Allah Kawn Insan
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
Genres
لا يوجد دين بدون أساطير تعمل على توضيح المعتقد وإغنائه، فإذا وجد مثل هذا الدين فإن أتباعه سوف يبحثون عاجلا أم آجلا عن أساطير تروي عندهم تلك الحاجة المتأصلة في النفس الإنسانية إلى الأسطورة. ومثالنا الحي على ذلك البوذية؛ فالبوذية في حلتها الأصلية التي صاغها سيدهارتا غوتاما كانت مجردة من الأساطير لأنها كانت ديانة بدون آلهة، وكان البوذا يصرف أذهان تلاميذه عن المسائل الميتافيزيكية التي كانوا يسألونه بشأنها، ويركز لهم على الهم الأساسي للبوذي، ألا وهو التحرر من هذا العالم المادي، ومن إسار دورة الميلاد والموت بقوى الإنسان الشخصية؛ لأن الآلهة إذا وجدت فلن تستطيع مد يد المساعدة إليه، ولكن هذه الصيغة من البوذية لم تبق على حالها، وجاء معلمون بوذيون فقالوا إن البوذا كان يعلم سرا أنه ليس على الإنسان أن يخلص نفسه، وإنما يمكن له الحصول على المساعدة. وهكذا بدأت بالظهور بوذية جديدة هي بوذية سميت بالماهايانا؛ أي المركبة الكبرى؛ لأنها صارت قادرة على تخليص أعداد كبيرة من الأرواح، أما البوذية الأصلية فقد دعيت بالهينايانا؛ أي المركبة الصغرى؛ لأنها لم تكن تصلح إلا لتخليص نخبة من الناس. وهكذا صار الكون حتى حدوده الخارجية مشبعا بالكائنات الماورائية الحانية التي تستطيع مد يد العون إلى البشر، وعادت الأدعية والصلوات إلى البوذية بعد أن كانت بلا فائدة، وجرى إمداد الأتقياء بالرسوم الجدارية والمنحوتات لكي يسجدوا أمامها ويتضرعوا إليها، ولم يعد الخلاص أمرا يمكن تحقيقه بالجهد الذاتي فقط. (س):
ما نوع الأساطير التي نجدها في الديانات التوحيدية؟ (ج):
لدينا أساطير رئيسية وأخرى ثانوية ؛ فمن الأساطير الرئيسية هنالك أسطورة الخلق والتكوين، وجنة عدن، وعصيان الإنسان الأول وسقوطه، وتمرد الملاك إبليس وتحوله إلى شيطان، ويمكن اعتبار مشاهد اليوم الأخير والجنة والنار بمثابة أساطير تعليمية تهدف إلى تزويد المعتقد بصورة حية نابضة. ومن الأساطير الثانوية التي تروى عن مسيرة التاريخ البشري لدينا أسطورة الطوفان الكبير، وقصص الأنبياء، وما جرى لهم مع أقوامهم، وتدمير المدن العاصية التي لم تستجب لرسالة الأنبياء. (س):
هل هنالك من أسطورة مركزية بين ما ذكرت؟ (ج):
بالتأكيد؛ فأسطورة التكوين في كل المنظومات الميثولوجية هي أم الأساطير. (س):
لماذا؟ ومن أين تأتي أهميتها؟ (ج):
لأنه مع فعل الخلق يبدأ تاريخ الألوهة وتاريخ الإنسان، أما ما سبق ذلك فقد كانت الألوهة في حالة أشبه بالعدم لأنها لم تكن تفعل شيئا؛ ولهذا سئل نبي الإسلام من قبل أحد صحابته: «أين كان الله قبل أن يخلق خلقه؟» فأجاب: «كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء، وخلق عرشه على الماء.» ولدينا حديث قدسي (أي المتكلم فيه هو الله) يتداوله الصوفية بشكل خاص يقول: «كنت كنزا مخفيا لا أعرف، فخلقت الخلق، فبه عرفوني.» أي إن الألوهة المتسربلة بالأبدية لا تعلن عن نفسها إلا عند دخولها في الزمن وفي تاريخ الكون والإنسان، وذلك مع قيامها بفعل الخلق الذي مد المكان وأطلق الزمان. إن فعل التكوين الذي أظهرت الألوهة من خلاله كل ما عداها، هو الذي أخرجها من حالة الكمون في الأزلية الساكنة إلى حالة الوجود والفعالية. وهي بإظهارها ما عداها قد أظهرت نفسها بالمقابل؛ ولهذا يضع الصوفي عبد الكريم الجيلي على لسان الحق قوله لوليه: «لا تتقيد باسم العبد؛ فلولا العبد ما كان الرب. أنت أظهرتني كما أنا أظهرتك». كتاب الإنسان الكامل. (س):
وهل هذا يعني أن الإله الخالق كان قبل الخلق وجودا افتراضيا؟ (ج):
هذا إذا فسرنا الوجود الافتراضي بأنه حالة من عدم الفعالية؛ فالإله الأزلي القابع وراء الزمن الجاري موجود في ذاته ولذاته، وهو لا يباشر وجوده الفعلي إلا عندما يبتدر الزمن ويعلن عن فعاليته فيه؛ ولهذا يمكن أن نقول بأن الأسطورة لا تتشكل عندما يكون الإنسان في ذهنه صورا للآلهة، بل عندما يعزو إلى هذه الآلهة بداية محددة في الزمن، وعندما تباشر فعاليتها في سياق زمني. وهنا يتحول الوعي الإنساني من فكرة الألوهة إلى تاريخها. (س):
الدخول في التاريخ يعني أن الميثولوجيا سوف تتابع سرد تاريخ الألوهة وتشابكه مع تاريخ الإنسان. (ج):
Unknown page