Siraj Munir
السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير
Publisher
مطبعة بولاق (الأميرية)
Edition Number
الأولى
Publisher Location
القاهرة
Genres
الحجارة وكلمها تطعك لعلهم يعتبرون وقوله تعالى: ﴿فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا﴾ متعلق بمحذوف أي: فضربه فانفجرت أي: سالت، قال أبو عمرو بن العلاء: انبجست: عرقت وانفجرت: سالت، وقال عطاء: كان يضربه موسى اثنتي عشرة ضربة فيظهر على كل موضع ضربة مثل ثدي المرأة فيعرق ثم تنفجر الأنهار ثم تسيل ﴿قد علم كل أناس﴾ أي: سبط منهم ﴿مشربهم﴾ أي: عينهم التي يشربون منها لا يدخل سبط على غيره في شربه وقلنا لهم: ﴿كلوا واشربوا من رزق الله﴾ أي: كلوا من المنّ والسلوى واشربوا من الماء فهذا كله من رزق الله الذي يأتيكم بلا مشقة ﴿ولا تعثوا﴾ أي: لا تعتدوا ﴿في الأرض مفسدين﴾ أي: حال إفسادكم وإنما قيده لأنه وإن غلب في الفساد قد يكون منه ما ليس بفساد كمقابلة الظالم المعتدي بفعله ومنه ما يتضمّن صلاحًا راجحًا على الفساد كقتل الخضر الغلام وخرقه السفينة.
تنبيه: من أنكر أمثال هذه المعجزات فلغاية جهله بالله تعالى وقلة تدبره في عجائب صنعه فإنه لما أمكن أن يكون من الأحجار ما يحلق الشعر كالنورة ويجذب الحديد كالمغناطيس وينفر الخل كالكهربان فإنه إذا وضع في إناء لا يحصل الخل في ذلك الإناء لم يمتنع أن يخلق الله حجرًا يسخره لجذب الماء من تحت الأرض أو لجذب الهواء من الجوانب الأربعة ويصيره ماء بقوّة التدبير ونحو ذلك.
فإن قيل: له ذرية والملائكة لا ذرية لهم. أجيب: بأنّ ابن عباس روى أنّ من الملائكة نوعًا يتوالدون يقال لهم: الجن ومنهم إبليس، وقيل: إن الله تعالى لما أخرجه من الملائكة جعل له ذرية وأنّ من الملائكة من ليس بمعصوم وإن كان الغالب فيهم العصمة كما أنّ من الإنس معصومين وهم الأنبياء والغالب في الإنس عدم العصمة ولمن زعم أنه لم يكن من الملائكة أن يقول إنه كان جنيًا نشأ بين أظهر الملائكة وكان مغمورًا بالألوف منهم فغلبوا عليه لقوله تعالى: ﴿إلا إبليس كان من الجنّ ففسق عن أمر ربه﴾ (الكهف، ٥٠) وهو أصل الجنّ كما أنّ آدم أصل الإنس ولأنه خلق من النار والملائكة خلقوا من النور، قال البغوي: والأوّل أصح لأنّ خطاب السجود كان مع الملائكة وقوله تعالى: ﴿كان من الجنّ﴾ أي من الملائكة الذين هم خزنة الجنة، وقال سعيد بن جبير: من الذين يعملون في الجنة، وقال قوم: من الملائكة الذين كانوا يصوغون حلى الجنة وقيل: إنّ الجنّ أيضًا كانوا مأمورين مع الملائكة لكنه استغنى بذكر الملائكة عن ذكرهم فإذا علم أن الأكابر وهم الملائكة مأمورون بالتذلل لأحد والتوسل به علم أيضًا أن الأصاغر وهم الجنّ مأمورون به أيضًا والضمير في فسجدوا راجع للقبيلين فكأنه قال: فسجد المأمورون بالسجود إلا إبليس.
تنبيه: من فوائد الآية استقباح الاستكبار وأنه يفضي بصاحبه إلى الكفر والحث على الائتمار لأمره وترك الخوض فيما لا ينبغي في سر نفسه وأن الأمر للوجوب وأن الذي علم الله من حاله أنه يتوفى على الكفر هو الكافر على الحقيقة إذ العبرة بالخواتيم وإن كان بحكم الوقت الحاضر مؤمنًا.
﴿مصرًا﴾ من الأمصار، والمصر البلد العظيم
1 / 64