إن عدد النسوة اللواتي عرفن موضع القبر ثم جئن في صباح الأحد ومعهن الحنوط غير محدد، ويذكر الكاتب أسماء ثلاث منهن فقط، هن: مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وحنة. بينما ورد في إنجيل متى أنهن اثنتان: مريم المجدلية ومريم الأخرى. وفي إنجيل يوحنا تأتي مريم المجدلية وحدها إلى القبر. (2)
لم يتراءى يسوع للمرة الأولى أمام النسوة (المجدلية وحدها عند يوحنا، والمجدلية ومريم الأخرى عند متى)، وإنما أمام تلميذين يقصدان قرية خارج أورشليم، أحدهما يدعى كليوباس والآخر مجهول. وبعد ذلك ظهر لبطرس ثم للتلاميذ مجتمعين. وهذه الظهورات الثلاثة تحصل جميعها في أورشليم ومحيطها، وذلك في مقابل ثلاثة ظهورات في أورشليم ورابع في الجليل عند يوحنا، وظهور في أورشليم وثان في الجليل عند متى. (3)
لم يتعرف التلميذان على يسوع في ظهوره الأول لهما إلا بعد وصولهما معه إلى القرية عندما تناول الخبز وكسره، مثلما لم تتعرف عليه المجدلية عند يوحنا في ظهوره الأول لها وظنت أنه البستاني. وهذه ظاهرة غريبة لم يفسرها لنا النص. (4)
عندما أخبرت النسوة التلاميذ بشأن قبر يسوع الفارغ، بدا لهم هذا القول ضربا من الهذيان. وهذا يدل أيضا على أن التلاميذ لم يسمعوا سابقا بنبوءة يسوع عن موته وقيامته في اليوم الثالث. (5)
بعد سماع الخبر يهرع بطرس وحده لرؤية القبر، أما عند يوحنا فإن بطرس والتلميذ الآخر المغفل الاسم يهرعان معا إلى الموضع. بينما أغفل متى محاولة التأكد هذه وجعل التلاميذ يتوجهون مباشرة إلى الجليل لرؤية يسوع هناك. (6)
يلفت نظرنا بشكل خاص الطريقة التي صاغ بها لوقا حادثة صعود يسوع إلى السماء عندما قال: «وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأصعد إلى السماء.» وهذا يعني أن صعود يسوع جرى في خفية عن تلاميذه وليس على مرأى منهم. وأن كاتب الإنجيل إنما يقرر هنا عقيدة لاهوتية أكثر من وصفه لحادثة مشهودة.
لقد استبعدنا حتى الآن من هذه المقارنة الآيات الاثنتي عشرة الأخيرة من إنجيل مرقس، والتي تتحدث عن ظهورات يسوع وصعوده إلى السماء، لأنها غير موجودة في نص مرقس الأصلي. ومع ذلك فلا بأس من وقفة قصيرة عند هذه الخاتمة، وإليكم نصها: «وبعدما قام باكرا في أول أسبوع ظهر أولا لمريم المجدلية التي كان قد أخرج منها سبعة شياطين، فذهبت هذه وأخبرت الذين كانوا معه وهم ينوحون ويبكون. فلما سمع أولئك أنه حي وقد نظرته لم يصدقوا. وبعد ذلك ظهر بهيئة أخرى لاثنين منهم وهما يمشيان منطلقين إلى البرية. وذهب هذان وأخبرا الباقين فلم يصدقوا ولا هذين. أخيرا ظهر للأحد عشر وهم متكئون ووبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم، لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام، وقال لهم: اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن. وهذه الآيات تتبع المؤمنين: يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بألسنة جديدة، يحملون حيات، وإن شربوا شيئا مميتا لا يضرهم، ويضعون أيديهم على المرضى فيبرءون. ثم إن الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله.» (مرقس، 16: 9-19)
تفتقر هذه الخاتمة إلى الأصالة والحيوية التي ميزت الخاتمات الثلاث. فالظهور الأول ليسوع كان للمجدلية وحدها على ما هو الحال عند يوحنا. وقد وصفها صاحب هذه الخاتمة بأنها التي أخرج منها يسوع سبعة شياطين، مقتفيا بذلك أثر لوقا 8: 1-3. أما الظهور الثاني ليسوع لاثنين من التلاميذ وهما يمشيان في البرية، فمأخوذ من إنجيل لوقا 24: 13-35. وكذلك الأمر في الظهور الثالث للأحد عشر وهم مجتمعون في أورشليم (لوقا، 24: 36-37. قارن أيضا مع يوحنا، 20: 26). كما نلاحظ أن خطاب يسوع للأحد عشر مأخوذ من متى 28: 18-20. وتكلمهم بألسنة جديدة مأخوذ من سفر أعمال الرسل 2: 1-4، وصعود يسوع إلى السماء مأخوذ من لوقا 24: 51. أما عن القول بأنه جلس عن يمين الله، فإن الكاتب هنا لا يصف الحادثة كما وقعت وإنما يقرر فكرة لاهوتية صارت راسخة فيما بعد. لأنه إذا كان أحد قد شاهد يسوع يصعد إلى السماء، فكيف رآه جالسا عن يمين الله؟
ليس هذا كل شيء عن خفايا إنجيل مرقس. فقد صرنا نعرف الآن عن وجود نص لهذا الإنجيل أقدم من نص دير سانتا كاترينا، يدعوه الباحثون اليوم بإنجيل مرقس السري. وهذا ما سوف نتعرض له في الحلقة الثانية من هذه الدراسة.
إنجيل مرقس السري
Unknown page