثير شيفيرول الذي ما زال مستمرا على أنماط الفن المعاصرة فقط، فتمحور حول قانون التباين المتزامن. كيف يعمل هذا القانون؟ لنقتبس ما قاله: «إذا نظرنا في الوقت نفسه لقطاعين من درجتين مختلفتين للون نفسه، أو لقطاعين من الدرجة نفسها للونين مختلفين متجاورين، فإذا كان القطاعان غير عريضين للغاية، فسوف تدرك العين تعديلات معينة تؤثر أولا على شدة اللون، وتؤثر ثانيا على التركيبة البصرية للونين المتجاورين تباعا. كل الظواهر التي لاحظتها تبدو لي أنها تعتمد على قانون بسيط للغاية إذا نظرنا إلى معناه العام قد يمكننا التعبير عنه بهذه الطريقة: «في حالة رؤية العين في الوقت نفسه للونين متجاورين، سيبدو اللونان مختلفين قدر الإمكان، من حيث كل من التركيبة البصرية وشدة درجة كل منهما.» وهذا يعني أن اللونين المختلفي «اللون» سوف يميلان إلى «التباعد» إلى حد كبير أحدهما عن الآخر، واللونين المختلفي «القيمة» (السطوع) سوف يظهر أحدهما أفتح، والآخر أغمق من الآخر بسبب التباين.»
ومضى شيفيرول في سرد قوائم طويلة وأمثلة على هذا التباين. وكانت هذه النتائج المدهشة راجعة إلى كل من تأثير الصور التلوية وإلى النتائج الفردية للألوان المختلفة التي تشوشت أو امتزجت على شبكية العين. وكثير مما قاله شيفيرول يعتبر كلاما أكاديميا في وقتنا المعاصر. أما في وقت شيفيرول فقد كانت تلك الحقائق مذهلة. وفي حال لم يكن القارئ على معرفة بأمور التباين المتزامن في الألوان، فإليكم بعض أمثلة هذا التباين: إذا رأينا منطقة حمراء بالقرب من منطقة صفراء، فإن الصورة التلوية للأحمر (الأخضر) سوف تجعل الأصفر يبدو مخضرا، والصورة التلوية البنفسجية للأصفر سوف تجعل الأحمر بالمثل يبدو أرجوانيا، بيد أن اللونين المكملين يعزز سطوع أحدهما الآخر، ويجعل كل منهما الآخر يبدو ساطعا. فإذا تجاور الأحمر والأخضر، فكل منهما ستزيد قوته بسبب صورهما التلوية. وعن هذا كتب شيفيرول: «الأحمر؛ اللون المكمل للأخضر، عند إضافته للأحمر، فإنه يزيد من شدته، والأخضر؛ اللون المكمل للأحمر، عند إضافته للأخضر، فإنه يقوي شدته.»
وفي مسألة الخلطات البصرية (الخطوط الرفيعة أو النقاط الصغيرة الملونة المختلطة في شبكية العين) تمكن شيفيرول من استخدام خبرته الكبيرة في عالم الألوان التي اكتسبها أثناء صناعة أقمشة النجود في مصنعي جوبلين وبوفيه، وصناعة السجاد في مصنع سافونري؛ تلك المنسوجات الفرنسية المتميزة عالميا. وتمثلت استنتاجاته فيما يلي: «يوجد «مزيج من الألوان» يحدث عند تجزئة مواد مختلفة الألوان تجزئة شديدة، ثم تجميعها بحيث لا تستطيع العين تمييز تلك المواد بعضها عن بعض؛ وفي هذه الحالة تتلقى العين انطباعا واحدا.» ويختلف هذا الانطباع عن انطباع الألوان المرئية في المناطق الكبيرة المتجاورة. وقد أثبت الأمريكي أوجدن رود لاحقا أنه يتمتع بقدر كبير من قوة الملاحظة في موضوع خلطات الألوان المرئية. (7) أوجدن نيكولاس رود
أصبح أوجدن نيكولاس رود؛ الأستاذ بجامعة كولومبيا في نيويورك، المرجعية الأمريكية الرائدة في البصريات الفسيولوجية عند نشر كتابه «علم الألوان الحديث» في عام 1879، والذي أصبح عنوانه في الطبعات اللاحقة «كتاب الألوان للطلاب». وعلى الرغم من كون رود عالما، فإنه كان يمتلك موهبة كبيرة بصفته فنانا، ومن ثم كان قادرا على تفسير البيانات التقنية تفسيرا جيدا بمفردات جمالية مفهومة. الأمر المميز في رود أن كتابه؛ الذي ترجم إلى الفرنسية في عام 1881، أصبح مرجعا لأتباع المدرسة الانطباعية الجديدة، وقرأه بنهم رسامون أمثال: كاميل بيسارو، وجورج سورا، وبول سينياك.
