Albert Camus Muqaddima Qasira

Mumin Mahmud Ramadan Ahmad d. 1450 AH
43

Albert Camus Muqaddima Qasira

ألبير كامو: مقدمة قصيرة جدا

Genres

وفي الجمهورية الفرنسية يعد كامو مبجلا بالفعل. إنه يجسد مثالها الأعلى؛ فقد كان رغم كل شيء الابن البسيط لخادمة، ومشرف على بستان عنب مات في الحرب. وبمساعدة الدولة الفرنسية ونظامها التعليمي، أصبح كاتبا مشهورا وحائزا على جائزة نوبل؛ تلك الإنجازات في حد ذاتها دعاية لنظام التعليم الفرنسي والجمهورية الفرنسية ككل. أصبح كامو أشبه بمعبود الجماهير المنزه عن الانتقاد بالنسبة إلى فرنسا. وانتقاده يرى إلى حد ما انتقادا لفرنسا نفسها.

يرقى انتقاده أيضا إلى «قتل الإوزة السحرية التي تبيض ذهبا»؛ ففي عالم النشر، يعد كامو مصدر إيراد كبير. فهو يوفر ما لا يوفره إلا قليل من المؤلفين الفرنسيين: إمكانية قراءة قصص في إطار استعماري تخفي ما يتعرض له السكان الأصليون من قمع. معظم الكتاب الفرنسيين في القرن التاسع عشر كانوا إما يطربون بالاستعمار وإما متألمين منه؛ أما كامو فيظهر عدم اكتراث به في روايتيه الأكثر شهرة، «الغريب» و«الطاعون». يقمع كامو اللاوعي الاستعماري، ويفسر هذا القمع كثيرا من الجاذبية الدائمة نحوه.

لكن كامو كان مصدر إلهام أكثر من كونه شخصا يحظى بالتقدير أو تمارس محاولات للتمسح بآرائه وأفكاره. في عام 2013، كتب الصحفي والروائي ومؤرخ الأحداث كامل داود «ميرسو، تحقيق مضاد»، وهي تتمة جريئة وأصيلة لرواية «الغريب» لكامو. من حيث بنيتها، رواية داود تماثل «السقطة» أكثر من «الغريب»؛ لأنها حوار ذاتي طويل يتنكر في شكل حوار بين رجلين. الشخصية الرئيسية، واسمها هارون، هي بعينها أخو الرجل العربي الذي قتله ميرسو. تبدأ الرواية بمعارضة الرؤية الأوروبية الأحادية الجانب في الرواية الأصلية. نتعرف على الرجل الذي قتله ميرسو، والذي كان يسمى موسى، وعلى حزن عائلة موسى الشديد، الذي لم يثره فقط الحدث نفسه، بل غياب اهتمام كامو والمجتمع الفرنسي بهم وبجانبهم من القصة أيضا. وفي المقابل نكتشف أن هارون نفسه قتل شابا أبيض عن غير عمد على ما يبدو، الجريمة التي اعتقل بسببها.

رغم ذلك، لا تعد «ميرسو، تحقيق مضاد» عملا للتنديد؛ لأننا سرعان ما نعي أن الكتاب أيضا فيه تكريم وتقدير لرواية «الغريب». في الواقع، العديد من موضوعات رواية داود وفقراته كاموية الطابع على نحو فريد واستثنائي. على سبيل المثال، يعترض داود على الدولة الجزائرية الأحادية الحزب في فقرة يلقي فيها ضابط من جبهة التحرير خطبة على مسامع موسى - بعد اعتقاله - عن العلم الجزائري الجديد، تماما كما فعل المدعي العام بالصليب في وجه ميرسو في رواية «الغريب». يتحدى داود وكامو كلاهما مجموعة من القيم الثقافية المصاحبة لما يرونه أنظمة إقصائية، سواء كانت الجمهورية الفرنسية أو الدولة الجزائرية المستقلة حديثا. ولذا، فإن رواية داود نقد لتحيز كامو الاستعماري واحتفاء بنقده القاسي لجوانب أخرى من المجتمع الفرنسي.

مثال آخر من نوع مختلف على إحياء كامو هو فيلم «يازجي» (الذي يترجم إلى «القدر»)، وهو المعالجة السينمائية التركية المقتبسة عن رواية «الغريب»، والذي أخرجه زكي ديميركوبوز، وصدر عام 2001. في فيلم «القدر»، ميرسو يدعى موسى. وبعد قتله لرجلين، توجه الاتهامات إليه ويدان، ويعفى عنه في النهاية في جريمة قتل أخرى لم يرتكبها. تقع أحداث الفيلم في تركيا، في مفترق طرق جغرافي وثقافي بين أوروبا والشرق الأوسط، وهي بيئة تحرر القصة من وطأة الاستعمار. في هذا الإطار، حيث لا يعد العرق عاملا فاعلا، ربما يكون عدم اكتراث موسى أشد تدميرا. يحول ديميركوبوز الاغتراب الاجتماعي العميق والناتج عن عالم تحكمه قيم العائلة والعمل والوطن إلى فن، كما فعل كامو في «الغريب» مع القيم المسيحية والحياة المكتبية وصعود السلم الاجتماعي.

