Siraj Munir
السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير
Publisher
مطبعة بولاق (الأميرية)
Edition Number
الأولى
Publisher Location
القاهرة
Genres
فيها، فتعين كونها شرطًا لصحة الاعتكاف، وأنّ الوطء محرّم في الاعتكاف ويفسده؛ لأنّ النهي في العادات يوجب الفساد، أما ما دون الجماع من المباشرات فإن كان بشهوة فحرام، ولا يبطل اعتكافه إن لم ينزل، فإن أنزل وكان بلا حائل فكالجماع وإلا فلا، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: «كان رسول الله ﷺ إذا اعتكف أدنى إليّ رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان» ﴿تلك﴾ الأحكام المذكورة وهي قوله تعالى: ﴿الآن باشروهنّ﴾ إلى قوله تعالى ﴿في المساجد﴾ ﴿حدود الله﴾ حدها لعذابه ليقفوا عندها ﴿فلا تقربوها﴾ نهى تعالى أن يقرب الحد الحاجز بين الحق والباطل؛ لئلا يداني الباطل فضلًا أن يتخطى عنه، وهذا أبلغ من قوله تعالى في آية أخرى ﴿فلا تعتدوها﴾ (البقرة، ٢٢٩)، لكن في ذلك مأمورات وهي لا ينهى عن قربانها، فالمراد منها أضدادها بناء على أنّ
الأمر بالشيء نهي عن ضدّه أو مستلزم له؛ ليصح النهي عن قربانها، ويجوز أن يراد بحدود الله محارمه ونواهيه. وعلى هذا فالنهي عن القربان ظاهر كما قال ﵊: «إنّ لكل ملك حمى، وإن حمى الله في أرضه محارمه، فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه» رواه الشيخان ﴿كذلك﴾ أي: كما بيّن لكم ما ذكر ﴿يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون﴾ أي: لكي يتقوا مخالفة الأوامر والنواهي فينجوا من العذاب.
﴿ولا تأكلوا أموالكم بينكم﴾ أي: لا يأكل بعضهم مال بعض ﴿بالباطل﴾ أي: الحرام شرعًا كالغصب والسرقة وقوله تعالى: ﴿وتدلوا﴾ مجزوم داخل في حكم النهي، أو منصوب بإضمار، أن والإدلاء الإلقاء أي: ولا تلقوا ﴿بها﴾ أي: بحكومتها وبالأموال رشوة ﴿إلى الحكام لتأكلوا﴾ بالتحاكم ﴿فريقًا﴾ أي: طائفة ﴿من أموال الناس بالإثم﴾ أي: بما يوجب إثمًا كشهادة الزور واليمين الكاذبة أو متلبس بالإثم، فالباء إمّا للسببية فتكون متعلقة بتأكلوا، أو للمصاحبة فتتعلق بمحذوف، وتكون مع مدخولها حالًا من فاعل تأكلوا ﴿وأنتم تعلمون﴾ أنكم مبطلون فإن ارتكاب المعصية مع العلم أقبح.
روي «أن عبدان الحضرمي ادّعى على امرىء القيس الكندي قطعة أرض ولم يكن له بينة فحكم رسول الله ﷺ بأن يحلف امرؤ القيس فهمّ بالحلف فقرأ عليه رسول الله ﷺ ﴿إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا﴾ (آل عمران، ٧٧) فارتدع عن اليمين، وسلّم الأرض لعبدان» فنزلت، وهو دليل على أنّ حكم القاضي لا ينفذ في باطن الأمر وفيه خلاف ظاهر، ويؤيده قوله ﷺ لخصمين اختصما إليه: «إنما أنا بشر وأنتم تختصمون لديّ، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته - أي: أقوم وأقدر - عليها من بعض فأقضي له على ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من أخيه فإنما أقطع له قطعة من نار» قبكيا وقال كل واحد منهما: حقي لصاحبي، فقال: «اذهبا وتواخيا ثم استهما ثم ليحل كل واحد منكما صاحبه» و«سأل معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم رسول الله ﷺ ما بال الهلال يبدو دقيقًا كالخيط ثم يزيد حتى يمتلىء نورًا ويستوي ثم لا يزال ينقص حتى يعود دقيقًا كما بدا ولا يكون على حالة واحدة كالشمس؟ فنزل:
﴿يسئلونك﴾ يا محمد ﴿عن الأهلة﴾ جمع هلال مثل رداء وأردية، والهلال اسم له: أوّل الليلة الأولى والثانية والثالثة، وبعدها يسمى قمرًا، وهنا سماه بأوّل حالاته لأنّ الناس يرفعون أصواتهم بالذكر عند رؤيته من قولهم: استهل الصبيّ إذا صرخ حين يولد ﴿قل﴾ لهم
1 / 125