كتب رود: «نشير إلى عادة وضع كمية مكونة من نقاط صغيرة من لونين قريبا جدا أحدهما من الآخر، والسماح باختلاطهما عن طريق العين من على مسافة مناسبة ... والنتائج المكتسبة من خلال هذه الطريقة هي خلطات حقيقية من الضوء الملون ... وهذه الطريقة هي تقريبا الطريقة العملية الوحيدة المتاحة للفنان، التي من خلالها يمكنه فعليا مزج، ليس الأصباغ، لكن كتل الضوء الملون.» كان هذا مبدأ أسلوب التجزؤ الذي درسه (لكن لفترات قصيرة) رسامون مثل: فان جوخ، وهنري ماتيس، وإميل برنارد، وتولوز لوتريك. وقد بقيت أمثلة مميزة للمدرسة التجزيئية من صنع هؤلاء الرسامين.
قدم رود النصح إلى ألبرت إتش مونسل عند تطوير كرة مونسل للألوان، ونظرا لموهبته في الفن، فقد تضمن كتابه فصولا عن الرسم والزخرفة والتناغم، وأقر بأن الشكل أهم من الألوان في الرسوم الواقعية، لكن «في فن الزخرفة يكون عنصر اللون أهم من الشكل.» وكرر كثيرا من تجارب شيفيرول، وتحدث عن تناغم الأضداد، والألوان المتجاورة، والألوان الثلاثية، وقدم قوائم شاملة لمجموعات الألوان السيئة، والمتدنية، وغير المستحسنة، والمستساغة والممتازة. وعلى غرار جوته، فقد شعر أن «الأخضر والأزرق، على سبيل المثال، اجتماعهما معا فقير من الناحية الجمالية، ورغم ذلك فإن وجودهما معا يتكرر باستمرار في الطبيعة، كما في حالة رؤية السماء الزرقاء من خلال أوراق الأشجار الخضراء.» وربما استعار مونسل كلام رود في العبارة التالية الواردة في كتاب «علم الألوان الحديث»: «نعود الآن لفرضية أن أفضل تأثير ينتج عندما تكون الألوان الموجودة في أحد التصاميم متناسبة؛ بحيث إذا صنعنا خليطا مركبا من هذه النسب يكون الناتج لونا رماديا حياديا.»
كان رود مصدر فخر لأمريكا، وقد أعيد نشر كتابه الرائع الذي يستحق إعادة النشر في وقت قريب (1973). لقد دافع عن المعرفة والانضباط - والموهبة - بصفتها من متطلبات الفن. (8) فاسيلي كاندينسكي
قليل من الرسامين العظماء كانوا أصحاب نظريات ألوان، باستثناء قليل كان منهم دافنشي. في واقع الأمر كان السير جوشوا رينولدز محاضرا أكثر منه معلما. وعلى الرغم من أن ديلاكروا كان مراقبا فطنا للطبيعة، فإنه لم يحاول تحديد أو تنظيم ملاحظاته الكثيرة النبيهة حول الألوان. أما في الفنون المعاصرة، فيتربع اسم فاسيلي كاندينسكي على عرش الرومانسية بل والتمجيد. فمن بين واضعي نظريات الألوان، وضع كاندينسكي نظرية تعد الأكثر خيالية وغموضا بين النظريات. ولقد طبق أفكاره على لوحاته الخاصة، واستغل طيف الألوان ليقدم بعضا من أندر التصاميم التجريدية على مستوى حرفة الرسم، وفي هذه التأثيرات كان الشكل قطعا في المرتبة التالية للألوان.
كان كاندينسكي، مثل معظم الرسامين، يؤمن بالفردانية؛ فقد كانت شخصيته تصبغ كل افتراضاته بصبغته الخاصة، وكان يرى أن للألوان تأثيرا روحانيا تماما مثلما لها صفة مادية؛ «فالألوان تصدر ذبذبات روحانية مماثلة. ولأنه فقط يمثل خطوة تجاه هذه الذبذبات الروحانية، فإن هذا الانطباع المادي الأولي يعد في غاية الأهمية.» وهذا يعني أن اللون لديه قدرات غريبة، وأن مسائل التناغم لا بد أن تتأمل روح الإنسان وكذلك رؤيته. «من الواضح ... أن تناغم الألوان لا بد أن يعتمد فقط على الذبذبات المماثلة في الروح الإنسانية. وهذا أحد المبادئ الدالة للحاجة الداخلية.»
Unknown page