بقاء كامو في الأذهان

من دواعي المفارقة أن ما يجعل كامو كاتبا استثنائيا، كاتبا كانت أعماله ولا تزال قابلة لأن يرتبط بها الملايين حول قارات العالم ويروا فيها أنفسهم، ربما يكون أصوله المتواضعة. فعلى عكس أغلبية الروائيين الفرنسيين المشهود لهم، أتى كامو من عائلة شديدة الفقر؛ وقبل أن يصبح مشهورا، كان المال وطريقة كسب ما يكفي منه للعيش على نحو مريح مصدر قلق دائم. كان كامو في شبابه دائم العمل في وظيفة. فقد عمل عندما كان في المدرسة الثانوية، وعمل عندما كان طالبا في الجامعة - في وظائف مختلفة كلها غير جذابة يقوم فيها بمهام مكررة ومملة على طاولة مكتب في مقر ما. وتعكس رواية «الغريب»، وهي أشهر أعمال كامو، تلك الخلفية. كما أوفد كامو نوعا جديدا من الأبطال في الأدب الفرنسي: الموظف، وهو في بطولته واقعي؛ فقصته لم تكن عن صعود السلم الاجتماعي.

وتتجلى موهبة كامو العظمى، التي تتمثل في قدرته على ترجمة مجموعة من القوانين الجديدة، وواقع اجتماعي جديد، وأسلوب حياة جديد إلى فن، في أحسن صورها في فكرته عن الغبطة. ففي عام 1936، بعد انتخاب التكتل اليساري الذي يعرف باسم «الجبهة الشعبية»، وبعد الإضرابات والاستيلاء على المصانع الذي تبع ذلك، حصل العمال الفرنسيون على إجازات مدفوعة الأجر وأسبوع عمل أقصر. بدأ الناس يخرجون في رحلات، على دراجاتهم بشكل رئيسي، وحدثت مجموعة تفاعلات جديدة مع الطبيعة. فمع تقصير أسبوع العمل، ذهب الناس إلى الشاطئ والجبال والريف. كان ذلك اكتشافا على الصعيد القومي وتغيرا شاملا في الحياة اليومية لغالبية الشعب الفرنسي، التغير الذي لا يزال مستمرا حتى اليوم. أصبحت الطبيعة مصدر سعادة ومهربا من تقلبات الحياة.

بعدها بأشهر قليلة فقط، وبالنظر إلى هذه التغيرات، كون كامو تصوره الأول عن فكرة «الغبطة»، علاقة خاصة مع الطبيعة، لحظات (لا تكون طويلة أبدا، كما أشار) من التفاعل المميز مع الشمس والشاطئ، كمصدر للسعادة وطريقة لإضفاء معنى لوجود كان سيصبح بلا معنى لولاها. تصور كامو عن العبث وتجربته معه يعليان من أهمية فكرة «الغبطة» على نحو محوري؛ ولذا لا يمكن فصل بعضهما عن بعض. «غبطة» كامو هي عطلة نهاية الأسبوع، أو رحلة إلى الشاطئ، أو التجول في الطبيعة. قد نرى أن ذلك بديهي في وقتنا الحاضر، لكنه كان طفرة صاعقة في ثلاثينيات القرن العشرين.

بالإضافة إلى ذلك، سجل كامو وصور طريقة حياة جديدة لا تشبه غيرها. كانت موهبته العظيمة والمتميزة قادرة على أن تحول واقعا اجتماعيا جديدا للعالم إلى أعمال عن طريق إحساس «الغبطة». تصوره عن الطبيعة - كمصدر نفيس للدعم الشديد الأهمية في عالم كان سيكون عدوانيا دونها - له صدى قوي عند القراء؛ لأنه يرتبط بالطريقة التي يعيش بها كثيرون حياتهم الآن. كامو كاتب استثنائي؛ لأنه كان قادرا على تسجيل لحظات يومية وعادية من حياة قرائه (التي كانت من حياته أيضا) وتحويلها إلى فن. لكنه كان محاصرا بين المستعمرة وعاصمة الإمبراطورية الاستعمارية، وأعماله تعكس في الوقت نفسه تنشئته الاستعمارية بكل النواقص التي تتضمنها، لا سيما فيما يخص غياب شخصيات جزائرية ذات قيمة في رواياته أو مسرحياته.

Unknown page